ضبط الخلايا السبع

ضبط الخلايا السبع

الخطبة الأولى:

ربنا لك الحمد بما خلقتنا، ورزقتنا، وهديتنا، وأنقذتنا، وفرّجت عنا، ولك الحمد بالقرآن، ولك الحمد بالأهل والمال والمعافاة، كبتَ عدونا، وبسطتَ رزقنا، وأظهرتَ أمننا، وجمعتَ فرقتنا، وأحسنتَ معافاتنا، ومن كل ما سألناك ربنا أعطيتنا، فلك الحمد على ذلك حمدًا كثيرًا، لك الحمد بكل نعمة أنعمت بها علينا في قديم أو حديث، أو سر أو علانية، أو خاصة أو عامة، أو حي أو ميت، أو شاهد أو غائب، لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ؛ نادانا في كتابه العزيز فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 1.2].

وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، علّق المسئولية العظمى في أعناقنا نحن الأولياء؛ فقال: ((كلكم راعٍ، وكلكم مسئول عن رعيته)) متفق عليه.

أيها الأحبة في الله:

لا تزال بلاد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية – بحمد الله ومنَّته- مأرِز الإسلام ومنبَع الدعوة إلى الله، وأمان الخائفين وعون المستضعفين، يد حانية تداوي جراحَ المسلمين، تنطلق منها أعمالُ الإحسان وأنواع البرّ، بل هي -بفضل الله- مصدَر الخير بأنواعه. فليس غريبًا -بعد تمسكها بتديُّنها، وقوّة رجالها، وصلابة مواقف ولاةِ الأمر فيها- أن يوجّه إليها الأعداءُ السِّهام، يريدون تقويضَ خيامِها، والعبثَ بأمنها ونهبَ خيراتها، فكالوا لها التُّهَم جزافًا، يريدون منها أن تُغيّر أو تبدِّل أو تحيد، وهيهات هيهات بتثبيت الله لها.

لا يُقال ذلك عاطفةً أو مجاملةً، حاشا وكلاّ، ولكن يقينًا وتحقيقًا، ونظرًا في الآثار والسُّنن. إنّ من يصل الرحِمَ، ويحمل الكلَّ، ويُكسِب المعدوم، ويقري الضيفَ ويعين على نوائبِ الحقّ لا يخزيه الله أبدًا، ومن كثُرت حسناته حسُنَت بإذن الله عاقبتُه، وسلَّمه ربُّه في دنياه وآخرته وحفظه في دينه وأهله، فنحن بإذن الله مطمئنّون بحسن العاقبة، ولن يضرَّنا كيدُ الأعداء، بإذن الله {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا}[آل عمران:120].

أيه الإخوة .. كلما أعلنت عملية أمنية كشفت فيها خلية إرهابية، أو نجحت في دحرها، يتجدد ما نفسي تجاه بلادي من كونها محروسة بأمر الله تعالى، وهو ما نجده –عيانًا- من خلال الحروب ومراحل ما يسمى بالاستعمار التي مرت في التاريخ المعاصر، ومن خلال عدد من محاولات زعزعة الاستقرار الداخلي. فإنها كلها كانت -ولا تزال- تطوف بها وربما تحيط بها، ولكنها لا تمسها بإذن الله وحفظه.

بلاد قامت على (لا إله إلا الله) ولا تزال تعلن -بفخر- أن مصدر الحكم المهيمن على تشريعاتها هو الكتاب والسنة، محروسة بإذن الله برغم أنوف الكافرين والمنافقين والضالين المضلين.

وصمامات الأمان لأية دولة في الأرض هي: الحكم بما أنزل الله، وإقامة الصلاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والعدالة، والحميمية بين الراعي والرعية.

والأخيرة لا تزال تذهل الحكام والشعوب في غير بلادنا، حتى صرح بذلك بعضهم، في الصحف وأجهزة الإعلام العالمية المختلفة، بل وأمام حكام هذه البلاد وشعبها الملتحم بقيادته، فكانت إجابة الحكام: انظروا ما لقينا من شعبنا من حب وتلاحم وألفة، وانظروا ما لقيتم أنتم!! وكانت إجابة الشعب: مزيدًا من الالتفاف حول القيادة، والتناصح معها، وطاعتها في المعروف، والوقوف معها في الشدائد قبل الرخاء صفًّا واحدًا.

وأما الأمر الذي حيّرني في المجموعات الأخيرة من تلك الخلايا المجرمة هو أعمار أفرادها؛ التي لم تجاوز العشرين سنة، إنهم جيل جديد تم تفريخه بعد بداية الحرب على الإرهاب في الداخل، فمن أيّ عرق تناسلوا؟ وفي أي بيئة تلقوا تعليمات الانحراف؟ وكيف تستجيب هذه العقول لأشباح الظلام، وترفض الاستجابة للعلماء الأجلاء الثقات؟ ولماذا لم تتأثر بكل هذه الحملات الفكرية التي كثفت لتكشف عوار الإرهاب، وتعريه.

من المسئول عن هذه النبتات الجديدة؟!

لن أقول: المناهج الدراسية فكلنا استقينا من نبعها الصافي، وإن اتفقنا على أنها تحتاج إلى تطوير فني مستمر.

ولن أقول: المؤسسات الدينية والتربوية فهي التي تربينا فيها؛ مساجد، وحِلق للقرآن الكريم، وأندية تربوية صيفية.

ولكني أؤكد على أن هذه النبتات مهجنة، وليست صميمة من ديارنا، وإن جاءت من قبائل الجزيرة وأعراقها، وأن استمرارها في الإنبات يشبه الحشائش الضارة، التي تُتْعِب البستاني، ولكنه لا يستطيع أن يتخلص منها تمامًا، فينبغي أن يبقى يقظًا، يطاردها أولاً بأول؛ حتى لا تفتك بالزرع والثمر.

والذي نملكه هو العمل على خنق هذه الخلايا؛ حتى تضعف عن القدرة على إسقاط ضحايا جديدة لها، أو -لا قدر الله- النجاح في تدمير شيء من منشآتنا وحضارتنا، ويبدأ الأمر من تضافر الأسرة مع المؤسسات التربوية، في تكثيف البرامج التوعوية، التي تنقذ الشباب من وهدة الخنا والجنسيات والخمور والمخدرات، ومن دركات الانحلال الفكري والضلال. وكلاهما مدمر للبلاد والعباد.

وعلى العلماء الشرعيين الأجلاء أن يستمعوا إلى الشباب، وأن يجالسوهم، وأن يخصصوا لهم أوقاتًا فسيحة كافية، لا أن يسدوا في وجوههم الأبواب، أو يغلقوا السماعات الهاتفية في وجوههم!! حتى يبقوا إلى جوارهم مهما شتت بهم الأفكار؛ ليجدوا من يحن عليهم، ويوجههم؛ قال تعالى: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً } [سورة النساء: 83].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآي والذكر الحكيم، أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الأخرى:

الحمد لله وكفى، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله:

إن الجهود الأمنية في بلادنا هي الأبرز في مواجهة الإرهاب الداخلي، وقد سجّل رجال الأمن نجاحات مذهلة وفقهم الله لكل ما يرضيه ويحمي بلاده، ولكننا نعلم أن هذه الفئة يحركها فكر ضالّ، فالمحرّك فكر ديني مشوّه، لذا فإن الدور المنوط بالدعاة والعلماء بات أكبر من ذي قبل، ولا يحتاج إلى إعادة نظر أو تفكير، بل صار مشروعًا دينيًّا فكريًّا وطنيًّا يتحتم على الجميع القيام به لوقاية المجتمعات والأجيال من نزعة متطرفة تودي بالأمة إلى مستنقعات من التخلف والانحطاط والتفكك.

وهو دور كل أب وأم ومعلم ومدرسة وجامعة وإمام وخطيب وكاتب، بل لا يكون لهذا مركز مختص مستقل قادر على دراسة هذه الظاهرة خارج أي مؤثر، يجمع الجهود الفردية المتناثرة، ومن ثَم تُصاغ بشكل مؤسسي، يساهم في إعادة روح التسامح والأمل إلى أبنائنا؟ 

من هنا من منبر الجمعة نهنئ دولتنا ووزارة الداخلية على الخصوص وكل فرد في هذا الشعب الآمن بهذا الانتصار العظيم ضد هؤلاء الضالين المخربين للأمن والأمان.

أقول ذلك وأنا وأنتم متألمون أنهم من بني جلدتنا، الذين كان متوقعًا أن يكونوا من حماتنا، وأنهم اقتُطفوا وهم في عمر الزهور، وسُخروا فيما يضرهم ولا ينفعهم، خسارة كبيرة على أسرهم وبلادهم.

يا أيها الوطن الحبيب!! الأمر يحتاج لعلاج طويل ومستمر وعلى جميع الأصعدة. إذ علينا معرفة أسباب انتشار هذا الفكر في هذه الأيام بالذات؟ كما أن علينا معرفة كيفية انتقاله؟ علينا معالجة الأمور التي تثيره وتزيد ضراوته وتكثر من أنصاره، كجرأة من ينتقد ثوابتنا، ويسخر من ديننا، وهم أيضًا من أبناء جلدتنا ويقفون أحيانًا على منابرنا الإعلامية، فهذه الشبهات تزيد من شبهات هؤلاء الجهلة، وتصلب فكرها وتجلب إلى صفوفها مخدوعين جددًا مما تراه من إساءة للدين وأحكامه من سفهائنا.

وأنتم أيّها الشابّ المسلم، احذروا دعاةَ السوء، ومجالسَ السوء وأرباب السوء، مهما أظهروا لكم من الغَيرة على الدين، ومهما قالوا لكم عن الدّفاع عن الدين، إذا رأيتموهم يتحدثون عن تكفير المسلمين، أو يصنفونهم فِرَقًا وأحزابًا، أو ترونهم يسبون العلماء والحكام، أو يستهينون بقتلِ المسلمين وسفكِ دمائهم وترويعهم والإخلالِ بأمنهم إذا رأيتم ذلك فاعلَموا بأنهم مجرمون ومفسِدون، المصلِح لا يدعو إلى فتنة، ولا يؤيّد الفتنة، وإنما يدعو إلى الخير ويأمر بالخير بالطرق الشرعية. أمّا سفكُ الدّماء وقتل الأبرياء، وتدميرُ الأمة وإرباكها، فليس هذا من الدّين أبدًا، بل هو من تزيين الشّيطان.

فلو كان في القلبِ إيمان وإسلامٌ لاحترموا الدّماء والأموالَ والأعراضَ، إنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، وفي الحديث: ((لا يزال المرءُ في فسحةٍ من دينه ما لم يصب دمًا حرامًا)) رواه البخاري.

فلنحرص على التناصح والتعاون فيما بيننا في سبيل ما يقلّص هذه الجريمة، ويقطع دابرها، فكلٌّ منا مسئول عن واجبه نحوَ أمّته، والنبيّ يقول لنا: ((لعنَ الله من آوى محدِثًا)) رواه البخاري.

فالمحدِث الفاجرُ الظالم لا يجوز إيواؤه، ولا يجوز التستّر عليه؛ لأنه والعياذ بالله إذا تُرِك واستمرّ على إجرامه وفساده فضرره ليس على فئة معيّنة، ضررُه عليك وعلى فلان وعلى أهلِك وعلى مجتمعك. وعليكم بجمَاعة المسلمين، فإنّ يدَ الله على الجماعة، ومن شذّ شذّ في النّار. واعلموا بأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله وإلى دينه أمرٌ مطلوب شرعًا، لكن بالطرق الشرعيّة المأذون بها.

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، واحم بلادنا من كل عدو للإسلام والمسلمين، اللَّهُمَّ انْتَصِرْ لِعِبَادِكَ المُؤْمِنِينَ المُسْتَضْعَفِينَ فِي مَشَارِقِ الأرْضِ ومَغَارِبِها. اللهُمَّ لا تَجْعَلْ لِلْكَافِرِينَ عَلَى المُومِنِينَ سَبِيلاً. اللَّهُمَّ خُذْ أعداء دينكْ أَخْذاً وَبِيلاً. اللَّهُمَّ انْتَقِمْ منْهم كما انتقمْتَ من فرْعونَ وَمَلَئِهِ. اللَّهُمَّ أَذِقْهُمْ عذابَ الخِزْيِ في الدُّنْيا قَبْلَ الآخِرَةِ. اللَّهُمَّ اقْتُلْهُمْ بِبَغْيِهِمْ. اللَّهُمَّ أبْدِلْ عِزَّهُمْ ذُلاًّ، وَحَوِّلْ يُسْرَهُمْ عُسْراً، وَأَرْجِعْ بَأْسَهُمْ ضُعْفاً. اللَّهُمَّ أَسْعِدْ قلوبنا بِعِزِّ الإسْلام وظُهُور المُسلمينَ، ونَصْرِ الفئةِ المؤمنةِ يا ربَّ العالمينَ.

اللَّهُمَّ اجْمَعِ القلوبَ على طاعتِكَ.

اللَّهُمَّ اهْدِ ضالَّ المُسْلمينَ، وثَبِّتْ مُطِيعَهُمْ، وارْزُقِ الجَمِيعَ الاِسْتِقامةَ على دِينِ اللهِ وَالتَّمَسُّكَ بِوَحْيهِ الكَريم. اللَّهُمَّ احْفَظْ بلادَنا وبلادَ المُسْلمينَ منْ كُلِّ سُوءٍ ومكْروهٍ. اللَّهُمَّ رُدَّ كَيْدَ الأعْداءِ في نحورهِم، واجْعَلِ الدَّائِرَةَ عليْهم.

اللَّهُمَّ احْفَظْ للمسْلمينَ دينَهُم ودنْياهُم، ووحْدَتَهُم وأمْنَهُم. اللَّهُمَّ لاَ تُؤاخذْنا بما فعل السُّفهاءُ مِنَّا. اللَّهُمَّ من أراد بالإسلام والمسلمين خيراً فوفِّقْهُ لِكُلِّ خَيْرٍ، ومن أراد بالإسلام والمسلمين شَراًّ فأهْلكْهُ بشرِّهِ، وأرحِ البِلادَ والعبادَ منْ شَرِّهِ.

اللهم وفق ولاة أمورنا لكل خير، وأعز بهم دينك، واجمع بهم كلمتك، واحفظهم بحفظك.

اللَّهُمَّ ارْحَمْنَا، وَارْحَمْ وَالِدِينَا، وَارْحَمْ مَنْ عَلَّمَنَا، وَالمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك مُحمّد، وارْضَ اللهمَّ عن خلفائِه الرّاشدين من بعده أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.



اترك تعليقاً