ما بعد عيد الفطر

الحمد لله وحده، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين  أما بعد فاتقوا الله عباد الله، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [سورة النساء 4/1].

يا ذا الفضل العظيم، يا رحمن يا رحيم، ها قد طُويت صحيفة رمضان بين العزيمة والتقصير، فاقبلن بمنك وفضلك طاعة المطيعين، واغفر ذنوب المقصرين ، ووفق الجميع إلى اتصال الإحسان ، وحب العبادة أبدا حتى نلقاك وأنت علينا راض غير غضبان.

عيد الفطر المبارك.. تؤذن ليلته بفجر يطوي فجرا ، وبفرحة تغرس ترحا.. فأي مسلم يفرح برحيل شهر الصوم ، وقد وجدت فيه نفسه مشتل أشواقها ، ومسرح آمالها ، ونور بصيرتها ؟

إنه الضيف الذي يحل بالابتسامات والتكبير ، ويرحل بالدموع والتكبير ، فلله كيف واسى عباده بأن جعل أول يوم بعده عيدا ، يشرع فيه الفرح ، وإظهار النعمة ، والحمد والشكر والتكبير على إتمام العدة ، وبلوغ المراد.. والإلحاح على الابتهال في طلب القبول من رب العباد.

العيد شعيرة عظيمة ، يمتثل لها جميع أفراد المجتمع المسلم بلا استثناء. فليس هو فرحا بعرس خاص بأسرة أو بقوم ، وليس هو سرورا بنجاح أفراد ، إنه فرح مشترك بين جميع أفراد المجتمع ، وهنا تكمن قيمته الاجتماعية ، فإنك تهنئ الجميع بلا اختيار أو انتقاء ، وتدعو للجميع بكل حرارة وإخلاص ربما دون أن تعرف صاحبك. وهذا  ما يعمق الأخوة الإيمانية بين المسلمين ، ويشعرهم باشتراكهم في مشاعر واحدة.

العيد يوم الزينة التي لا يراد منها سوى إظهار نعمة الله تعالى عبده، لكن دون خيلاء ولا مباهاة ولا استعلاء على الخلق.

العيد يوم التفسح والتنزه ، والخروج من الدائرة الخاصة إلى دوائر أوسع ، ولكن دون سفور وتحلل واختلاط محظور.

العيد فرحة بانتصار الإرادة الخيرة على الأهواء والشهوات والشياطين ، والرضا بطاعة المولى عز وجل ، وانتظار الوعد الكريم بالفوز بالجنة والنجاة من النار. ولكن دون أن تنسي هذه الفرحة بالنصر في تلك الجولة أن صراع النفس المؤمنة مع أعدائها الثلاثة سيظل مستمرا في جولات لا تكف حتى يموت الإنسان.

العيد فرحة لا يستحقها إلا من أطاع الله ، ذلك الذي يطوي بين ضلوعه نوايا الخير لنفسه ولمجتمعه ولوطنه ولأمته.

العيد عند المسلمين ليس عادة اجتماعية ، يتوارثها الناس أبا عن جد ، بل هو عبادة يجب ألا ننحرف بها إلى آفات العصر ومهاتراته مهما كان وجهها الذي تظهر به.

إن العيد قد جاء لينال أهل الخير جوائزهم من الله ، الذي لا يضيع عمل عامل من ذكر أو أنثى {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102) لا يَحْزُنُهُمْ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمْ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (103)} [سورة الأنبياء]}.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآي والذكر الحكيم ، أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي لكم من كل ذنب فاستغفروه إن هو الغفور الرحيم.


الخطبة الأخرى /

الحمد لله شرح صدور المؤمنين لطاعته ، وأعانهم على ذكره وشكره وحسن عبادته ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين  أما بعد

فاتقوا الله عباد الله ، واعلموا أنه إذا تفاضلت الأيام والشهور ، وتضاعفت في بعض المواسم الأجور ، فما ذلك إلا من أجل تنشيط الهمم من أجل مزيد العمل ، وإيقاظ النفوس من غفلات الدنيا وسهواتها. ولئن ودع المسلمون مواسم الخيرات من رمضان ، فإن المؤمن يعدها محطة تزود فيها لما بعدها، وذاق فيها برد الطاعة التي ربما كان قد هجرها أو قلل منها.

يا من اعتاد الطاعة في شهر رمضان ، وأنس بلذائذ العبادات لا بد أن تقف لنفسك ترفد همتها حتى لا تعود إلى وحشتها أو غفلتها ، {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)} [ الشمس ].

القرآن الذي ختمته ها هو ذا لا يزال بين يديك فلا تهجرنه ، ولعلك الآن قد استأنفت ختمتك الجديدة وبلغت الجزء الرابع منها لتختم القرآن في شهر على الأقل ؛ حتى تنجو من هجران القرآن ؛    { وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (30)} [سورة الفرقان 25/30].

وها هي ذي السبل إلى مكة ميسورة مسهلة ؛ فإن لم تكن قد حججت فاعلم أن عمرتك التي أديتها في رمضان لا تعفيك من حجة الإسلام ، فاعزم هذا العام لتقضي فرضك ، وإن تنفلت حجا أو عمرة فاعلم أن العمرة إلى العمرة كفارة لما بينها إذا اجتنبت الكبائر ، والحج المبرور ليس له جزاء   إلا الجنة.

ولا يزال في البلد فقراء محتاجون ، فلا تنسهم طوال العام ، وإن كنت قد أديت فرض الله عليك من الزكاة غير منقوص ، فنجوت ـ بفضل منه ورحمة ـ من إثم عظيم يقول الله فيه : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنْ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ (35)} [ التوبة ]. وإلم تفعل فبادر ، فإن الزكاة ليست متعلقة برمضان كما قد يفهم بعض المسلمين ؛ بل هي بدوران السنة على مالك الذي بلغ نصابا.

أيها الأخ المبارك.. إن من علامة قبول صيامك أن تتبعه بصيام النفل ، ولعل أقربه إليك صيام ستة أيام من شوال ؛ لحديث : ((من صام رمضان وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر )) رواه مسلم في صحيحه.

ولك أن تصوم طوال السنة أياما فاضلة كالإثنين والخميس ، والأيام البيض ، وصيام داود صوم يوم وإفطار يوم ، ويوم عرفة ، وتسع من ذي الحجة عموما ، وعاشوراء.

وعليك أن تختار يا عبد الله من العبادة ما تطيق ، ولا تزد على ذلك ، فإن خير العمل ما دام وإن قل ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (( عليكم من العمل ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا )).

اللهم يا عزيز يا حكيم أعز الإسلام والمسلمين وانصر إخواننا المجاهدين وارفع البأس والظلم والجوع عن إخواننا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها ، اللهم آمنا في أوطاننا ، وأصلح ولاة أمورنا ، ووفقهم لإصلاح رعاياهم ، اللهم وفقهم لما تحب وترضى ، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى ، وانصر بهم دينك وأمتك ، اللهم ارزقهم البطانة الناصحة ، التي تذكرهم إذا نسوا ، وتعينهم إذا ذكروا.

اللهم بارك لنا فيما أعطيتنا ، وأغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك ، وأغننا برحمتك يا حي ياقيوم ، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين واجعلنا من أهل جنة النعيم برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 



اترك تعليقاً