علو الهمة في العبادة.. وصد عدوان الحوثيين

علو الهمة في العبادة.. وصد عدوان الحوثيين

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض، وجعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، سيدنا محمد الهادي البشير والسراج المنير صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين رأوا الحجة البيضاء بأعينهم، فساروا على طريقه، وعزّروه ونصروه، واتبعوا النور الذي أُنزل معه، أولئك هم المفلحون..

أما بعد.. فاتقوا الله عباد الله وأطيعوه..

عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: “قلت: يا رسول الله، أخبرني بعملٍ يدخلني الجنة ويباعدني عن النار، قال: لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله تعالى عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت، ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير، الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل، ثم تلا: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [سورة السجدة: 16- 17]، ثم قال: ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه: الجهاد، ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: كُفَّ عليك هذا، قلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به، قال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكبُّ الناسَ في النار على وجوههم إلا حصاد ألسنتهم” رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

أخي المسلم.. هذا طريق الفلاح بين يديك، وباب السعادة مفتوح على مصراعيه أمامك، فهل ولجت الباب وسلكت الطريق؟

أخي الحبيب.. إن الدنيا ظل زائل، وعرض منقطع، وأجل ينتهي، ولكنها وسيله لما بعدها، وطريق إلى الله {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [سورة هود: 106 – 108].

وقد فهم السلف هذه الحياة كما أراد بارئها سبحانه وتعالى فعاشوا كما أراد، لم تغرهم الدنيا بمتعها، ولم تبدل حالهم إذا أقبلت عليهم، وعلموا بأن الإيمان ليس بالتمني ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل، وإن قومًا غرتهم أماني المغفرة – كما يقول الحسن البصري رحمه الله – حتى خرجوا من الدنيا وقد كثرت سيئاتهم (أو لا حسنة لهم) وقالوا: إنا نحسن الظن بالله، وكذبوا، لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل، نعم لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل” تأمل هذه العبارة، ولنعرض عليها أنفسنا…

لقد أحسنا الظن بالله، حتى ظننا أن الجنة لم تخلق إلا لأمثالنا، ولكننا هل قدرنا سلعة الله بثمنها الحقيقي، هل وازنا بين شوقنا إليها وبين عملنا، حقًّا إننا لا ندخل الجنة بمجرد أعمالنا لولا أن يتغمدنا الله برحمته، ولكن العمل سبب الدخول فالله تعالى يقول: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [سورة النحل: 32].

إن حسن الظن بالله أمر حسن، ولكنه مقرون بحسن العمل، استمع يا موفق لهذه القصة التي أوردها ابن الجوزي رحمه الله، قال: قال عبد الواحد بن زيد: ركبت البحر فعصفت بنا ريح دفعتنا إلى جزيرة من جزر البحر، فطلعنا إليها وإذا نحن برجل قد عكف على صنم له يعبده، فقلنا له: ما معنا في المركب من يعمل مثل هذا، قال: فأنتم من تعبدون؟ قلنا: نعبد الله عز وجل، قال: ومن هو الله؟ قلنا الذي في السماء عرشه، وفي الأرض سلطانه، قال: فكيف علمتم ذلك؟ قلنا: أرسل إلينا رسولاً بالمعجزات الظاهرة، فأخبرنا بذلك، قال: فما فعل برسولكم؟ قلنا: لما أدى الرسالة قبضه الله إليه، قال: أفما ترك عندكم علامة؟ قلنا: ترك فينا كتاب الله سبحانه وتعالى، قال: أروني إياه، فأتيناه بالمصحف، قال: ما أحسن قراءته، فقرأنا عليه منه شيئًا فبكى، وقال: ينبغي لمن هذا كلامه ألا يُعصَى، فأسلم وحسُن إسلامه، قال: ثم سألنا أن نحمله معنا في المركب، فحملناه وعلمناه سورًا من القرآن، فلما جنَّ عله الليل، وأخذنا مضاجعنا لننام، قال: يا قوم هذا الذي دللتموني عليه ينام؟ قلنا: هو حي لا تأخذه سنة ولا نوم. فقال: إن من سوء الأدب نوم العبد بين يدي سيده، ثم وثب فلم يزل قائمًا باكيًا حتى أصبح، قال: فلما قدمنا (عبدان) قلت: لأصحابي هذا رجل غريب، حديث عهد بإسلام، ومن المصلحة أن نجمع له شيئًا، ففعلوا، ومددناه إليه فقال: ما هذا؟ قلنا له: نفقة ننفقها عليك، فقال سبحان الله!! دللتموني على طريق لم تعرفوه، أنا كنت في جزيرة من جزر البحر أعبد غيره، ولم يضيعني، فكيف يضيعني وأنا أعبده وهو الخالق الرازق، ثم مضى وتركنا، قال: فلما كان بعد أيام أُخبرت أنه بموضع يعالج سكرات الموت، فأتيناه وهو بآخر رمق فسلمت عليه وقلت له: ألك حاجة؟ فقال لي: قد قضى حاجتي الذي جاء بكم الجزيرة وأنا لا أعرفه، قال: فاستندت بإزائه وقصدت مؤانسته ساعة، فغلبتني عيني فنمت فرأيت مقابر عبدان روضة عليها قبة، وتحت القبة سرير، وعلى السرير جارية لم أر أجمل منها تقول: بالله عجل في جهازه، فقد طال شوقي إليه، فانتبهت فوجدته مات، فغسّلته وكفّنته، فلما كان الليل نمت فرأيته وهو على هيئةٍ حسنة، والجارية على السرير تحت القبة، وهو إلى جانبها يكرر هذه الآية {سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [سورة الرعد: 24].

هذا طريق الله أيها السالك، إيمان راسخ وعقيدة صحيحة تكون دافعة للعمل الصالح، وتعظيم الله وتوقيره، ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم.

عباد الله .. توبوا إلى الله واستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الأخرى:

الحمد لله وحده، وأشهد ألا إلا الله لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فاتقوا الله وأطيعوه..

فقد حزَّ في خواطرنا أن تعتدي فئة الحوثيين على أمننا، وهي تعيش في دولة جارة لنا، وكنا نرجو لها أن تفيء إلى أمر الله، فتكفّ بغيها عن وطنها، بدلاً من أن توسّع دوائر بغيها على جيرانها.

وإن المعاني التي يجب أن تزهو وتطوف على قلوبنا، أننا نحب السلام، ونعيش به، ولا نعتدي على أحد، ولكننا لا نرتضي أبدًا أن نذل ونخنع لأحد غير من خلقنا.

إن الحسّ الجهادي، هو الذي يخوض معاركنا مع أعدائنا، وليس شيئًا آخر، فأبطالنا الذين تربوا على موائد القرآن الكريم، ونهلوا من صلاة الليل، وتغذوا من أكفّ رمضان، هم الذين يندفعون بكل بسالة ليلقّنوا العدو المعتدي دروس المستقبل.. ألا يضع في أجندته أن يقترب مجرد الاقتراب من الحمى.. مخافة أن يقع فيه.

كل أرقام المعادلة تندفع إلى النصر بإذن الله تعالى، فالغاية رضا الله تعالى، والهدف تطهير الوطن من رجس البغاة، والوطن هو أجل وطن وأعظمه على الله تعالى، ومن ترك النار في فناء الدار أتت عليه كله، والجنة لا تُشتَرى إلا بالغالي النفيس، والله تعالى يقول: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [سورة التوبة: 111]، والقوة إنما تُدَّخَر لمثل هذا اليوم، الذي يباهي فيه الوطن بشبابه الناهض، الذي يستحضر وهو في دبابته، وفي جوف طائرته قول الله تعالى: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [سورة الأنفال: 17].

ومن اطلع على تربية العسكريين في بلادنا رفع رأسه عاليًا، وعرف سر الشجاعة، فالدعم المهني والفني، يصاحبه –باستمرار- دعم معنوي مكثف، يعبق من تدبر القرآن العظيم، وتأمل أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، يلمس النفس، ويتوغل فيها، يهزها، يمتلكها، فإذا بها لا تعرف غير الإقدام، بينما تشيع ظاهرة الانتحار بين الجنود في الأمم الأخرى لاسيما في حالة الحرب؛ لأنهم يفقدون معنى الموت في سبيل المبدأ فضلاً عن أن يكون – كما عند المؤمنين- في سبيل الله تعالى.

إن الوطن الذي يظل يعطينا في حال السلم حتى نرضى، ينبغي أن نعطيه في حال الحرب حتى يرضى، والجيل الذي نربّيه على الولاء لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ينبغي أن نربيه –كذلك- على السمع والطاعة لولاة الأمور بالمعروف، في المنشط والمكره، وعلى حب الوطن والدفاع عنه في اللحظة التي تستنهضنا فيه نداءات ولي أمرنا، ديانة وحبًّا، ولن يصنع الأمن في الوطن إلا أهله، ولن يتحقق الرفاه إلا في وطن محفوف بالقوة، التي لا تعتدي.. ولكن تدافع، وتدفع، وتزمجر كل آونة وأخرى، وتنقض في اللحظة المناسبة، لتذكر العدو بأنها على استعداد كافٍ لحماية نفسها بإذن الله تعالى وعونه.

اللهم انصر جنود الحق على أعدائهم في بلادنا وفي كل مكان، واكتب لنا من الأعمال الصالحة ما تتقبله منا، واغفر لنا ولوالدينا إنك سميع الدعاء.

اللهم أيد بالحق ولي أمرنا، وخذ بيده إلى كل ما تحب وترضى، واجعله هاديا مهديا، وسائر أولياء أمور المسلمين.

اللهم صلّ وسلم على عبدك ونبيك محمد، وعلى آله الأطهار، وصحبه الأبرار.



اترك تعليقاً