ظاهرة المخدرات وطرق التخلص منها

ظاهرة المخدرات وطرق التخلص منها

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فيا عباد الله أوصيكم ونفسي المقصرة بتقوى الله وطاعته، كما أمرنا بذلك الله جل وعلا فقال في محكم التنزيل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر: 18].

أيها الإخوة المؤمنون: إن ظاهرة المخدرات من أهم الموبقات الاجتماعية التي تواجهها المجتمعات البشرية في عصرنا الحاضر؛ إذ يترتب على سوء استخدام المواد المخدرة، أو الإدمان عليها، أضرار جسيمة تلحق بمختلف النواحي الحياتية والاقتصادية والأمنية، وتلك الأضرار لا تقف عند حدّ من يتعاطاها، بل تتجاوز لتصل إلى الأسرة بكامل أفرادها، وبالتالي تنعكس آثارها على المجتمع كله.

وإن هذا الموضوع من الخطورة بمكان، ولكن كثيرًا من الناس لا يعطيه الاهتمام اللائق به؛ لكونه في نظره لا يخصه، على أن الإنسان اليقظ يحرص على الوقاية قبل حلول الداء، لاسيما في مثل هذا المرض الخطير، ولا يستبعد أن يحدث له أي مكروه وقع لغيره، مع سؤاله الله تعالى أن يعافيه مما ابتُلي به كثيرًا غيره.

أيها الأب/ أيها الولي، أكدت اعترافات كثير من المدمنين بأن الوالدين لم يكونا يعلمان شيئًا عن تعاطي أحد أولادهم المخدرات، وكانوا يفسّرون أعراض الإدمان بأنها نزلات برد وما شابهها.

فإلى هؤلاء الأولياء المشغولين بدنياهم عن فلذات أكبادهم نقول: إن الانحراف بشتى أنواعه لا يظهر فجأة، وإنما له مقدمات، ويبدأ صغيرًا ثم يكبّر، ولا بد أن تكون له مؤشرات!!

ومن هذه المؤشرات: بروز ملاحظات جديدة على الولد؛ مثل: الابتعاد عن الأسرة وتغيير مجموعة الأصدقاء السابقين، وازدياد عدد الاتصالات الهاتفية، ولاسيما في الليل، والتخلي عن النشاطات السابقة، ووجود سرقات صغيرة أو كبيرة في المنزل؛ لتلبية رغبته أو رغبات أصحاب السوء الذي يسلكون أبشع الجرائم في إجباره على إحضار النقود، كما تظهر عليه آثار سيئة في نظافته العامة، وحروق صغيرة في ملابسه، ووجود شفرات أو لفافات ورق أو نقود ملوثة بالمخدر، وتكرار حوادث السير أو المخالفات المرورية.

وإن الدراسات التي قامت على شرائح من المدمنين تقول: إن أكثرهم من أسر يوجد فيها مدمن، أو من الذين يعانون من التباعد الأسري والمشكلات الأسرية، أو من الذين يرافقون أصحاب السوء وذوي السلوك المنحرف، أو من الذين يعانون من إحباطات في الدراسة والعمل، أو من الذين تتوافر لهم الأموال بلا رقيب ولا حسيب، أو من الذين يعانون من إهمال الوالدين أو قسوة أحدهما، أو من الدلال الزائد، أو من الذين لا يتوفر لديهم قاعدة من الإيمان والتربية الدينية، والتنشئة القويمة.

فلتحرص كل أسرة على وقاية بنيها من هذا الداء الوبيل؛ حتى لا يُعدي بعضها بعضًا، وليتق الله كل ولي أمر في أسرته أن تكون المشكلات التي يثيرها أو يتركها دون حلول مستنقعًا للرذيلة، وسببًا لوقوع أولاده في فخاخ هذا الإدمان الشرس، ولتكن لنا رقابة دائمة على نوعية الأصدقاء الذين يصحبون بنينا وبناتنا، فإن جليس السوء إذا كان أسيرًا لآفة المخدرات، فلن يقر له قرار حتى يوقع صاحبه الجديد في بلواه حسدًا منه وحقدًا، ولنحذرهم من تناول أي مادة يجهلونها، مهما أخذت شكلاً مغريًا، أو مشابهًا لبعض ما كانوا يتناولونه من حلوى أو نحوها.

ولنسع بقوة في رفع معنويات أولادنا، بدل أن نكون عوامل إحباط لهم؛ بسبب سلوكنا مسلك الضغط والترهيب والسباب لهم حين يفشلون أو يقصرون، ولنكن عقلاء في صرف المال لهم، ونتعرف أين ينفقونه؟ ولنحاول أن نكون متوازنين في تربيتنا لهم، غير مسرفين في الدلال أو القسوة، ولنلتفت إلى أولادنا بالتربية والتقويم، ولا ننشغل عنهم، فإن أكثر الآباء يضيعون أولادهم بحجة انشغالهم بجمع معاشهم.

أخي ولي الأسرة:

لا تدع مشكلات الحياة وبريق الدنيا وأعمالها تبعدك عن أسرتك، فأنت مسئول عن خلية من خلايا المجتمع، بأن تحفظها حتى لا تكون جزءًا من خلية إرهابية تدمّر الفكر، أو خلية مخدرات تدمر الإنسانية، كن قريبًا من أسرتك، وتعرف على مشكلاتهم، وكن صديقًا لأولادك، ولتكن متمثلاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: “كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته”، فإن هؤلاء الأولاد أمانة لدينا، ونعمة من الله فيجب أن نحفظ هذه النعمة، ونشكر الله عليها.

أيها الأب:

إن توافر كل الأعراض التي ذُكرت سابقًا يؤكد وجود الإدمان لدى الابن، ولكن يجب الحذر من اعتقاد وجوده بمجرد وجود عامل واحد أو اثنين، ولكن ذلك بالتأكيد يدق أجراس الخطر، ويحفّزنا لكي نراقب ونتحسس لنتأكد، كما يجب ألا يسكت أحد الوالدين عن إبداء أسباب شكوكهما في أحد أولادهما، إذا بدت أنياب تلك الشكوك.

ولكن ماذا لو اكتشف الوالدان أن ابنهما قد تورط فعلاً في استخدام المخدر؟

إن هناك عددًا من الخطوات المهمة التي يؤدي اتباعها – بإذن الله – إلى إدراك الابن قبل أن يهوي إلى الإدمان.

الأولى: مواجهة الابن مواجهة صريحة، نابعة من الأعراض التي ظهرت عليه، وأن يقوما بدور الطبيب النفسي الذي يعنيه معرفة الحقائق والأسباب، وأن يشعراه بأن الإدمان مرض يسهل علاجه مبكرًا.

الثانية: الإسراع في إجراء التحاليل المخبرية المختلفة؛ لبيان حقيقة الوضع، والتي توفرها مستشفيات علاج الإدمان.

الثالثة: معاملة الابن معاملة حسنة، لكسب قلبه، دون تحقير، حتى لا يترك المجال أمام أصحاب السوء للاستحواذ على قلبه، فربما يفر إليهم هاربًا من الأسرة. والعمل على تنشيط إرادته وتشجيعه، والاستعانة بالله بالصبر على العلاج.

الرابعة: شرح تأثير المخدرات على أجهزة الجسم المختلفة، وآثارها الخطيرة في المستقبل، والدمار النفسي والصحي، والمنزلة الاجتماعية.

الخامسة: توجيه الابن توجيهًا دينيًّا، بربطه بالمسجد بصحبة والده، وإذا تحسن بصحبة الصحبة الصالحة، وتوفير جو خالٍ من المنكرات في المنزل، ولاسيما ما يُعرض في الأفلام والمسلسلات من صور استخدام المخدرات والتدخين، فهي من أبرز ما يغري الشباب بالإدمان.

السادسة: عرض الابن على طبيب نفسي إذا لزم الأمر، والاستجابة لتوجيهاته.

أيها الإخوة المؤمنون: إن مجرد هذا العَرَض لن يكون له جدوى إذا لم يتحول إلى تحمل كامل للمسئولية، قبل أن يعضّ المفرّط على يديه، ويفقد حياة ولده، أو تمسخ شخصيته، فإن درهم وقاية خير من مليون درهم علاج.

توبوا إلى الله جميع أيها المؤمنون لعلك تفلحون.

الخطبة الأخرى:

الحمد لله ولي الحمد وأهله، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: إن أمة الإسلام اليوم مستهدفة من أعداء الله في دينها وعقيدتها وشبابها وثرواتها، وإن المخدرات من أمضى الأسلحة الفتاكة التي نجحوا في تصديرها إلى بلاد الإسلام – حماها الله من كل مكروه- ونشروها في الظلام بين الشباب، وروّجوا لها الدعايات الكاذبة المغرضة بواسطة عملائهم الخونة من المهربين والمروجين؛ كي يشيعوا الفساد في الأرض، ويصيبوا الشباب بالضعف والوهن، والعجز عن العمل، والكفاح لتتحقق لهم أغراضهم الدنيئة العدوانية في السيطرة على الشعوب ونهب أرضها وثرواتها دون غزوها بالسلاح.

وإن مسئولية مكافحة المخدرات ليست خاصة بإدارة حكومية خاصة بها، وإن كانت مهمتها الأولى، وها هي ذي تقوم بها بأساليب عصرية موفقة، جعلت من كثير من عملياتها في اكتشاف المهربين والقبض عليهم بطولات نادرة نعتز بها جميعًا، ولكن المسئولية في الواقع واجب شرعي، ومهمة وطنية، يجب على جميع من يستطيع أداءها من المجتمع أن يقوم بذلك. ومن ذلك نُصْح المدمنين، وتوجيههم للعلاج، والإبلاغ عن المهربين والمروجين، والتعاون مع الجهات الحكومية المختصة في كل ما من شأنه استئصال هذا الداء من مجتمعنا الطيب، وإن ذلك من الاستجابة لقول الله تعالى: { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [آل عمران: 104].

وإن من فضل الله علينا أن بلادنا حرسها الله من كل مكروه تطبق أحكام الشريعة الإسلامية في المجرمين، وعلى رأسهم مجرمو المخدرات، هؤلاء الذين يرتكبون أبشع الجرائم الإنسانية، حين يقتلون إنسانية الإنسان وهو حي يرزق، ويبتزون صحته وأمواله؛ ليحققوا الأرباح الخيالية فوق جثث البشر وسعادتهم، وإن عقوبة الإعدام التي تطبقها الدولة وفقها الله على مهربي المخدرات ومروجيها لهي من أنجع الوسائل لمحاولة السيطرة على المنافذ التي تستهدف أعظم ثروة في البلاد، وهي روح الإنسان ونشاطه.

ثم صلوا وسلموا على معلم الناس الخير ومربي البشرية على منهج الله القويم سيدنا ونبينا وقرة أعيننا محمد بن عبد الله كما أمركم الله جل وعلا بذلك فقال سبحانه: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } [الأحزاب: 56].

اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله الطاهرين، وصحبه أجمعين، أخص منهم الخلفاء الراشدين المهديين من بعده؛ أبا بكر وعمر وعثمان وعلي، وعنا معهم برحمتك وفضلك ومنك يا أكرم الأكرمين.

اللهم يا عزيز يا حكيم أعز الإسلام والمسلمين وانصر إخواننا المجاهدين وارفع البأس والظلم والجوع عن إخواننا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح ولاة أمورنا، ووفقهم لإصلاح رعاياهم، اللهم أيدهم بالحق وأيد الحق بهم، واجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، سلمًا لأوليائك حربًا على أعدائك.

اللهم فك أسر المأسورين، واقض الدين عن المدينين، واهد ضال المسلمين، وهيئ لأمة الإسلام أمرًا رشدًا يعز فيه أهل طاعتك، ويهدى فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر. اللهم بارك لنا فيما أعطيتنا، وأغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك، وأغننا برحمتك يا حي يا قيوم، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين واجعلنا من أهل جنة النعيم برحمتك يا أرحم الراحمين.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. 



اترك تعليقاً