صلة الأرحام.. فضائل وأحكام

صلة الأرحام.. فضائل وأحكام

الخطبة الأولى:

الحمد لله أهل الحمد والثناء، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: أما بعد فاتقوا الله عباد الله، ممتثلين أمر بارئكم تعالى الذي قال في محكم التنزيل: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } [النساء: 1].

أيها الأحبة في الله:

إن من أجمل ما يتذاكره الناس في أيام العيد، ويحرصون عليه، عبادة هُجرت من كثير منهم، هي صلة الأرحام، فإن الحياة بتتابعها علينا بملاحقة أرزاقها، وتأثير ماديتها على القلوب، جعلت من تواصل الأرحام شيئًا ثانويًّا، ليس في أوليات معظمنا، فإذا كان العيد يذكّر بالأرحام المقطوعة، أو يشجّع على تواصلنا مع أرحامنا، فلتكن العودة دائمة، ببرنامج محدد، يجعلنا لا ننقطع عن هذا الخير الذي دلّنا الله عليه.

والأرحام والأنساب هم أقارب الإنسان كأمه وأبيه وابنه وبنته، وكل من كان من بينه وبينه صلة من قِبَل أبيه أو من قبل أمه أو قبل ابنه أو من قبل ابنته.

وفي هذه العبادة الجليلة منافع عظيمة في الدنيا والآخرة، فأولها: امتثال أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم بصلة الرحم؛ حيث إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرنها بعبادة الله تعالى؛ دلالة على عظم شأنها؛ كما في حديث عمرو بن عبسة لما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأي شيء أرسلك الله قال: “بكسر الأوثان وصلة الأرحام، وأن يوحّد الله لا يشرك به شيء” رواه مسلم.

ومنها: طلب القرب والإحسان والإنعام من الله تبارك وتعالى، كما في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم، فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم! أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى، قال: فذلك لك…))، فأنت إذا تعاملت مع أرحامك بالإحسان فأنت تتعامل مع الله تبارك وتعالى، فهو الذي يجازيك على عملك، ومهما قصر معك أرحامك، فإن الله لن ينقصك من أجرك شيئًا.

ومن المنافع العظيمة الجليلة: دخول الجنة، كما في الحديث الذي رواه الترمذي وابن ماجه وغيرهما، عن عبد الله بن سلام قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس قِبَلَهُ، وقيل: قد قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم -ثلاثًا-، فجئت في الناس لأنظر، فلما تبينت وجهه، عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول شيء سمعته تكلم به أن قال: ((يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلّوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام)) وصححه الألباني.

ومنها: كسب الرزق والبركة في الذرية والذكر الحسن، كما في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم، عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من سره أن يُبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمه)) متفق عليه.

ومنها: دفع العقوبة المترتبة على قطيعة الرحم، كما في قوله تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد: 22- 23].

وكما في الحديث الذي رواه الشيخان : ((لا يدخل الجنة قاطع رحم)) متفق عليه، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم)) رواه أبو داود وصححه الألباني. نسأل الله تعالى أن يعافينا وإياكم من عقوبة وغضب في الدنيا والآخرة .

إن صلة الرحم ذِكْرى حسنة، وأجر كبير، ويكفي أنها سبب لدخول الجنة وصلة لما أمر الله به أن يوصل، اقرءوا إن شئتم قول الله تعالى: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ * وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ * وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد:19-24]

وفي صحيح مسلم عن أبي أيوب الأنصاري: أن رجلاً قال: يا رسول الله أخبرني بما يدخلني الجنة ويباعدني من النار فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لقد وُفِّق أو قال لقد هُدِي)). كيف قلتَ؟ فأعاد الرجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “تعبد الله ولا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل ذا رحمك، فلما أدبر قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن تمسك بما أمرته به دخل الجنة)) .

ولقد بيّن رسول الله أن صلة الرحم أعظم أجرًا من العتق، على ما في العتق من فضل عظيم، ففي الصحيحين عن ميمونة أم المؤمنين رضي الله عنها: (( أنها قالت يا رسول الله أشعرت أني أعتقت وليدتي؟ قال: أوفعلتِ؟ قالت: نعم. قال: أما أنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك)).

أيها الأحبة : إن بعض الناس لا يصل أقاربه إلا إذا وصلوه، وهذا في الحقيقة ليس بصلة فإنه مكافأة؛ إذ إن المروءة والفطرة السليمة تقتضي مكافأة من أحسن إليك قريبًا كان أم بعيدًا، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل إذا قطعت رحمه وصلها)) [متفق عليه]. فصلوا أرحامكم وإن قطعوكم، وستكون العاقبة لكم عليهم، فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إليّ، وأحلم عليهم ويجهلون عليّ، فقال: إن كنت كما قلت فكأنما تسفهم الملّ – أي الرماد الحار-، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم أي معين عليهم ما دمت على ذلك )) [رواه مسلم].

وأعظم القطيعة قطيعة الوالدين، ثم من كان أقرب فأقرب من القرابة، ولهذا قال النبي : (( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ـ ثلاث مرات ـ قلنا: بلى يا رسول الله. قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين)) متفق عليه.

وإن عقوق الوالدين قطع برهما، وعدم الإحسان إليهما، وأعظم من ذلك أن يتبع قطع البر والإحسان بالإساءة والعدوان، سواء بطريق مباشر أم غير مباشر. ففي الصحيحين عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي قال: من أكبر الكبائر شتم الرجل والديه. قالوا: يا رسول الله وهل يشتم الرجل والديه؟ قال: نعم يسبّ أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه)) متفق عليه.

فيا عباد الله يا من آمنوا بالله ورسوله انظروا في أمر أرحامكم وأقاربكم، هل قمتم بما يجب لهم عليكم من صلة؟ هل ألنتم لهم الجانب؟ هل أطلقتم الوجوه لهم؟ وهل شرحتم الصدور عند لقائهم؟ هل قمتم بما يجب لهم من محبة وتكريم واحترام؟ هل زرتموهم في صحتهم توددًا؟ وهل عدتموهم في مرضهم احتفاء وسؤالاً؟ هل بذلتم ما يجب بذله لهم من نفقة وسداد حاجة؟

ولننظر في علاقتنا بوالدينا، فمن الناس من لا ينظر إلى والديه إلا نظرة احتقار وسخرية وازدراء، يكرم امرأته ويهين أمه، ويقرّب صديقه ويبعد أباه، إذا جلس عند والديه فكأنه على جمر يستثقل الجلوس ويستطيل الزمن اللحظة عندهما كالساعة أو أكثر لا يخاطبهما إلا ببطء وتثاقل، ولا يُفضي إليهما بسرّ ولا أمر مهمّ، قد حرم نفسه لذة البر وعاقبته الحميدة.

وإن من الناس من لا ينظر إلى أقاربه نظرة قريب لقريبه، ولا يعاملهم معاملة تليق بهم، يخاصمهم في أقل الأمور ويعاديهم في أتفه الأشياء، ولا يقوم بواجب الصلة، لا في الكلام ولا في الفِعال ولا في بذل المال تجده مثريًا وأقاربه محاويج، فلا يقوم بصلتهم بل قد يكونون ممن تجب نفقتهم عليه لعجزهم عن التكسب وقدرته على الإنفاق عليهم فلا ينفق.

وقد قال أهل العلم: كل من يرث شخصًا من أقاربه فإنه يجب عليه نفقته إذا كان محتاجًا عاجزًا عن التكسب، وكان الوارث قادرًا على الإنفاق؛ لأن الله تعالى يقول: {وعلى الوارث مثل ذلك} أي مثل ما على الوالد من الإنفاق، فمن بخل بما يجب عليه من هذا الإنفاق فهو آثم محاسب عليه يوم القيامة، سواء طلبه المستحق منه أم استحيا وسكت.

عباد الله: اتقوا الله تعالى وصلوا أرحامكم، واحذروا من قطيعتهم واستحضروا دائمًا ما أعد الله تعالى للواصلين من الثواب وللقاطعين من العقاب واستغفروا الله إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الأخرى:

الحمد لله ذي الفضل والمنة، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى صحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا عباد الله اتقوا الله واعلموا أن صلة الأرحام تكون بصور شتى؛ بالزيارات والمهاتفات والرسائل للبعيد منهم، والهدايا والنفقات وخاصة على المحتاج منهم، وتكون الصلة بالعطف والحنان كذلك، ولين الجانب وبشاشة الوجه، والإكرام إذا وفدوا ضيوفًا علينا، والاحترام التامّ لهم، وبكل ما يتعارف الناس عليه أنه من الإكرام والتقدير.

وتكون بالتدثر بالصفح والعفو والمسامحة لكل من أخطأ عليك، ومقابلة ذلك بالإحسان. قال تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34].

أن تستشعر دائماً أن أقاربك وأرحامك أولى الناس بك، وأحقهم بعطفك وخيرك

{وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ…} الآية. وقد قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ وَهِيَ عَلَى ذِي الْقَرَابَةِ اثْنَتَانِ: صِلَةٌ، وَصَدَقَةٌ)) رواه ابن ماجه وصححه الألباني.

أن تدرك أن صلة الرحم من أخص صفات المؤمنين، بل إنها من أبرز صفات سيد المرسلين، كما قالت خديجة رضي الله عنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم مطمئنة له ومهدية من روعه: “كلا لا يخزيك الله أبدًا؛ إنك لتصل الرحم..” رواه البخاري ومسلم. وروى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ )) متفق عليه.

أن تكون قدوة حسنة في جميع أعمالك وتصرفاتك وأخلاقياتك مع جميع أقاربك بل ومع غيرهم، مع البعد التام عن الانتصار للنفس؛ وأن لا يكون في سلوكك ثغرات تفقدك ثقتهم. وانظر إلى سيد الرسل صلوات الله وسلامه عليه لم ينتقم لنفسه قط.

أن يروا منك الإيجابية في التعاون معهم، ومسارعتك في قضاء حوائجهم، والوقوف في صفهم في الحق، وبذل جاهك وشفاعتك لهم، ومحاولة إيجاد البدائل فيما لم توافقهم عليه من أعمال أو تصرفات.

العفو والتجاوز عن حقوقك الذاتية تجاههم؛ بل تحاول أن تتناسها تمامًا. ومن ذلك المكافأة في الصلة فالواصل ليس بالمكافئ. روى البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: “لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ وَلَكِنِ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا”، وروى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ فَقَالَ: ((لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ وَلا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِك)).

التزام الأسلوب الحسن والكلام الطيب، والابتسامة، والبشاشة عند لقياهم والدعاء لهم. فالكلمة الطيبة صدقة، وتبسمك في وجهه صدقة، وطلاقة الوجه صدقة.

زياراتهم، والسؤال عن حالهم، والاتصال الهاتفي بهم، ومن الأشياء المعينة على ذلك تخصيص يوم معين لمهاتفتهم؛ مثلاً: يوم الجمعة.

صحبتهم في بعض الرحلات، للعمرة، أو الحج، أو النزهة، مع تحمل ما لا يلائمك من عادات وصفات؛ فهم أولى بذلك من غيرهم.

مشاركتهم في أفراحهم، وأتراحهم، ومناسباتهم، والمباحات من أعمالهم دون زيادة تسقط الهيبة، وتضعف الشخصية.

ملاطفة الأطفال وملاعبتهم؛ وهذا خُلق نبوي رفيع، وهو أدعى وأيسر طريق في كسب محبة أهلهم.

ولا تنس الاحتساب في ذلك كله، والإخلاص فيه لله تعالى، دون انتظار الشكر والثناء من أحد منهم، بل إن من الإعداد النفسي كما قال ابن حزم: أن تنظر مقابلة إحسانك عليهم، إساءتهم وتعديهم وظلمهم لك، فإنك في ذلك تحقق هدفين: أن يكون عطاؤك وصلتك لله تعالى، أن لا تُصاب بالإحباط والقلق عند عدم المكافأة بالحسنى.

الاهتمام بالمناسبات التي يحث عليها ديننا الإسلامي وإحيائها مثل: الأعياد، العقيقة، والزواج، الختان، وهكذا فإن ذلك مما يدخل السرور عليهم.

ومما يُقترح على أولي الرحم الواحدة: تحديد لقاءات العائلة بعد مشاورتهم، مثلاً كل أسبوعين، لمن هم في حي واحد، وكل شهر لمن هم في مدينة واحدة، ولقاء سنوي لمن هم متفرقين في المدن الأخرى.

ومما يؤكّد الصلة ويديم المودة ويوطد العلاقة الدخول مع الأقارب في حل مشكلاتهم الخاصة والعامة، ومن ذلك: الاهتمام بإصلاح ذات البين عند وجود أي خلافات، والاستعانة في ذلك بأهل العلم والدين والحكمة والرأي من رجال العائلة، ويفضل تكوين لجنة في العائلة تهتم بالإصلاح. والتحري عن ديونهم ومحاولة تسديدها عن طريق أهل الخير، والأفضل من ذلك إرشادهم إلى طريقة مثلى للتسديد من دخلهم ومساعدتهم على جدولة ديونهم ووضع برنامج في التسديد، حتى لا يتحولوا إلى عالة، أو يشعرون بالدونية عند أقاربهم.

والتعاون مع شباب العائلة والسعي في حل مشكلاتهم، ومعرفة نقاط الضعف ومعالجتها، والتعرف على نقاط القوة ودعمها وتوظيفها في مجال الإصلاح. والاهتمام بالأيتام والأرامل والوقوف معهم في جميع أحوالهم، وإضفاء المحبة والود عليهم، بمشاركتهم في جميع المناسبات، والقيام بمتابعة الأيتام بالتربية والتأديب. والاهتمام بالمطلقات والأرامل والعوانس في السعي لهن بالزواج من الأكفاء الصالحين. والسعي في إيجاد وظيفة أو عملاً مناسباً لمن لا وظيفة له. مع السعي معه في اكتساب مهارات إدارية وفنية تؤهله لذلك. ومساعدة الطلاب المتأخرين في دراستهم، بإيجاد من يقف معهم في المذاكرة والتوجيه والتذكير والمواعظ والدروس المختصرة وفق الضوابط التالية: الحذر من التشهير بذكر المنكرات التي قد تقع من بعضهم. واختيار الفرص المناسبة للتذكير، وليس في كل حال تفتح لك القلوب وتصغي لك الآذان، وتذكر قول الحكيم: حدث الناس ما مالوا إليك بأسماعهم ورقبوك بأبصارهم فإن رأيت منهم فتورًا فأمسك.

اللهم وفقنا لأحسن الأعمال لا يوفق إليها إلا أنت، ونعوذ بك من سيئها، فإنه لا يبعدنا عنها إلا أنت، اللهم أنت الرحيم فارحمنا، وأنت الحليم فاحلم علينا، وأنت التواب فتب علينا، أنت المقدم وأنت المؤخر، بيدك الخير إنك على كل شيء قدير.

اللهم يا عزيز يا حكيم أعز الإسلام والمسلمين وانصر إخواننا المجاهدين وارفع البأس والظلم والجوع عن إخواننا المستضعفين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح ولاة أمورنا، ووفقهم لإصلاح رعاياهم، اللهم أيدهم بالحق وأيد الحق بهم، واجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، سلمًا لأوليائك حربًا على أعدائك.

اللهم بارك لنا فيما أعطيتنا، وأغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك، وأغننا برحمتك يا حي يا قيوم، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين واجعلنا من أهل جنة النعيم برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله الطاهرين، وصحبه أجمعين، وعنا معهم برحمتك وفضلك ومنك يا أكرم الأكرمين.

 

 



اترك تعليقاً