رعاية كبار السن

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وجعلنا من أهله، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، أحمده سبحانه وأشكره على نعمه وأسأله المزيد من فضله وكرمه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده   لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرًا إلى يوم الدين.

أما بعد فاتقوا الله عباد الله، ممتثلين أمر بارئكم تعالى الذي قال في محكم التنزيل { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } [النساء: 1].

أيها الأحبة في الله:

بين فترة تمر وأختِها يفاجئنا خبر صاعق، تظل نفوسنا له هائمة ساهمة، لا يرتد إليها صوابها إلا بعد هنيهة، أحقاً يقتلُ الرجل أباه؟! أيعقل أن يقتل الرجل أمه؟! إذا كان الله تعالى يقول في محكم التنزيل: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 23- 24].

فماذا صنعتُ لهما من الإحسان؟ وهل نجحت في الاختبار حين كبرا، وتغيرت معاملتهما    من فرط الهرَم، هل صبرتُ عليهما كما صبرا عليّ في صغري، ولما احتاجا إلى خدمتي هل قمتُ عليهما بنفسي محباً طائعاً كما فعلا لي في صغري أم كان العقوقُ مكافأتَهما؟!

أواه من جحود الخائنين، أواه من طعنات المجرمين، أو يكونُ جزاءُ صلب خرجتُ من أضلاعه، وحملني على أكتافه، وحنى على رزقي بسواعده، أو يكونُ جزاءُ رحم تكونتُ في أحشائه، وحييتُ من لحمه ودمه، وشَبَبْتُ على حساب شبابه، أو يكون جزاء الإحسان تفريطاً في الحقوق، وعقوقاً ما بعده عقوق؟!

صدق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين قَالَ: “رَغِمَ أَنْفُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ، قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا فَلَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ. رواه مسلم.

وقد عُدَّ عقوق الوالدين من أكبر الكبائر في الإسلام بينما عُدَّ برُّهما أحبَّ الأعمال إلى الله وقدم على الجهاد في سبيل الله، وأحسب أن للجدينِ منزلة الوالدين كذلك.

وليس المسن الذي يستحق رعايتَك هما والديك فقط، بل كلُّ مسنٍ مسلم، وقد أوصى الله تعالى بجملة من الناس ممن نتعامل معهم من حولنا، يقول الله جل في علاه: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً} [سورة النساء: 36]. وجملة من هؤلاء أرحام، والله تعالى في الحديث القدسي يقول:  ((أَنَا اللَّهُ، وَأَنَا الرَّحْمَنُ؛ خَلَقْتُ الرَّحِمَ، وَشَقَقْتُ لَهَا مِنِ اسْمِي فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتُّهُ)) رواه أبو داود وصححه الألباني.

وفيهم المعارف والجيران وأهل الحي وأصدقاء الوالدين، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ)) رواه مسلم. وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه بعد أن يولي الأب)) رواه مسلم.

وعموم المسلمين يدخلون تحت قول النبي صلى الله عليه وسلم: (( مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ)) رواه مسلم.

بل إن هناك أدلة عامة تدل على أفضلية رعاية المسنين مطلقًا والإحسان المطلق للإنسان، قال تعالى: {لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [سورة الممتحنة: 8].

وقال صلى الله عليه وسلم: ((ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)) رواه الترمذي وصححه الألباني، وقال بأبي هو وأمي: ((في كل ذات كبد رطبة أجر)) صحيح البخاري.

في بيت المسنات في جمعية الإحسان الخيرية في محافظة الخليل بفلسطين يتجمع نحو عشر نساء، يتلقين الرعاية الكاملة من مأكل ومشرب وملبس، هذا العدد القليل من المسنات في محافظة لا يقل عدد سكانها عن نصف مليون نسمة، والسبب ما قالته المشرفة على الدار: نحن في هذا البلد يعز علينا أن نرسل آباءنا وأمهاتنا إلى ملاجئ العجزة؛ لأن ذلك يعد نوعاً من العيب والمهانة وعدم احترام الكبار، ولهذا يتحرج الناس من إحضار آبائهم وأمهاتهم إلى هذا المركز، فهم يقومون على خدمتهم بأنفسهم، أو يوظفون لهم خدماً يقومون بشؤونهم ويدفعون لهم أجرتهم.

وفي المقابل: يتعامل الغرب مع الحيوانات بأكثر رحمة وتحضر مع تعاملهم مع المسنين، لا سيما المرضى والعجزة منهم، فهم يتعاملون معهم على أنهم انتهت صلاحيتهم، ولم يعد لديهم ما يقدمونه لهذه المادية المتقدمة، ولذلك فإنهم يُهْمَلون، ويُرْمَون في زوايا دور العجزة في انتظار الموت ليأخذهم، وهذا ما جعل النائب الديمقراطي الأمريكي كلودبيير يقول: إن وضع المسنين في أمريكا عار وطني مرعب، وذلك تعليقًا على تقرير يقول: إن أكثر من مليون مسن ومسنة تجاوزت أعمارهم (65) عاماً يتعرضون لإساءات خطيرة فيُضرَبون ويُعذَّبُون عذاباً جسدياً ونفسياً، وتسرق أموالهم من قبل أهلهم، حتى بلغ الأمر بفتاة أن قيّدت أباها البالغ من العمر إحدى وثمانين سنة في الحمام وقامت بتعذيبه لعدة أيام. بل يصل الأمر إلى الحرمان من الطعام والشراب والاغتصاب نعم والاغتصاب.

ويضيف النائب الأمريكي: لا أحد يدرك أبعاد هذه المشكلة؛ لأنها مخيفة لدرجة تمنعنا من الاعتراف بوجودها، ولم نكن نصدق أن مثل هذه الأشياء يمكن أن تحدث في دولة متحضرة. بل اعترفت الدكتورة سوزان أستاذة الدراسات العائلية بجامعة دملاوير بأن هذا هو ديدن أوربا منذ قرون، وكأنه أصبح من الأمور الطبيعية في العائلة الأوربية.

في المقابل لم تعرف البشرية من صور الرحمة ما عرفته في ظل الإسلام، وهي رحمة من فيض الرحمن يستظل بها كل الناس والمسنون أولى بها.

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا)) رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني.

ومن خلال سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم عرف الصحابة والتابعون صوراً عظيمة في هذا المجال. فعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ. رواه أبو داود وحسنه الألباني.

وفي حديث رواه البيهقي عن أنس رضي الله عنه: (( ومن الجفاء أن يدعو الرجل والده باسمه )).

وقد رغب الرسول صلى الله عليه وسلم في إكرام الشيوخ عموماً، وليس الوالد فقط، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ إِلَّا قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ” رواه الترمذي وضعفه الألباني.

وإذا كان التوقير للكبير والإحسان إليه مطلباً مهماً، فإنه أشد وجوباً مع الوالدين ؛ لأنهما كانا سبب الوجود بعد الله سبحانه. ولا تقتصر الرعاية على الطعام والشراب واللباس، بل إنهما أشد حاجة إلى الكلمة الطيبة واحترام الرأي، وإشعارهما بأنهما لا يزالان موضع نصح وإرشاد وتوجيه؛ هذا هو ديننا وتلك حضارتهم.

ولكن مما يؤسف له حقاً وجود بعض صور العقوق في مجتمعنا، التي لم تراعِ الواجب الشرعي، ولا العرف الاجتماعي، ولا الحق الإنساني، هذه قصة وقعت في مدينة قريبة منا قبل سنوات قليلة، شاب متزوج ولديه أطفال أكبرهم عمره سبع سنوات ويعيش معه والده الطاعن في السن وأمام إلحاح زوجته وكلامها المعسول أوحت إلى الزوج بوضع والده في إحدى غرف المسجد المجاور لمنزلهم حتى لا يشقّ عليه الذهاب والإياب من المسجد إلى البيت، من باب التيسير عليه مع تعهدها بالاهتمام بكل متطلباته، طرح الرجل المغلوب على أمره الفكرة على والده الذي لم يكن له من خيار إلا الموافقة على مضض، وبادر الشاب بالذهاب إلى السوق ومعه ابنه البكر ذو السبع سنوات ليشتري لوالده مستلزمات الغرفة التي في المسجد، من فرش وسرير وأثاث مناسب، فسأله ابنه الصغير المرافق له عما يشتريه ولماذا؟ فأجابه: إن ذلك لجدك؛ حيث إنه سوف يقيم في إحدى غرف المسجد المجاور لمنزلهم تيسيرًا عليه الوصول إلى المسجد، فسأله الطفل الصغير بمنتهى البراءة: ومتى نشتري لك مثل ذلك يا أبي!! فهوى السؤال على الأب كالصاعقة، وزلزل الأرض تحت قدميه، وأفاق من غيبوبته، فأعاد كل ما اشتراه إلى صاحب المحل، ولم ينتظر أن يعيد له صاحب المحل ثمنها، وعاد مهرولاً خجلاً إلى والده يقبّله ويعتذر له، ويؤكد له أن له أفسح البيت ولهم أضيقه، أما الزوجة العاقة فقد خيّرها بين والده وأبنائه أو بيت أهلها، وهكذا عاد الرجل إلى صوابه وفتح الله على قلبه. والله الهادي إلى سواء السبيل.

عباد الله توبوا إلى الله واستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الأخرى:

الحمد لله جليل الإحسان، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن استن سنته إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن المؤمن إذا سمع قول الله تعالى وقول رسوله صلى الله عليه وسلم سارع إلى العمل، يقول سمعنا وأطعنا.

ولكي نحول القول إلى واقع في حياتنا أحاول أن أضع عدداً من الأسس في التعامل مع المسنين:

الواجب الأول: الكفالة: وتعني رعاية شؤون المسن كاملة؛ بتأمين مسكنه ومأكله ومشربه وملبسه وعلاجه وسبل الحياة الكريمة له ورعايته والعناية به، وهي في التقدير أعلى درجات الواجبات تجاه المسنين وأشملها.

ويمكن ترتيبها في درجتين: الأولى الكفالة الواجبة: وهي التكليف بالدرجة الأولى على الأولاد للوالدين وحق من حقوقهما عليهم.

والأخرى: الكفالة الأخلاقية: ومن المؤكد أنها دون الوجوب بحيث تترتب على الأقرب فالأقرب، فإذا لم يوجد من تجب عليه بشكل مباشر أو تخلف عن القيام بواجبه، فإن الأخلاق الإسلامية التي تأمر بالتعاون والتكافل تستدعي القيام بهذه الكفالة، وهي بالطبع سلوك اختياري تدفع الأخلاق وتحفّز المثوبة في إطار تنظيمي تحكمه درجة القربة.

والواجب الثاني: مساعدة المسن في كل ما يحتاجه، وهو سلوك أخلاقي رفيع يقوم به المسلم بماله ونفسه حسب استطاعته.

الواجب الثالث: الزيارة والتعهد، وهو واجب معنوي لا تترتب عليه تكاليف مادية، ولكن نراه كثيراً ما يثقل حتى على الأولاد تجاه آبائهم.

الواجب الرابع: الدعاء، والمسن بحاجة إلى الدعاء له بحسن الخاتمة، لما للدعاء من فضل معلوم.

والحكمة من حض الإسلام على رعاية المسنين وتشديده على ذلك واضحة وجلية لكل ذي عقل، فقد أسّس الإسلام العلاقات بين الناس على قاعدة تبادلية متكافئة تقوم على مبدأ الأخذ والعطاء (لك مثل ما عليك)، فكما كفل حق المسن في الرعاية كفل كذلك في المقابل حق القاصر في التربية والرعاية، فالإنسان الذي أصبح اليوم قادراً مكلفاً بهذا النوع من الواجبات كان بالأمس طفلاً قاصراً لا يقوى على شيء أو يتيماً منقطعاً، ولأن الشرع الإسلامي دقيق في أحكامه وتعاليمه لأنه شرع سماوي وأمر إلهي لا يغفل عن صغيرة أو كبيرة، كما يمكن أن يكون في التشريعات والقوانين الوضعية فقد ضمن بهذا التشريع استمرار الرعاية الإنسانية بين أفراد المجتمع، فكما كنت بالأمس مستفيداً من الرعاية حيث كنت طفلاً فقد أصبحت اليوم مكلفاً برعاية القاصرين من حولك من أطفالك، والعاجزين الذين هم المسنون من حولك وأهمهم والداك، وغداً تجد من يكفلك ويرعاك، فكانت لك مرتان وعليك مرتان، وفي هذا يتجلى العدل الإلهي الذي تستمر به الحياة في وتيرة طبيعية منطقية لا خلل فيها ولا زلل.

ولقد فطر الله في قلوب الناس عامة والمسلمين خاصة الرحمة والرأفة والعطف لتكون إطاراً ومنطلقاً للسلوك التعاوني، وأعطى من التعليمات ما ينشّط تلك الفطرة، ويصقلها، ويشجّع على نموها وإنعاشها.

وأختم بقصة من قصص البر الكثيرة التي هي الأصل في مجتمعنا المسلم.

شاب عاش مع والدته وحيداً بعد أن طُلقت وهو في الثانية من عمره، فانكبّت عليه تربيه وتعلمه رافضة الزواج مرة أخرى بالرغم من أنها في ريعان شبابها، وأفنت عمرها في سبيل ذلك حتى نشأ شاباً صالحاً يتفانى في رعاية والدته أنهى المرحلة الجامعية بتفوق وابتُعث من قبل الدولة لإتمام دراسة الماجستير في بريطانيا فرفض ذلك الأمر في أوله حتى لا يترك والدته وحيدة، لكنها أقنعته بالذهاب وأنه لا ضَيْر عليه، فذهب فكان خلال دراسته هناك ثلاثة أعوام يهاتف والدته ثلاث مرات في اليوم، إلى جانب مهاتفة الجيران والأقارب لزيادة الاطمئنان على صحتها، وفي الإجازات يأتي إليها ويعكف عند قدميها لخدمتها، ثم أنهى رسالة الماجستير مما أهّله لدراسته الدكتوراه وبعد شهر من برنامج الدكتوراه جاءه خبر بأن والدته مريضة فاستأذن المسؤولين في الجامعة وعاد إلى والدته، ومكث عندها يمرّضها، ولكن فترة مرضها امتدت إلى عامين وتوفيت بعدها، فقرر أن يعود إلى دراسة الدكتوراه ولكن تبين له أن الوقت قد فات، وأنه لا مجال للعودة بعد هذه الفترة من الانقطاع كما تقضي قوانين الجامعة، ففوّض أمره إلى الله ورضي بما قسمه له، غير حزين على ما وفّقه الله إليه من البر، والتحق بإحدى الجامعات محاضراً، وبعد مرور سنوات عديدة سمع بقصته عميد الكلية التي يدرس فيها، فتأثر بقصته فأرسله إلى دراسة الدكتوراه في إحدى جامعات أمريكا فحصل عليها وعاد ليعمل في جامعته. {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرحمن: 60].

 اللهم وفقنا لأحسن الأعمال لا يوفق إليها إلا أنت، ونعوذ بك من سيئها، فإنه لا يبعدنا عنها إلا أنت، اللهم أنت الرحيم فارحمنا، وأنت الحليم فاحلم علينا، وأنت التواب فتب علينا، أنت المقدم وأنت المؤخر، بيدك الخير إنك على كل شيء قدير.

اللهم يا عزيز يا حكيم أعز الإسلام والمسلمين وانصر إخواننا المجاهدين وارفع البأس والظلم والجوع عن إخواننا المستضعفين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح ولاة أمورنا، ووفقهم لإصلاح رعاياهم، اللهم أيدهم بالحق وأيد الحق بهم، واجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، سلماً لأوليائك حرباً على أعدائك.

اللهم فك أسرى المسلمين، واقض الدين عن المدينين، واهد ضالهم، وهيئ لأمة الإسلام أمراً رشداً يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر. اللهم بارك لنا فيما أعطيتنا، وأغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك، وأغننا برحمتك يا حي يا قيوم، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين واجعلنا من أهل جنة النعيم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله الطاهرين، وصحبه أجمعين، وعنا معهم برحمتك وفضلك ومنك يا أكرم الأكرمين.

 

 



اترك تعليقاً