موسم الاختبارات

 

الخطبة الأولى:

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا… 

أما بعد.. فيا عباد الله أوصيكم ونفسي المقصرة بتقوى الله تعالى وطاعته: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [سورة آل عمران: 102].

أيها المسلمون.. إن لكل عمل ثمرته، ولكل حاصد ما زرع، وها نحن أولاء نقف جميعًا على مشارف الاختبارات، بعد شهورٍ أربعة، جدَّ فيها الموفقون، وغفل فيها المفرّطون، فما الاختبارات في مفهومها الصحيح:

هل كما يفهم كثير من الطلبة والأولياء: غول يتهددهم، وهمٌّ يقضّ مضاجعهم، ومستقبل غامض يقلق نفوسهم، ليس الأمر هكذا، وإن خلناه كذلك.

إن الاختبارات فرصة ثمينة لمراجعة الدروس، ومحطة تتكثف فيها المعلومات، بعد أن وصلت إلى الذهن على فترات متباعدة، وهي مجال فسيح يتنافس فيها طلبة العلم، ويُقَوِّم فيه المسئولون مستوياتهم، ويتعرفون على المجد وغيره، ويترقى به الطالب في درجات الدراسة.

وفي هذه الأيام لا بد أن تتكاتف جميع فئات المجتمع على إيجاد الجو الملائم، لاختبار الطلبة، فما واجب الأولياء وما واجب الطلبة، ثم ما واجب المدرسة خلالها؟

إن على الأولياء أن يهيّئوا جوًّا مريحًا وحيويًا داخل الأسرة، يبعث على النشاط، ويشجّع على الاستذكار، ويُبعد عن جو الكسل والخمول، إن عليهم أن يخفّفوا من مشاغل أولادهم بنين وبنات، ولو فرغوهم لكان أفضل وأكمل، وعليهم أن يبتعدوا عن إثارة المشكلات الاجتماعية، أو تذكير أولادهم بتقصيرهم في أثناء الدراسة، فلا مجال الآن للوم والعتاب، بل المجال مجال تنشيط وتشجيع، وحري بالأولياء أن يلتفوا حول أولادهم، يساعدونهم في المذاكرة إن كانوا متعلمين، أو يهيّئون من يعلّمهم من الأقارب والمعارف ونحوهم، ويحرصون الحرص كله على إزالة الملهيات والمشغلات؛ مهما كانت معتادة قبل الاختبار، من تلفاز أو حاسوب أو كرة أو نحو ذلك، وأن يوقفوا كل برامج التسلية والنزهات والولائم حتى لا يشغلوا الطالب عن تحصيله العلمي.

وتحية لكل أسرة أعلنت حالة استعداد هادئة في منزلها، وأشعرت أولادها بأن الاختبارات إنما هي للجميع وليس لهم فقط، يعني به الكبير والصغير، فما إن يقدم الطالب أو الطالبة من المدرسة إلا والأسرة تنتظره على أحرّ من الجمر، تسأل وتشجّع، ولا تثبّط، فإن كان أداؤه في الاختبار جيدًا، حفزته للعمل على الاستمرار في هذا المستوى، وإن كان ضعيفًا عملت على تشجيعه ونسيان ما مر؛ ليبدأ صفحة جديدة، حتى لا يؤثر على بقية الاختبارات.

وتحية إجلال وإكبار لكل أم سهرت كما يسهر أولادها وتعبت كما يتعبون، حرصت على تغذيتهم الغذاء المتكامل، وتابعت نومهم وصحوهم، فهي تُوقِظُ هذا قبل الفجر بساعة، وتأمر ذلك أن يستريح فتوقظه بعد ساعتين أو ثلاث، وترفعُ كفيها في كل حين تجأر للمولى سبحانه وتعالى أن يوفق أولادها، وتبقى هي سر نجاحهم وتفوقهم.

وأما أنتم أيها الإخوة الطلبة، فواجبكم أن تعملوا على بذل أقصى جهدكم في المذاكرة والتحصيل، والاهتمام بالتفوق لا النجاح فقط، وأن تقدروا الآمال المعلقة عليكم، فإن اليوم يوم تعلم وفهم، وغدًا يوم علم وعطاء، وهذه نصيحة الفاروق -رضي الله عنه- ترن في آذاننا جميعًا، (تفقهوا قبل أن تسودوا)، أي أن التعلم والتفقه يكون قبل السيادة وتحمل المسئوليات، فلتكن مذاكرتكم عبادةً تتقربون بها إلى الله، حين تصح النيات، وتخلص الأعمال، ويتقن الأداء.

وخذوا -وفقكم الله- بأسباب المذاكرة الناجحة، فما كل من قرأ وعى، بل عليكم أن تختاروا المكان الهادئ وتستغلوا الأوقات المناسبة للفهم والاستيعاب، وحاولوا أن تجمعوا بين الفهم والحفظ، فهما قرينان لا يفترقان، فمن حفظ دون فهم نسي، ومن فهم دون حفظ لم يتمكن من التعبير القويم عن معلوماته.

واجتنبوا كل ما يصد عن المذاكرة، ويبعد عن الفهم وليس كالذنوب صارف عن الفهم والحفظ، واسمعوا قول من جرب فصاغ تجربته شعرًا خالدًا فقال:

شكوت إلى وكيع سوءَ حفظ            فأرشدني إلى ترك المعاصي

وأخبرني بأن العلمَ نـــورٌ           ونورُ الله لا يهداهُ عاصي

فربما حُرِمَ الطالبُ فهمَ مسألته بمعصية أتاها.

وإن مما يصدّ عن المذاكرة، ولا سيما في أيام الاختبار: الإسراف في متابعة المباريات الرياضية، والتشجيع الجنوني الذي يستنزف الأوقات والأذهان.

وأما المدرسة فإن من واجبها بذل الخدمات السخية للطلبة في أثناء اختبارهم، واستدعاء طبيب يرعى صحتهم، وإبعاد جو الرهبة والخوف من نفوسهم، فلا داعي للتهديدات، وإثارة الحركات المفزعة، أو رفع الصوت بالشتم والتوبيخ.

وإن من الأخطاء التي تقع في الاختبار في جانب المدرسة: قصد بعض الأساتذة إلى اختيار المواضع الصعبة في الكتاب لاختبار الطلبة، فيتحول الاختبار إلى ألغاز أو تحدٍّ سافر، يضيق به الطالب ذرعًا، فتخرج النتيجة سيئة مخزية، وكذلك في المقابل نجد بعض المدرسين يتساهلون في وضعها، فيستوي المحسن والمسيء، والمجدّ والكسول، وفي هذا ظلمٌ للطالب القوي، وغشّ للطالب الكسول؛ إذ لا بد أن ينجح المستحقّ للنجاح ويرسب المستحق للرسوب، وعلى هذا فلا بد من الاعتدال بتنويع الأسئلة حتى يتنافس الطلبة التنافس الشريف، ويمكن التقويم السليم العادل لجميع الطلبة.

وليتقَ الله مدير المدرسة، فلا يكن حرصه على رفع نسبة النتيجة في مدرسته أحب إليه من الله ورسوله، وهما قد دعواه إلى إتقان العمل، وأداء الأمانة، فليرسب الكسولون، ولينجح المجدون، ولو كانوا عُشرَ المدرسة، وإنما التوفيق بيد الله.

إن إشاعة أسلوب التساهل في التعليم هو الذي جعل الطلبة يتخرجون ضعافًا، يفشلون في الجامعات وفي الأعمال بعد ذلك.

إن مدرسةً تؤهّل طلبتها للدخول في الجامعة وهم لا يجيدون الكتابة والقراءة، بل لا يحفظون من كتاب الله حتى السور القصار، مدرسة تحتاج إلى مراجعة ونظر، واسألوا الجامعات واختبارات القبول فيها تجبكم!!

فهل بلدنا تحتاج إلى أعداد أم إلى طاقات؟ إن الخريجين كثر، وقد ضاقت بهم الوظائف، ولكن أين المتفوقون الذين يدفعون حركة التطور التي تحتاجها بلادنا أمَّنها الله؟ ولتكن الاختبارات مسك الختام الذي يتنافس فيه المتنافسون.

{خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [سورة المطففين: 26].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآي والذكر الحكيم.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمدًا كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

عباد الله.. اتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واعلموا بأن الغشّ إذا كان في المعاملات المالية أو الاجتماعية حرام.. حرام بنص الحديث الشريف الصحيح: ((من غش فليس منا)) [رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 6406]؛ فإنه في العلم أشد حرمة وأعظم.

إن الغشّ في الاختبارات سرقة في وضح النهار لسهر الأذكياء، وتعب المجتهدين، إنه خيانة شرعية، ينجرف فيها ضعفاء النفوس.

فاتقوا الله أحبتي الطلبة، واحرصوا على المذاكرة الجادة لا على اختراع أساليب الغش والخداع، ومن اعتمد على الغشّ، فإنه يخسر اختباره وعلمه، ومن لم يعتمد عليه لم يحتج إليه، ومن جرب عرف.

وأوصيكم ببذل الأسباب، والاعتماد على الله، وبالدعاء وطلب التوفيق ممن يملك ذلك، سبحانه وتعالى.

ومن الخيانة لله وللأمة وللدولة وللمجتمع أن يخبر المدرس بعض الطلبة بأسئلة الاختبار سواء بطريق مباشرة أو غير مباشرة.

ومن الطرق المباشرة أن يكون مدرس المادة هو المدرس الخصوصي للطالب، أو يكون من معارفه، ومن الطرق غير المباشرة أن يحدد المدرس أسئلة قليلة لا تشمل المنهج كله؛ فيقول: سيأتي الاختبار من هذه الأسئلة، أو يجعلها تمرينًا في آخر الفصل؛ فيفهم الطلبة مُراده لأنهم تعودوا منه ذلك.

أين سيذهب ذلك المعلم من قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [سورة النساء: 58] فأين أداء الأمانة؟

والله عز وجل يحذّرك أن تنجرف في تيار الشيطان، وأن تطمع في دنيا زائلة فتخون الله، وتخون أمانتك. وكن مع الذين آمنوا، {وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} [سورة المؤمنون: 8].

وإن مما يسوء المسلمَ المخلصَ أن يجد بعض المعلمين يتهاونون في المراقبة، فيسهّلون الغش للطلبة إن لم يقوموا بذلك، وإنها لثلمة في جبين التعليم، ويا ضياع المروءة، حين يغش الطالب أمام المعلم، وهو المؤتمن، إنها سخرية بشخصه، وإهدار لقيمته، وإلا فما فائدة وقوفه أمامهم؟!

عباد الله..  حري بالمؤمن أن يجعل له في كل شيء موعظةً وزاجرًا، فهل نجد في الاختبار الدنيوي ما يذكّرنا باختبار أعظم وأهم، إنه اختبار الآخرة، اللهم ثبتنا يوم الاختبار الأعظم يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

 اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وانصر عبادك المجاهدين، ووفق أولياء أمورنا لكل خير وبر ينفعون بهما العباد والبلاد، وأعزهم بخدمة دينك، وأكرمهم بنصرة شريعتك، اللهم وفق من جد واجتهد في هذه الاختبارات من أبناء المسلمين وبناتهم للنجاح والتوفيق، اللهم ذكرهم ما ينسون، وعلمهم ما يجهلون، ربنا اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

 

اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.



اترك تعليقاً