كيف نتهيأ لرمضان؟

 

الخطبة الأولى:

لك الحمد يا من أشرقت بنور وجهه السموات والأرض، ولك الشكر يا ذا الجلال والإكرام، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

 أما بعد: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر: 18]،{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70- 71].

أيها الإخوة: يدرك المؤمن عظيم المنة والنعمة التي ينعمها الله سبحانه على العبد بأن يمد عمره في طاعةٍ، ويبلغَه رمضان، وإذا تأملت – أيها الكريم – ستجد أن هناك من تعرفُ، من صام معنا في رمضان الفائت، أما اليوم فهو رهين قبره، يتمنى أن لو يدرك رمضان؛ لينكب فيه على ما يزيد من حسناته، ولكن هيهات!!

أيها المباركون: لو تأمل المتأمل أن الإنسان حين ينوي الدخول في منافسة شريفة مع أقرانه، في أيّ فن من فنون الحياة، فإنه لا بدَّ من فترة كافية للتدريب، ومن نافس بلا تدريب فقد يخرج بلا فوز، وربما انقطع في وسط الطريق، وهو ما نجده من بعض المسلمين؛ حيث يبقون بعيدين عن الصوم وتلاوة القرآن الكريم، والصدقات، والمكث في المسجد معظم سنتهم، فضلاً عن قيام الليل، فإذا فاجأهم رمضان، سارعوا ليدخلوا في كل عباداته، فلا تمضي منه أيام حتى تجدهم قد ملُّوا وضعفوا، وثقلت عليهم المواصلة بقوة.

وانطلاقًا من استعداد النبي – صلى الله عليه وسلم – لصيام رمضان بكثرة الصيام في شعبان، نؤكد على أهمية الاستعداد لرمضان من الآن في الجانب العبادي وفي الجانب المعيشي وفي الجانب النفسي.

فمما يُتهيأ له لرمضان في الجانب النفسي: إزالة ما يشغل النفس، ويقلق الفكر من أمور الدنيا، فإن كان لا بد منه فليؤجل إلى ما بعد رمضان. واستشعار الإحساس بأهمية رمضان، وخشية فوات فضله، كيف لا؟! والنبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيهِ رَمَضَانُ ثمَّ انْسَلَخَ قَبلَ أَنْ يُغْفَرَ لَه” [رواه الترمذي 3545 وصححه الألباني].

ومما يُتهيأ له في الجانب العبادي: كثرةُ الصيام في شعبان، لاسيما وهو شهر ترفع الأعمال فيه إلى رب العالمين كما قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : “ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ” [رواه النسائي 2357 وصححه الألباني].

ومن الاستعداد لرمضان في الجانب العبادي: الاعتياد على قيام الليل، وذلك بأن توتر، وأكثره أحد عشر ركعة، وأدنى الكمال ثلاث ركعات، وأقلّه ركعة واحدة، تبدأ بالقليل ثم تزيد من صلاة الليل ركعتين فأربع فست، وهكذا حتى يدخل رمضان، وفي جانب قراءة القرآن يكون لك ورد يومي ولو قل، ثم تزيده شيئًا فشيئًا، حتى إن دخل رمضان وإذا بنفسك قد اشرأبت وتروّضت على الطاعة وبالاعتياد عليها ولكأنها من البرنامج اليومي.

ومن الاستعداد في الجانب العبادي: هو ما تُعده وتهيئه لزوجتك وأبنائك في شهر رمضان من أجواء عبادية، تشتركون فيها في بعض العبادات والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر؛ لأنه من المؤسف – والله – أن تهيئ الأسرة لأولادها الشاشات المفتوحة على المنكرات، وما يملأ بطونهم من المأكولات، وتنسى الأهم من ذلك، وهو أن تهيئ لهم ما يملأ عقولهم وأرواحهم. وكل ربّ أسرة أدرى بجوانب الخلل في بيته، وبما يناسبه من برامج وخطوات عملية لعلاج ذلك الخلل ولتقوية جوانب التقوى التي هي هدف الصوم؛ كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} [سورة البقرة: 183]. وأقترح أن يكون للأسرة درس في فقه الصيام، ودرس في مراقبة الله تعالى، وفضائل الأعمال التي نرجو الله أن يوفقنا إليها في شهر الخير.

أيها المباركون: أما عن الاستعداد لرمضان والعيد في الجانب المعيشي: فكلنا يعرف أن عيد الفطر قادم بإذن الله تعالى لمن أمدَّ الله له في العمر، ولكن من الخلل ألا نتحرك لمستلزماته إلا إذا اقترب، فيكون حراكنا في ليالي العشر الأواخر من رمضان، التي ينبغي فيها التفرغ والاعتكاف على طاعة الله تعالى،  حتى تجد مظاهر الاعتكاف تنقلب من المساجد إلى اعتكاف في الأسواق وقضاء الحاجات، فما المانع -أيها الأخوة- من إنهاء ذلك كله خلال هذه الأيام، حتى إذا دخل شهر رمضان فرغت للنهم من كل ما في رمضان من الفضائل، مجاورًا خير الأماكن، وهي المساجد، مبتعدًا عن شرها وهي الأسواق ولغطها ومنكراتها.

اللهم بلغنا رمضان، واجعلنا فيه من المقبولين المرحومين الفائزين، واجعلنا اللهم فيه من الصائمين القائمين الطائعين.

عباد الله ادعو الله وأنتم موقنون بالإجابة.

 

الخطبة الأخرى:

الحمد لله رب كلِّ شيء ومليكه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

أما بعد، فاتقوا الله عباد الله، واعلموا بأن ضيفنا القادم علينا ضيف عظيم مبارك، فينبغي علينا أن نستقبله أعظم الاستقبال، واستقباله اللائق به يكون بتجديد الحياة وتغييرها وتطهيرها، وإنما تجدد الحياة بفتح صفحة جديدة نقية، ولا يكون ذلك إلا بالتوبةِ النصوح، بالرجوع إلى الله تعالى إليه وإلى شرعه المطهر، بإصلاح حياتنا ومجريات حياتنا؛ لتتابع شريعة ربنا – جل وعلا- ومجانبة كل ما يباعدنا عنها؛ {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31].

عباد الله: لقد قال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأولئكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات:11]، قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: “قسَّم العبادَ إلى تائب وظالم، وما ثَمَّ قِسم ثالثٌ اَلْبَتَّةَ، وأوقَعَ اسمَ الظالِم عَلَى مَن لَّمْ يَتُبْ، ولا أظلمَ منهُ لِجهلِهِ بربِّهِ وبِحَقِّهِ وبِعَيبِ نفسِهِ وآفاتِ أعمالِهِ”.

إن علينا -باختصار- أن نجعل حياتنا في رمضان إيمانية بحق، نصلح حياتَنا كلها ونجددها ونصفيها من كل الشوائب، رمضانُ – يا عباد الله- مَصفاةٌ تربويةٌ، لن تجد نفسك أحسن ولا أفضل ولا أقرب إلى الله تعالى منها في رمضان، كل أسباب التقوى مجتمعةٌ فيه، ونفسك مقبلة على الله تبارك وتعالى. وهذا ما عبَّر عنه جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – بقوله: “إذَا صُمْتَ فَلْيَصُمْ سَمْعُك وَبَصَرُكَ وَلِسَانُكَ عَنِ الْكَذِبِ والْمَحَارِمِ، وَدَعْ أذى الْخَادِمِ، وَلْيَكُنْ عَلَيْك وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ يومَ صِيَامِكَ، وَلاَ تَجْعَلْ يومَ فِطْرِك وَصَوْمِكَ سَوَاءً”.

ويحدثنا أبو هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “قال الله: كلُّ عملِ ابنِ آدم له إلا الصيام، فإنه لي، وأنا أجزي به، والصيام جُنَّة، وإذا كان يومُ صومِ أحدِكم فلا يرفُثْ ولا يصخبْ، فإن سابَّه أحدٌ أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم، والذي نفس محمدٍ بيده! لخُلوف فمِ الصائمِ أطيب عند الله من ريح المسك! للصائم فرحتان يفرحُهما: إذا أفطر فرِح، وإذا لقي ربه فرِح بصومه” رواه البخاري 1904.

وروى البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه” رواه البخاري 1903.

 ومراد الحديث أن الله تعالى إنما شرع الصيام لأجل تهذيب النفس، وليس لمجرد ترك الأكل والشرب. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: “رُبَّ قائم حظُّه من قيامه السهَر! ورُبَّ صائم حظه من صيامه الجوع!” [سنن ابن ماجه 1690 وصححه الألباني].

عباد الله: إن ما نحتاجه في تصحيح أحوالنا لنحقق ما أراه الله منا بمشروعية الصيام أمران:

 أولهما: العزيمة الصادقة، {وَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ} [آل عمران:159].

 ثانيهما: عدم المبالاة بالعادات السابقة والمجالسات المثبّطة، وأشدها قطَّاع الطريق، أتدري من هم؟ إنهم أصحاب السوء الذين لا يسرهم قربك من الله، ويسعدون بالقرب من إبليس.

عباد الله: أما الأمر الثاني الذي نستعد به لهذا الشهر الكريم: فهو الاستكثار من النوايا الصالحة، والعزم على فعل الخيرات، مع الحرص أن تكون كما أمر وشرع رب البريات، سبحانه وتعالى.

ومن الاستعداد الحسن لرمضان قبل وفوده: المبادرة بشراء الأطعمة الخاصة به، حتى لا ينشغل بها فيه، مذكرًا باحتساب النفقة فيها، فهي طعام تتقوى به على العبادة، تتسحر عليه وتفطر عليه، يحدثنا سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال له: “إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أُجِرْتَ عليها، حتى ما تضع في في امرأتك” [رواه البخاري 1295].

وعن أبي مسعود البدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “إن المسلم إذا أنفق على أهله نفقة يحتسبها كانت له صدقة” [رواه البخاري 5351].

يقول عبدالله بن المبارك: خَصلتان حُرمهما الناس: الحِسبة في الكسب، والحِسبة في النفقة. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “أفضلُ دينارٍ ينفقُه الرجلُ: دينارٌ ينفقُه على عيالِه، ودينارٌ ينفقُه الرجلُ على دابتِه، في سبيلِ اللهِ، ودينارٌ ينفقُه على أصحابِه في سبيلِ اللهِ”، قال أبو قلابةَ: وبدأ بالعيالِ، ثم قال: أبو قلابةَ: وأي رجلٍ أعظمُ أجرًا من رجلٍ ينفقُ على عيالٍ صغارٍ، يُعِفُّهم، أو ينفعُهم اللهُ به، ويغنيهم .[رواه مسلم 994].

نسأل الله تعالى أن يرزقنا في شهرنا النية الصالحة، نية الصيام احتسابًا لله تعالى؛ لا مجرد عادة وتقليدٍ، نية المحافظة على الفرائض في أوقاتها مع الجماعة، بل المحافظة ما أمكنك على تكبيرة الإحرام، نية المحافظة على قيام رمضان مع المسلمين، والعزم على عدم التفريط فيه ولا ليلة واحدة، نية الحرص على الصدقة في رمضان؛ فهو شهر الصدقات، كما كان النبي – صلى الله عليه وسلم-يفعل.

اللهم إنا نسألك أن تزيدنا من نعمك ، وتهدينا لشكرك ، وأن تهب لنا غنى لا يطغينا، وأكرمنا برحمتك إنك أنت أرحم الراحمين.

 

اللهم من أراد بلادنا وبلاد المسلمين بسوء فأشغله في نفسه، واجعل تدبير تدميرًا عليه، اللهم بارك لنا فيما رزقتنا، اللهم نسألك الجنة ونعوذ بك من النار، اللهم وفَّق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه، وارزقه الصحة والعافية والبطانة الصالحة التي تعينه على الخير وتدله عليه، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين اللهم صل وسلم على خير خلق الله، وحبيبه ومصطفاه، وعبده ورسوله محمد، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.



اترك تعليقاً