دعاء غير الله

الخطبة الأولى:

الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

أما بعد فاتقوا عباد الله امتثالاً لهديه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70 – 71].

أحبتي في الله:

أعلن لكم أنني ترددت في طرق موضوع هذا اليوم مرات عديدة، وما ذلكم إلا لمعرفتي بأنه من المعلوم من الدين بالضرورة، فهو أصل من أصول الاعتقاد، لا يتم إيمان العبد إلا به، ولكني استجبت لطلب أحد أحبتنا من المقيمين في ديارنا من وفود الخير الذين يسهمون في بناء مجتمعنا، ونحن وهم في ظلال أرض واحدة تحبهم ويحبونها.

دعوني أروي لكم قصة رجل عاش فترة من حياته كانت معتمة مظلمة، ثم أنعم الله عليه بالهداية إلى النور، نور التوحيد الوضاء، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

بل دعوه هو يتحدث بلسانه؛ ليكون ذلك أبلغ في الوعي وتقوية الإرادة؛ للوصول في نهاية الخطبتين إلى قرار في منتهى الخطورة والأهمية في الدنيا والآخرة.

يقول صاحبنا: كنت من كبار معظّمي القبور، فلا أكاد أزور مدينة بها أي قبر أو ضريح لشيخ عظيم إلا وأهرع فورًا للطواف به؛ سواء أكنت أعرف كراماته أم لا أعرفها، أحيانًا أخترع لهم كرامات، أو أتصورها أو أتخيلها، فإذا نجح ابني هذا العام كان ذلك للمبلغ الكبير الذي دفعته في صندوق النذور، وإذا شُفيت زوجتي كان ذلك للسمنة التي كان عليها الخروف الذي ذبحته للشيخ العظيم فلان ولي الله..!

وحينما كنت أستمع إلى خطبة الجمعة هاجم الخطيب بعقلانية شديدة هذا المنحنى المخيف في العقيدة، وسماه شركًا بالله؛ وذلك لأن العبد في غفلة من عقله يطلب المدد والعون من محلوق ميت.. !!

أفزعني الهجوم، وأفزعتني الحقيقة التي كان يقول فيها: الضريح لا يضم سوى عبد ميت فقط، بل قد يكون أحيانًا خاليًا حتى من العظام التي لا تنفع .. ولا تضر..!

في أول الأمر اهتززت.. فقدتُ توازني.. كنت أعود إلى بيتي.. بعد صلاة كل جمعة حزينًا، أحاول في مشقة أن أخرج عن هذا الخاطر هل كنت في ضلالة طوال هذه الأعوام..؟ أم أن الخطيب قد بالغ في الأمر، فأنا أعتقد أن كل من نطق بالشهادة لا يمكن أن يكون كافرًا .. لهفوة من الهفوات أو زلة من الزلاّت ..!

شيء آخر أشعل في فؤادي لهبًا يأكل طمأنينتي في بطء .. إن الخطيب يضعني في مواجهة صريحة ضد أصحاب الأضرحة الأولياء، والخطباء على المنابر صباح مساء يعلنونها صريحة: إن الذي يؤذي وليًّا.. فهو في حرب مع الله -سبحانه وتعالى- والحديث الصحيح يقول: ((من آذى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب)) رواه البخاري.

 وأنا لا أريد أن أدخل في حرب ضد أصحاب القبور والأضرحة، لأنني أعوذ بالله من أن أدخل في حرب مع الله –جل جلاله- ..!

وقلت: إن أسلم وسيلة للدفاع هي الهجوم.. واستعدت قراءة بعض الكتب، وحفظت عن ظهر قلب بعض الكرامات، وأسماء أصحابها، ومناسبات وقوعها، وذهبت الجمعة الثانية، وكظمت غيظي، وأنا أستمع إليه، ثم دعاني لتناول طعام الغداء، وبعد الغداء.. تسلمته هجومًا بلا هوادة، وقلت له: إن الأولياء لا يدرك درجاتهم إلا من كان على درجتهم من الصفاء، والشّفافية، وأنهم رجال أخلصوا لله فجعل لهم دون الناس ما خصهم به من آيات، وانتظر الخطيب حتى انتهيت من هجومي، وأحسست أنه لن يجد ما يقوله.. وإذا به يقول: هل تعتقد أن أيّ شيخ منهم كان أكرم على الله من رسوله؟ قلت مذهولاً؟ لا. فقال: إذًا كيف كان يمشي بعضهم على الماء أو يطير في الهواء؟ أو يقطف ثمار الجنة وهو على الأرض .. ورسول الله لم يفعل ذلك..؟

كان يمكن أن يكون ذلك كافيًا لإقناعي أو لتراجعي.. لكنه التعصّب- قاتله الله-!! كبُر عليَّ أن أسلّم بهذه البساطة كيف ألقي ثقافة عمرها في حياتي أكثر من ثلاثين عامًا، قد تكون مغلوطة.. غير أني فهمتها على أنها الحقيقة ولا حقيقة سواها!!

وحتى لا يضطرب وجداني، وتتمزّق مشاعري.. حاولت أن أنقطع عن لقاء هذا الخطيب، ولكنه لم يتركني فوجئت به يدق جرس الباب ولم أصدق عيني.. كان هو.. قد جاء يسأل عني.. وتكلمنا كالعادة كثيرًا وطويلاً.. فلما سألني عن سبب عدم حضوري لصلاة الجمعة معه.. قلت له بصراحة: لقد يئست منك..! قال: ولكني لم أيأس منك .. أنت فيك خير كثير للعقيدة.. قلتُ: إنه يستدرجني على طريقته.. ولمحت معه كتابًا فأخذته منه، ومضيت أقرأ، ومع كل صفحة أشعر أني أخلع من جدار الوهم في أعماقي حجرًا ضخمًا.. وحينما بلغت منتصف الكتاب.. كانت فجوة كبيرة داخلي قد انفتحت، وتسلل منها ومعها نور اليقين.. ولكن في زحمة الظلمة التي كانت تعشش في داخلي كان الشعاع يُومض لحظة ويختفي لحظات..!

في الصباح استيقظت على ضجة في البيت غير عادية ثغاء، وصياح، وكلام.. غير مفهوم العبارات، ودخلت عليّ زوجتي تحمل إليَّ أنباء سارة جدًّا.. وهي تتلخص في أن ابنة خالتي التي تعيش في أقصى الصعيد، ومعها زوجها وابنها البالغ من العمر ثلاث سنوات.. قد وصلوا في قطار الصعيد فجرًا، ومعهم “الخروف”…! ثم قالت: حاسب، هذا خروف “السيد البدوي”. ونادته فتقدم إليها في دلال، وكأنه الطفل المدلل فأمسكت به تربت على رأسه، وروت لي أنها قدمت من الصعيد، ومعها هذا الخروف البكر الرشيق الذي أنفقت في تربيته ثلاثة أعوام.. هي عمر ابنها.. لأنها نذرت للسيد البدوي إذا عاش ابنها.. أن تذبح على أعتابه خروفًا، وبعد غد يبدأ العام الثالث موعد النذر..!

طلبوا مني أن أرافقهم لكي أرى هذا المهرجان العظيم، وعليَّ أن أجامل ابنة خالتي لكي يعيش ابنها، وإلا اعتبرت قاطعًا للرحم، وفي نفس الوقت كنت أسأل نفسي.. كيف أقنعها بأنها في طريقها إلى الكفر؟ وماذا سيحدث حينما أحطّم لها هذا الحلم الجميل الذي تعيش فيه منذ ثلاث سنوات؟!

وقلت: أبدأ بزوجها أولاً؛ لأن الرجال قوامون على النساء، وأخذت الزوج إلى زاوية في البيت، وتعمدت أن يرى في يدي الكتاب ومد يده فجعل الغلاف ناحيته، وما كاد يقرأ العنوان حتى قفز كأنه أمسك بجمرة نار؛ لأنه تعجب مني كيف أقرأ كتابًا مضمونه يحذر من صور الشرك تلك.

لم أكن أطمع في زحزحته عن معتقدات في ضميره عمرها أكثر من ثلاثين سنة فاكتفيت بأن طلبت منه أن ينظر في الأمر.. هل هؤلاء الموتى من أصحاب الأضرحة.. أكرم عند الله، أم محمد رسول الله؟!! ثم يفكر طويلاً، ويجيء إليّ بالنتيجة.. دون ما تحيز أو تعصّب.. ووعدني بأن يفكر، ولكنه فقط طلب مني أن أرافقهم في رحلتهم الميمونة، فقلت له: إن هذا هو المستحيل، وإذا كان مصممًا على الذهاب هو وزوجته إلى السيد البدوي حتى يعيش ابنهما، فالمعنى الوحيد لذلك هو أن الأعمار بيد السيد البدوي.. وحملق فيَّ، وصاح.. لا تكفر يا رجل؟

فقلت له: أينا يكفّر الآخر؟ أنا الذي أطلب منك أن تتوجه إلى الله؟ أم أنت الذي تصر على أن تتوجه إلى “السيد البدوي”؟!

وسكتُ وعدَّ هذا مني إهانة لضيافته وأخذ زوجته، وأخذت زوجته الخروف وابنها، وانصرفوا.

وأنا أقول: إذا كان سيعيش فذلك لأن الله يريد له أن يعيش، وإن كان سيموت فذلك لأن الله يريد له ذلك.. لا شريك لله في أوامره ولا شريك له في إراداته. قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [سورة لقمان:34].

وقال سبحانه: {إِنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ} [سورة التوبة: 116].

اللهم اهدنا للحق الذي أنزلت، واغفر لنا ما كان منا مما لا تحب ولا ترضى.

 

الخطبة الأخرى:

الحمد لله كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد، فاتقوا الله عباد الله {وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} [سورة البقرة: 281].

ودعونا نتابع الحدث مع صاحبنا في رحلته إلى صفاء العقيدة، فقد عادت قريبته مع زوجها إلى بلادهما مباشرة دون المرور عليه، وفجأة جاء زوجها وطلب الكتاب الذي عنده.

جاء إبراهيم يسعى بقدميه يطلب ويلح في أن يبدأ مسيرة التوحيد.. لا بد أن وراء عودته أمرًا ليس من المعقول أن يحدث ذلك بلا أسباب قوية جعلت أعماقه تتفتح، وتفيق.. على حقائق غفل عنها طويلاً!

كانت الجملة التي سقطت من فمه.. ثقيلة كالحجر الذي يهبط من قمة جبل .. قال: لقد مات ابني عقب عودتنا.. ! إنا لله وإنا إليه راجعون .. هذا هو الولد الرابع الذي يموت لإبراهيم تباعًا، وكلما بلغ الطفل العام الثالث .. لحق بسابقه .. وبدلاً أن يذهب إلى الأطباء ليعالج زوجته، بعد التحليلات اللازمة .. فقد يكون مبعث ذلك مرضًا في دم الأب أو الأم .. اقتنع، وقنع بأن ينذر مع زوجته مرة للشيخ هذا، ومرة للضريح ذاك، وأخرى لمغارة في جبل بني سويف .. إذا عاش طفله، ولكن ذلك كله لم ينفعه، ورغم الجهل والظلم الذي يظلمه لنفسه .. إلا أنني حزنت من أجله .. تألمت حقيقة .. أخذته من يده .. أدخلته.. جلست أستمع إلى التفاصيل ..!

لقد عاد مع زوجته إلى بلدهما .. وحملا معهما بعض أجزاء من “الخروف” الذي كان قد ذُبح على أعتاب ضريح “السيد البدوي” التماسًا لتوزيع البركة على بقية المحبين -وأيضًا- لكي يأكلوا من هذه الأجزاء.. التي لم تتوافر لها إجراءات الحفظ الصالحة ففسدت، وأصابت كل من أكل منها بنزلة معوية وقد تصدى لها الكبار وصمدوا ..

أما الطفل .. فمرض، وانتظرت الأم بجهلها.. أن يتدخل “السيد البدوي” .. لكن حالة الطفل ساءت .. وفي آخر الأمر ذهبت به للطبيب الذي أذهله .. أن تترك الأم ابنها يتعذب أربعة أيام .. وهز الطبيب رأسه، ولكنه لم ييأس .. وكتب العلاج .. “أدوية” وحقن، ولكن الطفل .. اشتد عليه المرض، ولم يقو جسمه على المقاومة .. فمات !

كانت الصدمة على الأم .. أكبر من أن تتحملها .. ففقدت وعيها .. أصابتها لوثة.. جعلتها تمسك بأي شيء تلقاه، وتحمله على كتفها وتهدهده وتداعبه على أنه ابنها .. أما الأب فقد انطوى يفكر في جدية بعد أن جعلته الصدمة .. يبصر أن الأمر كله لله .. لا شريك له .. وأن ذهابه عامًا بعد عام .. إلى الأضرحة والقبور .. لم يزده إلا خسارة .. واعترف لي بأن الحوار الذي دار بيني وبينه .. كان يطن في أذنيه .. عقب الكارثة، ثم صمت ..! فقلت له: بعض الكلام الذي يخفف عنه، والذي يجب أن يقال في هذه المناسبات .. ولكن بقي في نفسه شيء من حديثه .. فهو لم يكمل ماذا حدث للسيدة المنكوبة وهل شفيت من لوثتها أم لا؟ فقلت له: لعل الله قد شفي الأم من لوثتها؟!

فأجاب وهو مطأطئ الرأس: إن أهلها يصرون على الطواف بها على بعض الأضرحة والكنائس أيضًا، ويرفضون عرضها على أي طبيب من أطباء الأمراض النفسية والعصبية .. ليس ذلك فحسب .. بل ذهبوا بها إلى “سيدة” لها صحبة مع الجن، فكتبت لها على طبق أبيض، وهكذا تزاد العلة عليها في كل يوم وتتفاقم.. وكل ما يفعله الدجالون يذهب مع النقود المدفوعة إلى الفناء..!

وحينما أراد أن يحسم الأمر.. وأصرَّ أن تعرض على طبيب.. أو يطلقها لهم.. لأنهم سبب إفسادها.. برزت أمها تتحداه، وركبت رأسها فاضطر إلى طلاقها وهو كاره.. !

على الغلاف الأخير من الكتاب راح إبراهيم يقرأ بصوت عالٍ “نواقض الإسلام”: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة: 72]، ومنه الذبح لغير الله، كمن يذبح للجن أو للقبر. ورفع رأسه فحملق في وجهي .. ثم أخذ الكتاب، وانصرف، واشترط أن يعيده لي بعد أيام، وأن أحضر له من الكتب ما يعينه على المضي في طريق “التوحيد”..!

ترى هل سيقرر كل من سمع هذه القصة أن ينقذ نفسه؛ فلا يحلف إلا بالله تعالى وحده، ولا يدعو إلا الله تعالى وحده لا شريك له، ولا يذبح إلا لله وحده لا شريك له؟

قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِينًا}[سورة الأحزاب: 36]، هل يكون العلم أقوى من الجهل؟ أم هل تكون العادات والموروثات من الآباء والأجداد أعلى من قول الله وقول رسوله وصفاء العقيدة ونقاء التوحيد، هل سنقول يوم القيامة {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ} [سورة الزخرف: 22]. فهل سينقذنا آباؤنا وساداتنا يومئذ؟ وهم قد عجزوا عن إنقاذ أنفسهم؟ وقد ألبسوا إيمانهم بأعظم ظلم وهو الشرك بالله شرك الأولياء والصالحين، { وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [سورة لقمان: 13]، أم نكون من الذين قال الله فيهم: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} [سورة الأنعام: 82]، فلم يتعلقوا بجن ولا بشياطين ولا حتى بأولياء لا يملكون لأنفسهم ضرًّا ولا نفعًا، ولا بالتمائم الشركية؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من تعلق تميمة فقد أشرك) رواه أحمد وصححه الألباني.

حقًّا لقد شاعت في بعض بلاد الإسلام كثير من هذه المصائب العقدية حتى لم يكد ينجو منها إلا من وثق إيمانه بالله، واقتنع بأن الله هو مالك كل شيء، ورب كل شيء، لا شريك ولا وسيط له هذا هو الذي سوف يعيش في مناعة إيمانية متحصنًا بعقيدته، لا تصل إليه المفاسد، بل وتنكسر على صخرة إيمانية كل هذه الخزعبلات .. لماذا؟ لأنه أنهى أمره إلى الله، لم تعد المسألة في حسابه قابلة للمناقشة! فالإيمان بالله، واعتناق العقيدة السليمة شيء ليس بالضرورة في الكتب أو في الجامعات.. إنه أبسط من ذلك.. فالله – سبحانه- وتعالى جعله في متناول الجميع حتى لا يحرم منه فقير لفقره .. أو يستأثر به غني لغناه..!!

{رَبَّنَا آَمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران: 53].

أخي الحبيب إن العلماء المحققين يقولون: ((لا يُعذر المكلف بعبادته غير الله أو تقربه بالذبائح لغير الله أو نذره لغير الله، ونحوذلك من العبادات التي هي من اختصاص الله إلا إذا كان في بلاد غير إسلامية، ولم تبلغهالدعوة فيُعذر لعدم البلاغ لا لمجرد الجهل‏؛ لما رواه مسلم عن أبي هريرة عن رسولالله صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ “والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذهالأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرسلت به إلا كان من أصحاب النار” رواه مسلم.

 فلم يُعذر النبي صلى الله عليه وسلم من سمع به،‏ ومن يعيش في بلاد إسلامية قد سمعبالرسول صلى الله عليه وسلم فلا يُعذر في أصول الإيمان بجهله))‏.‏

اللهم علمنا الإيمان بك، وارزقنا تقواك، وأصلح علائقنا بك وحبنا لك، واجعل توكلنا عليك، لا نهلك وأنت رجاؤنا، ولا نخذل وأنت نصيرنا، أحينا كما تحب لنا أن نعيش ونحيا، وأسعدنا برضاك.

اللهم وسع علينا آفاق الرزق، وبارك لنا فيه، وارزقنا القناعة بما قسم لنا منه، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا إلى النار مصيرنا، واجعل الجنة هي دارنا برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم تقبل منا صلاتنا ودعاءنا وصدقاتنا وكل أعمالنا على تقصير منا، إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم أعز دينك وأعل كلمتك، وانصر إخواننا المجاهدين في مكان، وأيدهم بتأييدك، وارفع عنهم البؤس والفاقة، واهدنا لنصرتهم والدعاء لهم، اللهم أيد بالحق إمامنا واجعله هاديًا مهديًا، وارزقه البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين. ربنا اغفر لنا ذنوبنا، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 



اترك تعليقاً