الوسائل المعينة على الاستيقاظ لصلاة الفجر

الوسائل المعينة على الاستيقاظ لصلاة الفجر

الخطبة الأولى:

الحمد لله كما ينبغي لربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد فاتقوا الله عباد الله، {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا} [سورة النساء: 9].

العبادات.. بها يتقرب العبد إلى بارئه، ويحقق عبوديته لخالقه، ويطهّر فؤاده وجوارحه، وتأنس بها روحه وتهدأ بها مشاعره، وبها يحفظ الرب ما امتن به على العبد من النعم، من صحة وعافية، وزوج وولد ومال وجاه، {وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [سورة إبراهيم: 34].

هذه (تُسْتُر) مدينة فارسية خيالية الجمال، محصنة بالجدر والجند، هذا اسمها في التاريخ، واسمها الحالي (شوشتر)، تُعدُّ من أبرز العواصم التاريخية، حاصرها المسلمون شهورًا متتابعة، وكان من بينهم الصحابي الجليل البراء بن مالك رضي الله عنه البطل المقدام، الذي قَتَلَ يومئذ مائة من الكفرة مبارزةً سوى مَن قتل غيرهم، وقد كثر القتل من الفريقين، وتزاحفوا أيامًا متعددة، حتى إذا كان في آخر زحف، قال المسلمون للبراء بن مالك – وكان مجاب الدعوة-: يا براء، أقسم على ربك ليهزمنهم لنا. فقال: اللهم اهزمهم لنا، واستشهدني.. وبلّغه الله مناه فاستُشهد.

وانهزم الفرس حتى أدخلهم المسلمون خنادقهم واقتحموها عليهم، ولجأ المشركون إلى البلد فتحصنوا به وقد ضاقت بهم البلد، وطلب رجل من أهل البلد الأمان من القائد أبي موسى رضي الله عنه فأمنّه، فبعث يدل المسلمين على مكان يدخلون منه إلى البلد، وهو من مدخل الماء إليها، فندب الأمراء الناس إلى ذلك، فانتدب رجال من الشجعان والأبطال.

وجاءوا فدخلوا مع الماء -كالبط- إلى البلد، وذلك في الليل، وجاءوا إلى البوابين فأخضعوهم وفتحوا الأبواب، وكبر المسلمون فدخلوا البلد، وذلك في وقت الفجر إلى أن تعالى النهار. ولم يصلوا الصبح يومئذ إلا بعد طلوع الشمس، لقد سقطت المدينة في أيدي المسلمين، وتحقق لهم فتح مبين، وهو من أصعب الفتوح التي خاضها المسلمون.

لقد كان أنس بن مالك- رضي الله عنه – أخو البراء يبكي بكاءً مرًّا كلما تذكر فتحها، هل كان يبكي فرحًا بفتحها؟ أو لأنه حظي بأنه كان في جيشها؟ أو كان يبكي أخاه الذي استُشهد فيها؟، كل ذلك يستحق البكاء!

لا، ولكن أنسًا كان يبكي لأمرٍ آخر، تُرى ما هو؟!

لقد فُتح بابُ حصن تُستُر قبيل ساعات الفجر بقليل، وانهمرت الجيوش الإسلامية داخل الحصن، ودار لقاء رهيب بين ثلاثين ألف مسلم، ومائة وخمسين ألف فارسي، وكان قتالاً في منتهى الضراوة.. وكانت كل لحظة في هذا القتال تحمل الموت، وتحمل الخطر على الجيش المسلم.. موقف في منتهى الصعوبة.. وأزمة من أخطر الأزمات!.. حتى كتب الله النصر للمؤمنين، وكان ذلك بعد لحظات من شروق الشمس! اكتشف المسلمون أن صلاة الصبح قد ضاعت في ذلك اليوم الرهيب! لم يستطيعوا في هذا الأزمة الطاحنة والسيوف المصلتة أن يصلوا الصبح في وقتها! ولذلك بكى أنس بن مالك رضي الله عنه، بكى لضياع صلاة الصبح مرة واحدة في حياته.. يبكي وهو معذور، وجيش المسلمين معذور، وجيش المسلمين مشغول بذروة سنام الإسلام.. مشغول بالجهاد.. لكن الذي ضاع شيء عظيم!

يقول أنس بن مالك رضي الله عنه: “وَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ حَضَرْتُ عِنْدَ مُنَاهَضَةِ حِصْنِ تُسْتَرَ عِنْدَ إِضَاءَةِ الْفَجْرِ وَاشْتَدَّ اشْتِعَالُ الْقِتَالِ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الصَّلَاةِ فَلَمْ نُصَلِّ إِلَّا بَعْدَ ارْتِفَاعِ النَّهَارِ فَصَلَّيْنَاهَا وَنَحْنُ مَعَ أَبِي مُوسَى فَفُتِحَ لَنَا وَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَمَا يَسُرُّنِي بِتِلْكَ الصَّلَاةِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا”.[صحيح البخاري 945].

 وتذهب رواية أخرى إلى أن أنسًا ربيبَ بيتِ النبوة قال: “وما تُستُر لقد ضاعت مني صلاة الصبح، ما وددت أن لي الدنيا جميعًا بهذه الصلاة”.

هنا نفهم لماذا كان يُنصر هؤلاء! {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ} [محمّد: 7]، ومن هنا يكون جواب السؤال الكبير: لماذا لا ينتصر المسلمون اليوم؟ ولماذا يتخلفون؟ ولماذا يتزعزع الأمن وتنهار الأنظمة؟ كيف يتسلط على رقاب المسلمين أهون الأمم على الله؟

والسؤال المتخم بالجواب: كيف ينصر الله عز وجل قومًا فرطوا في صلاة الفجر؟!

تقول غولدا مائير رئيسة سابقة لوزراء اليهود (1969-1974م): “نحن لا نخاف من المسلمين إلا عندما يصلون الفجر في المسجد كما يصلون الجمعة”..

 وتقول إحدى طوائف اليهود المتعصبة: “نحن نعلم أن نهايتنا على يد المسلمين، وسوف يتكلم الحجر والشجر ويخبر المسلمين عن مكان وجودنا، ولكن.. ليسوا هؤلاء المسلمين في هذا الزمان؛ لأنهم منشغلون عن صلاتهم باللهو واللعب”.

أيها الأحبة.. لن تُذَلّ ولن تُقهَر ولن تُغلَب أمة تكون في حفظ خالقها، أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ، فَلاَ يَطْلُبَنَّكُمُ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ فَيُدْرِكَهُ فَيَكُبَّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ» [صحيح مسلم 657].

والله تعالى يقول في محكم كتابه: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [سورة الإسراء (78)]، {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 40]. اللهم انصرنا على أنفسنا الأمارة بالسوء، وأصلح حالنا معك، واحفظ كيان أمة محمد صلى الله عليه وسلم وشريعته، وانصرنا على القوم الكافرين.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآي والذكر الحكيم، أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا أنت سبحانك، وأشهد أن محمدًا صلى الله عليه وسلم عبدك ورسولك صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين..

أما بعد.. فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن أعظم ما يتقرب به المسلم إلى ربه هو أداء الفرائض، ولعل من أكثر الفرائض التي يفرّط فيه الناس مع عظمها صلاة الفجر، ولا سيما حين يقصر الليل، ويستمر السهر.

 وهذه بعض الوسائل المعينة على الاستيقاظ لصلاة الفجر، مع يقيني بأن الناس يتفاوتون في الحاجة إلى هذه الوسائل:

أولاً: الصدق مع النفس، والعزيمة الأكيدة، واستشعار أجر الصلاة في الجماعة، واستشعار العقوبة المترتبة على تفويتها.

ثانيًا: التبكير في النوم، إلا أن يكون سهرانًا في طاعة الله، ويعلم أن ذلك لا يؤثر في القيام لصلاة الفجر، والواقع أن بعض الناس اليوم يقطعون لياليهم فيما يغضب الله وينامون عن فرائضه.

ثالثًا: الحرص على الطهارة، وقراءة الأذكار قبل النوم.

رابعًا: ذكر الله تعالى عند الاستيقاظ مباشرة والنهوض من الفراش، فإنه عندئذ تُحَل إحدى عُقَد الشيطان، فإذا توضأ انحلت عقدته الثانية، فإذا صلى أخزى الله شيطانه بانحلال عقدته الأخيرة، وأصبح المصلي طيب النفس نشيطًا قد أُلبسَ النور والبهاء والراحة.

 خامسًا: الاستعانة بالله تعالى بالدعاء والتبتل والابتهال أن ييسر له هذه العبادة، ثم الاستعانة بالأهل والجيران والهاتف المنبّه، والساعات المنبّهة، ولا تبخل أن تضع أكثر من ساعة؛ حتى إذا أغلقت الأولى صاحت بك الأخرى بعد دقائق.

 سادسًا: نضع رشاش الماء برفق في وجه النائم بعد تنبيهه؛ حتى ينشط؛ كما ورد في الحديث.

 سابعًا: عدم الانفراد في النوم، أو النوم في الأماكن البعيدة عن الأهل.

 ثامنًا: إضاءة المصابيح وإطفاء المكيفات إذا احتجنا إلى ذلك؛ فإن لها تأثيرًا في طرد النعاس.

 تاسعًا: عدم الإكثار من الأكل قبل النوم، فإن مَن أكل كثيرًا شرِب كثيرًا، ومَن شرب كثيرًا نام طويلاً، ومَن يحرص على صحته فلا يكثرن العَشاء.

 عاشرًا: الاستعانة بالقيلولة في النهار، ولتحذر من نومتي العصر والمغرب فهما مضرّتان، وتؤديان إلى السهر في الليل، ومن ثَم اضطراب النوم، وعدم الاستيقاظ فجرًا.

 الحادي عشر: الإخلاص لله تعالى فهو خير دافع للإنسان في عبادته كلها، وهو أمير الأسباب والوسائل المعنية كلها، فإذا وُجد الإخلاص الذي يلهب القلب، ويُوقظ الوجدان، فهو كفيل بإذن الله بإيقاظ صاحبة لصلاة الفجر مع الجماعة، ولو نام قبل الفجر بدقائق معدودات.

 اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين, واحم حوزة الدين، ودمّر من عاده.

اللهم من أراد بالإسلام والمسلمين خيرًا فوفّقه لذلك وسدد آراءه، واحفظه من كل مكروه، ومن أراد دينك وعبادك بسوء فأشغله في نفسه، واجعل تدبيره تدميره، واكفِ المسلمين شروره، اللهم وفّق أولياء أمورنا لما فيه الخير والتقوى، واحفظهم لإقامة شريعتك، وانصر بهم دينك، وأعز بهم أمتك، واجعلهم يا ذا الجلال والإكرام سلمًا لأوليائك، حربًا على أعدائك، يحبون من أحبك، ويبغضون من عاداك وهجر أمرك ونهيك.

اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



اترك تعليقاً