خطبة عيد الأضحى

خطبة عيد الأضحى

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

الله أكبر عزّ سلطان ربنا، وعم إحسان مولانا، عنت الوجوه لعظمته، وخضعت الخلائق لقدرته.

الله أكبر عدد ما ذكره الذاكرون، والله أكبر كلما هلل المهللون، وكبر المكبرون.

الله أكبر ما أحرموا بالحج والعمرة ملبين، وقصدوا هذا البيت الأمين، الله أكبر كبيرًا والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحابته، ومن استن بسنته إلى يوم الدين.

 أما بعد.. فيا عباد الله أوصيكم ونفسي المقصرة بتقوى الله وطاعته: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر: 18].

أيها الأحبة في الله.. يوم عظيم، وعيد جليل هذا الذي تكتنفنا أيامه، عاشر عشرة أيام هي خير أيام السنة فضلاً وأجرًا، العمل الصالح فيها مضاعف الأجر والثواب.

عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب». ومعنى كونها عيدًا أي أيام فرح وسرور؛ لا أنها جميعًا تأخذ أحكام أيام العيد.

وأيام التشريق كيوم العيد لا يُشرع صيامها، وهي أيام تكبير لله وذكر وتعظيم؛ يقول المولى عز وجل فيها: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203].

قال البخاري رحمه الله في صحيحه: «كان ابن عمر رضي الله عنهما يكبّر في قُبته في بمنى، فيسمعه أهل المسجد، فيكبّرون، ويكبّر أهل الأسواق حتى ترتجّ منى تكبيرًا. وكان ابن عمر يكبّر بمنى تلك الأيام، وخلف الصلوات، وعلى فراشه، وفي مجلسه وممشاه تلك الأيام جميعًا، وكانت ميمونة تكبّر يوم النحر. وكن النساء يكبّرن خلف أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز ليالي التشريق مع الرجال في المسجد».

إن العيد -أيها الإخوة المسلمون- حياة جديدة تنشر ثوبها الزاهي على الوجود المنظور، فتحيي فيه أسمى معاني الحب والإخاء والألفة، تذكرك برحم مقطوعة فتصلها، وبصديق مهجور فتجدد صلتك به، وبمشاحنة قديمة تسببت في قطيعة فتكون فرصة تناسيها أو علاجها. وتنشر الابتسامات الصافية على الشفاه، فتنتزع الأحقاد، وتشفى النفوس، وتريح القلوب.

إنه يوم الزينة التي لا يراد منها سوى إظهار نعمة الله تعالى المنعِم على عبده، وامتثال شرعه في شعيرة عظيمة، يمتثل لها جميع أفراد المجتمع المسلم بلا استثناء. فليس هو فرحًا بعرس خاصّ بأسرة أو بقوم، وليس هو سرور بنجاح أفراد، إنه فرح مشترك بين جميع أفراد المجتمع، وهنا تكمن قيمته الاجتماعية، فإنك تهنئ الجميع بلا اختيار أو انتقاء، وتدعو للجميع بكل حرارة وإخلاص ربما دون أن تعرف صاحبك. وهذا ما يعمّق الأخوة الإيمانية بين المسلمين، ويُشعرهم باشتراكهم في مشاعر واحدة.

العيد يوم الزينة لكن دون إسراف ولا خيلاء، ولا استعلاء على الخلق ولا مباهاة.

العيد يوم اللباس الجديد لكن دون إسبال للرجال، ودون تخلع للنساء يغضب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.

العيد يوم الفرح والسرور، والتوسعة على العيال في المأكل والمشرب، واللهو المباح، ولكن دون أن يتجاوز ذلك إلى اللهو المحرم؛ من غناء فاحش المحتوى، أو مقرون بآلات الموسيقى المحرمة، أو الحفلات الراقصة. ودون السهر على الأفلام الماجنة والبرامج الفاسدة المفسدة، والتي يبثها المفسدون لنا من أنحاء الأرض أحيانًا باسم شعيرة العيد، مع أنها شعيرة دينية، كان ينبغي أن تكون أيام ذكر وتكبير وشكر وعبادة.

العيد يوم التفسح والتنزه، والخروج من دائرة المنزل إلى دوائر أوسع، ولكن دون اختلاط بين النساء والرجال الأجانب، ودون سفور وتحلل.

العيد فرحة للعبد الصالح بإتمام ركن النسك الأعظم حج بيت الله الحرام، فرحة بانتصار الإرادة الخيرة على الأهواء والشهوات، وبالخلاص من إغواءات شياطين الإنس والجن، والرضا بطاعة المولى، وانتظار الوعد الكريم بالفوز بالجنة والنجاة من النار. ولكن دون أن تُنسي هذه الفرحة بالنصر في تلك الجولة مع الباطل في أيام العشر وغيرها، أن الباطل لا يزال مستمرًّا يحاول أن يدخل في صراع مع النفس المؤمنة في جولات مستمرة، لا تكفّ حتى يموت الإنسان، فإن شياطين الإنس والجن لا يزالون يحيكون الدسائس لك أيها المؤمن لتخرج عن خيمة الحق، وتحيد عن سبيل الإيمان، فكن على حذر، أعظم من حذرك من المرض والموت.

العيد أيها الأحبة فرحة لا يستحقها إلا من أطاع الله فصام وصلى، وتصدق وزكَّى، وذكر الله تعالى. ذلك الذي يطوي بين ضلوعه نوايا الخير للاستمرار على الطاعة والصلاح.

يقول الله تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32].

أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

والله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

الخطبة الأخرى:

الله أكبر، الله أكبر الله، أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.

الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إمام المتقين، وقدوة المهتدين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا أيها الأحبة في الله: ومما يشرع في هذا اليوم العظيم: عبادة الأضحية، وهي ما تُذبح من بهيمة الأنعام أيام الأضحى؛ بسبب العيد تقربًا إلى الله عز وجل، يقول الله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} [الحج: 34].

والأضحية شعيرة من شعائر الإسلام، وعبادة عظيمة قرنها الله تعالى بالصلاة، فقال جل جلاله: { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2].

وهي سُنة مؤكدة حافظ عليها حبيبنا صلى الله عليه وسلم في حياته، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: «أقام النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة عشر سنين يضحي» رواه أحمد والترمذي، وللأمانة العلمية في سند الحديث مقال، وقد ضعفه الألباني وغيره.

وروى الحاكم وصححه ووافقه الذهبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من وجد سعة ولم يضحِّ فلا يقربن مصلانا».

وذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها؛ لأن الذبح وإراقة الدم مقصود في هذا اليوم، والأصل في الأضحية أنها للحي كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يفعلون، وأما الأضحية عن الأموات فهي ثلاثة أقسام الأول:

القسم الأول: أن تكون تبعًا للأحياء؛ كما لو ضحى الإنسان عن نفسه وأهله، وفيهم أموات، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم هذا عن محمد وآل محمد» وفيهم من مات سابقًا، والحديث أخرجه أحمد والحاكم وفي سنده مقال، فقد ضعفه الألباني.

القسم الثاني: أن يضحّي عن الميت استقلالاً تبرعًا مثل: أن يتبرع لشخص ميت مسلم بأضحية، فقد نص فقهاء الحنابلة على أن ذلك من الخير، وأن ثوابها يصل إلى الميت، وينتفع به؛ قياسًا على الصدقة عنه. ولم ير بعض العلماء أن يضحّي أحد عن الميت، إلا أن يوصي به. لكن من الخطأ ما يفعله كثير من الناس اليوم، حين يضحون عن الأموات تبرعًا، ثم لا يضحّون عن أنفسهم وأهليهم الأحياء، فيتركون ما جاءت به السنة، ويحرمون أنفسهم فضيلة الأضحية. وهذا من الجهل وإلا فلو علموا بأن السنة أن يضحي الإنسان عنه وعن أهل بيته، فيشمل الأحياء والأموات، وفضل الله واسع.

القسم الثالث: أن يضحّى عن الميت بموجب وصية منه تنفيذًا لوصيته، فتنفذ كما أوصى بها بدون زيادة ولا نقص. والأصل في ذلك قوله تعالى في الوصية: {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[البقرة: 181].

وأول وقت الأضحية: بعد صلاة العيد، والأفضل بعد الخطبتين. وينتهي وقت ذبحها بغروب شمس آخر يوم من أيام التشريق، وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة.

والذبح في النهار أفضل، ولا يكره ليلاً.

وأفضل الأضاحي: الإبل ثم البقر ثم الضأن، ثم الماعز، ثم سُبع البعير، ثم سُبع البقر. ولا يجوز أن يشترك اثنان فأكثر في ملك أضحية ليضحيا بها إلا في الإبل والبقر إلى سبعة فقط.

ومن شروط الأضحية أن يمتلكها المضحي، وبلوغها السن المعتبر شرعًا، بأن تكون ثنيًّا في من الإبل أو البقر أو المعز، وجذعًا من الضأن. وأن تكون سليمة من العيوب المانعة شرعًا؛ مثل العوراء البيّن عورها، والمريضة البيّن مرضها، والعرجاء البيّن ضلعها، والكبيرة، والعجفاء الهزيلة. فضلاً عن العمياء والعاجزة عن المشي، وما قُطع كل ذنبه من الضأن فقط ونحو ذلك.

وتكره العضباء وهي من قُطع أكثر أذنها أو قرنها، أو التي شُقّت أذنها أو خُرقت، أو ما قُطع ذنبها من الإبل والبقر والغنم، وما سقط بعض أسنانها.

وإذا عيّن المضحي أضحيته فلا يجوز أن يغيّرها إلا بأحسن منها.

وقد رأى الفقهاء استحباب أن يأكل ثلثها، ويهدي ثلثها، ويتصدق بثلثها.

ويحرم أن يبيع منها شيئًا، ولا يعطي الجازر منها أجرته. ويحرم على المضحي أن يأخذ من شعره أو بشرته أو ظفره منذ أن ينوي الأضحية.

تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال إنه جواد كريم، ورزقنا جميعًا الإخلاص في القول والعمل.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

عباد الله {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]، اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله الطاهرين، وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك وفضلك ومنّك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وانصر إخواننا المجاهدين، وارحم المستضعفين والمحتاجين من المسلمين، اللهم إنا نبتهل إليك، وندعوك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا أن تجعل هذا العيد بداية فرج لمن يقضونه في مهاجرهم وأسْرهم، وأن يكون مطلع رحمة عليهم، فتحقن دماؤهم، وتحفظ أعراضهم، ويجمع شملهم، فما يكمل للمسلم فرح بالعيد، وجزء من أمته تحت يد عدو غاشم، وفرد من إخوانه المسلمين في قبضة مجرم ظلوم. كيف والمسجد الأقصى -فك الله أسره- مسرى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم لا يزال يئن تحت وطأة أراذل البشر، وأفجر الأمم. ويصيح:

كل المساجد طُهِّرت     وأنا على طهري مدنس

اللهم طهر المسجد الأقصى من أرجاس اليهود والصليبيين، اللهم لا تمكّنهم فيه يا عزيز يا حكيم، اللهم أخرجهم منه أذلة صاغرين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم ارزقنا فيه صلاة آمنة مطمئنة تشفي صدورنا، وتغسل أحزاننا. اللهم من عمل لاستنقاذه يريد وجهك الكريم فأيده بتأييد من عندك، وبارك له في قليل الزاد والسلاح. اللهم دمر اليهود ومن شايعهم، والصليبيين ومن ظاهرهم، وسائر المفسدين والملحدين ومن تولاهم، اللهم أحصهم عددًا، واقتلهم بددًا، ولا تدع منهم أحدًا.

اللهم اهد أولياء أمورنا لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، اللهم أصلح لهم البطانة والمشورة، وجنّبهم ما تكره وتأبى. اللهم اجعلهم هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، سلمًا لأوليائك حربًا على أعدائك. يا ذا الجلال والإكرام.

والله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد. 



اترك تعليقاً