في أعقاب الفيلم المسيء للنبي صلى الله عليه وسلم

الحمد لله أشهد ألا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأثني بمحمد بن عبد الله أشهد أنه رسول الله ومصطفاه، صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

عباد الله أوصيكم ونفسي المقصرة بطاعة الله وتقواه

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}.

في بدايات العصر الحديث هرع عدد من المستشرقين، من قراهم في الغرب، إلى مدن الشرق الكبرى، منتدبين أنفسهم للصد عن سبيل الله تعالى، ومحاربة الإسلام في أصوله، وكان الجيش البارد منظما، فكل سرية أخذت جانبا تهدم فيه، وكان من نصيب إحداها، محاولة تحطيم القدوة المثلى، والجناب الأعظم، والإنسان الذي تكاملت شخصيته، وبناه ربه حتى لم تعد فيه ثلمة، خير مخلوق، وأعظم نفس برأها الخالق العظيم، إنه محمد وكفى. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

وما هي إلا جولة للباطل؛ خرجت فيها مقالات حاقدة، ونعقت بها إذاعات تنصيرية، على إثرها تتابعت ردات الفعل العلمية، التي فنَّدت المزاعم، وأغلقت على القوم المنافذ، فعادوا أدراجهم، يجرون أثواب الخيبة والفشل.

وبالأمس القريب، نبحت كلاب من الدانمارك، وشخصوا الرسول الأعظم في رسومات كارتونية تحاول أن تلتمس ثغرة في الكيان العظيم، فماذا حدث؟ إنهم راحوا يرسمون شخوصا لا علاقة لها بالحبيب صلى الله عليه وسلم، لا خَلْقا ولا خُلُقا، ويعلقون الاسم الطاهر عليها؛ استثارة لمشاعر المسلمين المحبة الهائمة بنبيها صلى الله عليه وسلم. فذكرونا بالأذى الذي لقيه النبي صلى الله عليه وسلم من قريش، حيث سبوه واتهموه ومشوا خلفه ليعيروه، فما كان منه إلا أن قال: ((ألا تَعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم يشتمون مذمما ويلعنون مذمما وأنا محمد)) رواه البخاري. حتى ظهر للشريف العربي أن “في الحديث منهجا للمسلمين في التعالي عن السفاهات وألا يستفزهم السباب عن أخلاق الإسلام وعن مهامه العظام كحمل هم الدعوة، ولا يعارض ذلك الغضب لله إذا كان منضبطا بالشرع ومحفزا للعمل الجاد.

إن إيذاء النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم جزء من سلسلة القبائح البشرية، التي سارت عليها أمم فهلكت، حتى تحسر عليها الرب جل وعلا فقال: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون} [سورة يــس 36/30].

واليوم يعود بعض أقباط المهجر إلى فعل أكثر دناءة ودنسا، وأشد عدوانية ورجسا، بعمل تمثيلي هابط الإنسانية، لا يمكن أن يقبل على أفراد الناس، فضلا أن يكون في جناب خير البشر أجمعين؛ مستهدفين وحدة البلاد المسلمة؛ باستثارة الفوضى والعداوة بين النصارى من شتى طوائفهم والمسلمين، وهم يعيشون في بلاد واحدة، وهي اللعبة التي كان يتلهى بها ما كان يسمى بالاستعمار، فانتقض غزله، وباءت خططه بالفشل الذريع.

يا ناطح الجبل العالي ليثلمه            أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل

إن مثل هذه الأعمال المجرمة ينبغي أن تستنكر بكل قوة وصلابة من المسلمين في آفاق الأرض بالطرق السلمية المتاحة في قوانين تلك البلاد، وليس صحيحا أن تتحول الاستنكارات بما لا يليق بهذا الدين العظيم، من عنف وتخريب وتدمير وحرق واغتيال.

بل هي فرصة ليرد السهم إلى كبد صاحبه، فإذا كانوا يريدون تشويه نصاعة شخصيتة العظيمة فلن يستطيعوا، لأنها أكبر من أن تمسها أيدي البشر، والله تعالى يقول: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} [سورة الحجر 15/95]، بل فلنجعلها فرصة عظيمة لنقول للعالم: هذا نبينا، عودوا إلى مصادركم قبل مصادرنا، واسمعوا ما قاله عظماؤكم قبل علمائنا، وشعراؤكم قبل أدبائنا، فإن الله ناصر رسوله ميْتا كما نصره حيا، وإنها لمحاولات خرقاء للحد من انتشار دين الله في الأرض الذي تنبأ حتى مفكرو الغرب بانتشاره فيهم، وغلبته على جميع الأديان؛ يقول الكاتب والفيلسوف برناردشو الذي ألف كتابا بعنوان (محمد) أحرق في بريطانيا:” “إن العالم أحوج ما يكون إلى رجلٍ في تفكير محمد، هذا النبي الذي وضع دينه دائماً موضع الاحترام والإجلال فإنه أقوى دين على هضم جميع المدنيات، خالداً خلود الأبد، وإني أرى كثيراً من بني قومي قد دخلوا هذا الدين على بينة، وسيجد هذا الدين مجاله الفسيح في هذه القارة (يعني أوروبا). إنّ رجال الدين في القرون الوسطى، ونتيجةً للجهل أو التعصّب، قد رسموا لدين محمدٍ صورةً قاتمةً، لقد كانوا يعتبرونه عدوًّا للمسيحية، لكنّني اطّلعت على أمر هذا الرجل، فوجدته أعجوبةً خارقةً، وتوصلت إلى أنّه لم يكن عدوًّا للمسيحية، بل يجب أنْ يسمّى منقذ البشرية، وفي رأيي أنّه لو تولّى أمر العالم اليوم، لوفّق في حلّ مشكلاتنا بما يؤمن السلام والسعادة التي يرنو البشر إليها”. 

حين حاول الرسامون في الدانمارك الاعتداء على مقامه الشريف، تحرك الدعاة بالطرق الحكيمة، فدخل في دين الله تعالى آلاف الأشخاص في بلادهم وبلاد غربية أخرى، وقوبلت تلك التفاهات بلادنا بحملات تربوية عظيمة، استثمر فيها الحدث لتجديد حب الرسول صلى الله عليه وسلم في نفوس المسلمين، وباتت كل زاوية في سيارة ومدرسة وبيت فيها ذكر للرسول ومنقبة له.

من حق كل إنسان أن يعبر عن حبه للرسول صلى الله عليه وسلم كما شاء، وأن يعبر عن غضبه ممن حاول التطاول عليه كما شاء، وولكن ليس من حق المسلم أن يسئ إلى منهج دينه العظيم في التعامل مع المخالف؛ فيقدم صورة من العنف تشوه وجهه الوضيء.

عودة مرة أخرى إلى حملة الحب النبوي الخالد؛ لتتوهج شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم نضارة وحضارة وإنسانية في اتباعنا لسنته، والتأسي به في أخلاقه، والتأليف عنه، وصناعة الأعمال الفنية المتقنة عن آثاره وأقواله وأفعاله لتقدم في كل فضائيات الدنيا وصحفها.

لنطلق دروسا في المساجد، ودروسا في أسرنا، ودروسا في إذاعاتنا، ومواقعنا وفضائياتنا، لنملأ الدنيا بأنوار محمد صلى الله عليه وسلم، ولو كره الكافرون، ولو كره المشركون، ولو مات قهرا المنافقون.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61)} [سورة التوبة 9/61]

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآي والذكر الحكيم، أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الأخرى/

الحمد لله وحده، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين أما بعد فاتقوا الله عباد الله

إن النبي صلى الله عليه وسلم محفوظ حيا وميتا، قال الله تعالى:{أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36)} [سورة الزمر 39/36]، ويقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [سورة المائدة 5/67].

ولقد تعرض النبي صلى الله عليه وسلم لكثير من الأذى حيا وميتا، ولكنه لا يتعدى الأذى، وهو وعد من الله تعالى، {لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ} [سورة آل عمران 3/111].

فهو محفوظ في جسده كما هو محفوظ في سنته، ولن ينال منه هؤلاء الظلمة ولا من شخصيته العظيمة، ولكنهم يؤذوننا نحن فيه، صلى الله عليه وسلم.

هجوت محمدا فأجبت عنه        وعند الله في ذاك الجزاء

هجوت مبرأ برا حنيفا          أمين الله شيمته الوفاء

فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي          لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْهُمْ فِدَاءُ

ولقد جاء من أقوال عقلاء الغربيين أنفسهم ما يدحر أقوال هؤلاء السفهاء وأفعالهم، حتى قال الكاتب الإنكليزي المعروف (كاريل) في كتابه الأبطال: (لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد متمدن من أبناء هذا العصر، أن يصغي إلى تلك الاتهامات التي وجهت إلى الإسلام وإلى نبيه، وواجبنا أن نحارب ما يشاع من مثل هذه الأقوال، السخيفة المخجلة”.

عباد الله .. إن شريعتنا الغراء التي تحترم عهودها ومواثيقها مع الآخرين لتستنكر قتل السفير الأمريكي في ليبيا؛ فهو مستأمن، ومعاهد، وبريء من هذه الجريمة؛ وما حدث جهل سياسي فضيع لما قد يحدث من جراء هذا الفعل. وإن الخلل إذا وقع من شخص معين، أو من مؤسسة ما، لا يعني أن يؤذى بنو جنسه، ومواطنو بلده، أبدا، هذا هو الإسلام الذي ندين الله تعالى به.

ولكن قبل ذلك لابد أن يعلم العالمُ كلُّه أننا لن نقبل أن يعتديَ أحد على رموزنا الكبرى، وأعظمهم على الإطلاق رسولنا صلى الله عليه وسلم، وإذا كنا نغضب ممن يلمز آباءنا أو قبائلنا أو أوطاننا، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعز منهم جميعا في قلوبنا، وإذا كان لدينا الاستعداد أن نموت من أجل أمن بلادنا، فإننا من باب أولى أن نكون على استعداد أن نموت من أجل ديننا ورسولنا صلى الله عليه وسلم، وليسمِّ العالمُ كله فعلنا هذا إرهابا كما يشاءون، ولكننا لن نتنازل أبدا عن عقيدتنا، ولن ينجح أولئك في ترويض نفوسنا أن نقبل الدنية في ديننا.

إذا مُسَّت الحصون الكبرى وصمتنا، فلنحفر لرؤوسنا قبورا ونواريها فيها، فلم يبق لنا ما نستحق به العيش بعد ذلك.

سندافع عن رسولنا بقلوبنا وجوارحنا، ولا قيمة لنا إذا واجهنا هذه الغارات بمجموعة من الاستنكارات، بل لابد من مشروعات أكبر من حجم الاعتداءات.

إذا كانوا يهاجموننا بالإعلام فلماذا لا تكون مواجهتنا لهم بالإعلام؟ لماذا نستمر في استيراد عفنهم الذي نشر الرذيلة، وصور المومسات، والداعرات، والخمور، والصلبان أمام أعين أولادنا؟

لماذا تستقبل أقمار العرب قنوات الإرهاب الحقيقي الممثل في أفلام القتل والرعب والجريمة؛ لتربي أولادنا عليها؟

لماذا لا نقاطع نتاجهم الإعلامي الذي ليس فيه فائدة ولا علم ولا نفع ولا تقنيات؟

أين أعمالنا الفنية القادرة على نشر الصورة المشرقة للإسلام، في أثواب جديدة وبراقة، أين مراكز الأبحاث ولجان المناصرة والهيئات العليا؟

لن ينال حبيبَنا صلى الله عليه وسلم أذاهم، ولكننا نحن الذين امتُحِنَّا فيه، وإذا كان العالم يخشى من توسع دوائر (الإرهاب) فإن إيذاء الناس في رموزهم الأموات والأحياء على سواء، يزيد من فرص توسع دوائر (الاسترهاب) أي صناعة صفوف جديدة من الذين يحملهم الجهل على مواجهة ذلك الإيذاء بالطرق الخاطئة.

اللهم إنا نجعلك في نحور الذين يؤذوننا في رسول الله صلى الله عليه وسلم، اللهم إنا نكل إليك عقوبتهم، يا جبار السماوات والأرض، فاجعلهم عبرة للمعتبرين.

اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، وعبادك الصالحين، اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا وعن سائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه الطاهرين الطيبين، وارض الله عنهم وعنا وعن جميع المسلمين.



اترك تعليقاً