قواعد وضوابط للرؤى
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي خلق كل شيء وقدره تقديرا، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، أوحى من الحكمة ما شاء لمن شاء من عباده، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد
فاتقوا الله عباد الله كما أمر في كتابه؛ {وَللَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللَّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيّاً حَمِيداً} [سورة النساء 4/131].
عباد الله، إن دلائل وحدانية الله تعالى وربوبيته تملأ الأكوان، ولا تراها إلا أعين الموفقين:
قال الله جل جلاله: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [سورة فصلت 41/53].
ففي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد
ومن لطائف وحدانية الله تعالى، ومن أعظم دلائل عظمته ما يوحي به إلى البشر أجمعين من بعض ما يرونه وراء الأجفان وهم نائمون من رؤى ومنامات، تصدق كفلق الصبح، {قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [سورة النمل 27/65].
ومنها المنذرات، ومنها المبشرات، قالالله عز وجل في كتابه الكريم: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْيَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِيالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [سورة يونس آية: 62ـ64].
قال عددٌ من الصحابة في تفسير قوله تعالى :{لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} “هي الرؤيا الصالحة يراها الرجل المسلم أو تُرىله.
وعن أبيهريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم :“إنه ليس يبقى بعدي من النبوة إلا الرؤياالصالحة”[الصحيحة رقم: 473]. وهذه الرؤيا هي التي قالعنهارسولنا الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ:“إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثًا،ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة” متفق عليه.
لذلك فإن الرؤيا لها منزلة عظيمة ومكانةرفيعة في الإسلام.
والرؤى ثلاثةأنواع بينها رسول اللهصلى الله عليه وسلم بقوله: “الرؤيا ثلاث، منها أهاويل من الشيطان ليحزن بها ابن آدم، ومنها ما يهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه، و منها جزء من ستة وأربعين جزءا منالنبوة ” [الصحيحة رقم:1870]. قالالبغوي رحمه الله :”معناه أنه ليس كل ما يراه الإنسان في منامهيكون صحيحًا ويجوز تعبيره، إنما الصحيح ما كان من اللهعزوجل، وما سوى ذلكأضغاث أحلام لا تأويل لها“.
فالرؤيا السيئة من الشيطان، وهناك آداب شرعية تخصها .منها ما رواه مسلم في صحيحه أنأبا سلمة قال: “كنتُ أرى الرؤيا فأمرض منها، حتى لقيت أباقتادة فذكرت ذلك له، فقال: سمعت رسول الله يقول: “الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان،فإذا حلم أحدكم حلمًا يكرهه فلينفث عن يساره ثلاثًا ويتعوذ بالله من شرها، فإنها لنتضره”. قال أبوسلمة: “إن كنتُ لأرى الرؤيا أثقل عليَّ من الجبل، فما هو إلا أنسمعت بهذا الحديث فما أباليها”.
وفي صحيح مسلم: “جاء أعرابيٌّ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقال: يا رسولَ اللهِ ! رأيتُ في المنامِ كأنَّ رأسي ضُرِبَ فتدحرجَ فاشتددتُ على أثرِه. فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ للأعرابيِّ ” لا تُحدِّثِ الناسَ بتلَعُّبِ الشيطانِ بك في منامِك “. وقال: سمعتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعد، يخطب فقال: “لا يُحَدِّثَنَّ أحدُكم بتلَعُّبِ الشيطانِ به في منامِه”.
لذلك من السنة في مثل هذه الرؤى السيئة آداب: الأول: أن يتعوّذ بالله من شر ما رأى ثلاث مرات، والثاني: وأن يتعوذ بالله من شر الشيطان ثلاثمرات، والثالث: أن يتفل عن يسارهثلاث مرات، والرابع: أن لا يحدّثبها أحدًا، والخامس: لا يسأل عنتفسيرها، والسادس: أن يتحوّل عنالجنب الذي كان عليه، والسابع: أنيصلي عقبها.
وأما النوع الثاني من الرؤى فهو ما يحدّث به المرء نفسه في يقظته، كمن يكون مشغولاً بسفر أو تجارة أونحو ذلك، فيرى في منامه ما كان يفكّر فيه، وهذا من أضغاث الأحلام أيضا، ولا يسأل عن تأويله، ولا يشغل به باله .
وأما النوع الثالثفهو الرؤيا الصادقة التي تكون من الله عز وجل؛ قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:“إذا رأى أحدُكم رؤيا يُحبُّها، فإنما هيَ من اللهِ، فليحمدِ اللهَ عليها وليحدثْ بها، وإذا رأى غيرَ ذلك مما يكرهُ، فإنما هي من الشيطانِ، فليستعذْ من شرِّها، ولا يذكرْها لأحدٍ، فإنها لا تضرُّه“ رواه البخاري، ومن علاماتها أن يكون الرائي معروفًا بالصدق في كلامه، كما قال صلى الله عليهوسلم: “وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثًا” [رواه مسلم].
والرؤيا الصالحة قد تكون واضحة لا تحتاج إلى تأويل كمارأى إبراهيم عليه السلام أنه يذبح ابنه في المنام، وقد تكون رموزا تحتاج إلى عابر يعبرها كرؤيا صاحبي السجن مع يوسف عليه السلام.
اللهم بشرنا بما يسرنا، وادفع عنا تحزين الشيطان، عباد الله توبوا إلى الله واستغفروه.
الخطبة الأخرى/
الحمد لله {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [سورة طـه 20/50]، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين، أما بعد ، فاتقوا الله عباد الله.
واعلموا بأن من الأخطاء التي قد يقع فيها بعض الناس في شأن الرؤيا: الكذب فيها، وهو أمر عظيم لا يحسب له بعضهم حسابا، ولو تصور ما يترتب عليه من الوعيد لما فعل، حيث أخرج البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من تحلم بحلم لميره كلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل”. وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: “أفرى الفرى [أيأخطر الكذب] أن يُريَ الرجلُ عينيه ما لمتريا“ [قال الألباني: إسناده صحيح على شرط مسلم]. قال الإمامالطبري :”الكذب في المنام كذب على الله.
ومن الأخطاء كذلك: التحدثبها وطلب تفسيرها من أي شخص .سئل الإمام مالك ـ رحمه الله ـ “أيعبر الرؤيا كل أحد؟ فقال: أبِالنبوة يُلعب؟” فالرؤى يعبرها أهل العلم باعتبارات مختلفة، تماما كالفتوى، فقد تكون الرؤيا واحدةلشخصين لكن التأويل مختلف.
وتعبير الرؤيا يُطلب من المجيدين الموهوبين أصحاب المعتقد الصحيح، والمسلك القويم، وهو اجتهاد منهم، فقد يصيبون وقد يخطئون، ولذلك لا يترتب على الرؤيا اعتقاد أو عمل.
وقد تصدَّر لتعبير الرؤيا من هو ليس بأهل له، واستغل فيما حرم الله، حتى تمكنت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الرياض من الإطاحة بأحد مفسري الأحلام المشهورين وذلك بتهمة ابتزازه للنساء والفتيات عبر التهديد لهن بنشر صورهن. وقد يوحون ببعض الأعمال للناس مما يترتب عليه أضرار جسيمة، وربما وقع طلاق بين الزوجين، وانهدم البيت وتفرقت الأسرة وتقاطع الأرحام بأسباب أولئك المعبرين الذين لا يحسنون ما يعبرون ولا يتقون الله فيما يقولون. وقد نبه سماحة المفتي ـ حفظه الله ـ على: “أن المؤمن لا يُحزن أخاه إن عرض عليه رؤاه، فإن رآها حقًا أرشده للحق، وإن رآها غير ذلك نصحه بنصيحة عامة، وهدَّأه، ولا يعبر أمرًا ربما يقع في محذور، فإن هؤلاء المعبرين كثير منهم لا علم عندهم، تلك التعبيرات الخاطئة يتصنع لها من لا يحسن التعبير. وقال: إن التعبير علم لا شك فيه كما قال الله عن يوسف: (وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ)، وقال: (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنْ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ)، فهو علم لكن المصيبة أن يدعيها من لا يحسنها ومن لا يفهمها ولا عناية له بمعرفتها ولا خبرة له بها”. نسأل الله تعالى أن يفقهنا في الدين، وأن يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه.
اللهم يا عزيز يا حكيم أعز الإسلام والمسلمين وانصر إخواننا المجاهدين وارفع البأس والظلم والجوع عن إخواننا المستضعفين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح ولاة أمورنا، ووفقهم لإصلاح رعاياهم، اللهم أيدهم بالحق وأيد الحق بهم، واجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، سلما لأوليائك حربا على أعدائك.
اللهم فك أسرى المسلمين، واقض الدين عن المدينين، واهد ضالهم، وهيء لأمة الإسلام أمرا رشدا يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر.
اللهم بارك لنا فيما أعطيتنا، وأغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك، وأغننا برحمتك يا حي يا قيوم، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين واجعلنا من أهل جنة النعيم برحمتك يا أرحم الراحمين اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله الطاهرين، وصحبه أجمعين، وعنا معهم برحمتك وفضلك ومنك يا أكرم الأكرمين.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.