أنفلونزا الخنازير

الخطبة الأولى:

لك الحمد يا ربنا كما تحب وترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله في سركم وجهركم، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 71].

قضى الله تعالى في هذه الحياة الدنيا ألا تكون صافية من الأكدار، فهي منغّصة بالابتلاءات، مكدّرة بالنقائص، قال الله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155].

ولا شك أن من هذه الابتلاءات ما يكون سبَبه ابنُ آدمَ ذاتُه، قال سبحانه: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41].

ونحن نعلم جميعًا ما حلَّ في الفترة الأخيرة من وباء أنفلونزا الخنازير، أعز الله السامعين، وأكرم ملائكته، وأجار الرحمن الرحيم المسلمين من شره.

ومنذ انطلاقة المرض في إحدى الدول الغربية، والعالم كله خائف يترقب، بعد أن أكدت منظمة الصحة العالمية بأنه لا بد أن ينتشر، وأنه لا بد من ضحايا بشرية، فأعدت الدول عُدتها بإصدار الأنظمة والقرارات التي تخفّف من فرص انتشار الفيروس، وتكبح جماحه، وتقلل من عدد الإصابات، ونهضت المنظمات الطبية بمهمة محاولة إنقاذ البشرية من تداعيات الأزمة، وبقي علينا -نحن الأفراد- ما يتصل بنا من وسائل نتوقى بها من هذا الداء.

وقد تدفقت نصائح الأطباء عبر وسائط الإعلام المختلفة لتجنُّب الإصابة والعدوى بقدر المستطاع، وهي من صميم التوجيهات الإسلامية، مثل المحافظة على النظافة الشخصية، بغسل الأيدي، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يغسل يديه قبل الأكل وبعده، وقبل الوضوء، وقبل الغُسل. وتغطية الوجه عند العطاس كما روى أبو هريرة رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا عطس غطى وجهه بيده أو بثوبه، وغضَّ بها صوته» رواه الترمذي وصححه. وهذا يعني استحباب وضع منديل ونحوه مما يمنع انتقال الرذاذ إلى الآخرين.

إن المسئولية في الحدّ من انتشار أو انتقال المرض أو حتى حمل الفيروس مسئولية فردية، يستطيع أن يقوم بها كل منا، وأهل الصلاة أكثر من غيرهم عملاً بذلك، فمن يتوضأ خمس مرات في اليوم أو أكثر فإنه يقوم بوقاية خاصة ومتكررة من هذا المرض الشرس، فهو ينظّف يديه ووجهه وأسنانه وأنفه؛ من خلال المضمضة والاستنشاق واستخدام السواك، ويهتم -في طهارته- بنظافة الملابس والصلاة، كما أن النظافة ثقافة داخلية تظهر على الخارج، فكلما كان الشخص واعيًا كانت نظافته سمةً من سمات شخصيته.

وبالنسبة لموسم الحج قال الفقهاء كلمتهم: «إن رأي الفقيه في هذه القضية ينبني على رأي الطبيب. ولذلك سألنا منظمة الصحة العالمية، فأجابوا: بأن رفع درجة التحذير من وباء أنفلونزا الخنازير إلى الدرجة السادسة تم طبقًا للانتشار الجغرافي، ولا علاقة له بدرجة الخطورة، ومن ثَم لا حاجة لتأجيل موسم الحج أو العمرة، مع وجوب أخذ الحيطة والحذر، بالبعد -ما أمكن- عن التجمعات والازدحام، ولبس الكمامات الواقية». [د.يوسف القرضاوي].

وفي بيان المجلس الأوروبي للإفتاء قال العلماء: «إنه لم يحدث من قبل أن أوبئة الأنفلونزا الموسمية قد دفعت إلى منع أو تحديد الحج أو العمرة. ونصحنا بتأجيل أداء المناسك للمسنين والمصابين بأمراض موهنة، أو المتعاطين لأدوية تخفف المناعة، وكذلك الذين سبق لهم الحج والعمرة من قبل، ومنهم من حج مرات ومرات». وقد أخذت بذلك الحكومات فمنعت كبار السن والحوامل والأطفال الرُّضّع؛ وقايةً لهم من الإصابة بالمرض.

إن الإسلام يحرص على الوقاية حرصه على العلاج، ففي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن لجسدك عليك حقًّا». وقال -فيما رواه أحمد وصححه الألباني- قال: «فِرَّ من المجذوم فرارك من الأسد». فلا مانع شرعًا من ارتداء الأقنعة الواقية. فإذا كانت هذه الأقنعة تساهم في الوقاية من المرض فهي مطلوبة من الحجاج والمعتمرين، طلب وجوب أو استحباب؛ وقايةً لأنفسهم، ولإخوانهم من المسلمين، وإن كانت منظمة الصحة قالت: «إنه لا داعي لوضع هذه الكمامة ما لم يكن الإنسان مريضًا، أو حين يزور مريضًا، ثم يتخلص منها بعد الزيارة».

وأشير إلى أن علاج حالات أنفلونزا الخنازير سهل بإذن الله تعالى، إذا بدأ العلاج مبكرًا.. وكلما كان العلاج مبكرًا كلما كان احتمال الشفاء أكثر بنسبة 98% بإذن الله تعالى. 

كما أؤكد على أن المصل الواقي بإذن الله تعالى، والذي سوف يُفعَّل داخل المملكة العربية السعودية قريبًا، ليس بالصورة التي خرجت على شاشات الشبكة العنكبوتية، فهو مدروس بعناية، وترك التعامل معه يعرض أولادنا للخطر، وحينها لن نعذر أنفسنا لو وقع المكروه لا قدر الله. ففي صحيح مسلم أن الحبيب صلى الله عليه وسلم قال: «لكل داء دواء؛ فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله عز وجل».

عباد الله توبوا إلى الله واستغفروه.

الخطبة الثانية:

الحمد لله كثير النعم، دافع النقم، مجيب دعوة المضطرين، لا إله إلا هو ولا رب سواه، وأصلي وأسلم على نبينا وقدوتنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

لقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيفية مواجهه الأوبئة والأمراض، فـ«الطهور شطر الإيمان» والحديث رواه مسلم وغيره، وهذا أهم تدابير الوقاية من هذا المرض. وفي حالة انتشار المرض أو ظهوره في مدينة ما أو مكان ما، يجب على أفراد هذا المكان عدم مغادرته، حتى لا يكونوا سببًا في انتشاره، ومنه نعلم شرعية الحجر الصحي على المرضى حتى يشفوا بإذن الله تعالى.

والإيمان بقدر الله تعالى يخفّف من وقع سماع انتشار الداء، فالمؤمن يعرف أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، كما أنه يكفُّ عن تناقل الإشاعات المخوفة والمرعبة دون اعتماد على الحقيقة العلمية. حتى لا يصيب غيره بالوهن والضعف، فيكون جاهزًا لسلطة المرض وسرعة الإصابة به، مع العلم بأن فيروس مرض أنفلونزا الخنازير ضعيف جدًّا جدًّا، فإن قليلاً من الماء النظيف أو الصابون العادي أو المطهرات أو العطور قادرة على القضاء عليه بإذن الله تعالى.

وينبغي تجنب أماكن الازدحام وأماكن المخلفات أو القاذورات، وتجنب التعرض لسعال شخص مريض في مكان عام أو عطاسه أو مصافحته، والسفرَ من أو إلى مكان ظهر فيه هذا المرض بصفة وبائية.

– خذ كفايتك من فيتامين (د) وبصورة طبيعية، وكما نعلم فإن أهم وأكبر مصدر لفيتامين (د) هي الشمس. إن التعرض لأشعة الشمس واستنشاق الهواء الطبيعي والاقتراب من الطبيعة عمومًا كفيل بتحفيز خلايا جسدك لمحاربة الأمراض.

– تجنب كثرة السكر، والأطعمة المعلبة. فالسكر يضعف وظائف جهازك المناعي بسرعة كبيرة.

– خذ قسطًا كافيًا من الراحة والاسترخاء. فإذا كان جسدك مرهقًا بالكامل سيكون من الصعب عليه مكافحة الأنفلونزا.

– عليك بالحركة وبعض التمارين الخفيفة. فعندما تتحرك تزيد من حركة الدورة الدموية، وتدفق الدم في كامل جسدك مما يعطي جهاز المناعة الفرصة أكثر لاكتشاف المرض ومحاربته قبل أن ينتشر.

– تجنب المواد الحيوانية عندما لا تكون متأكدًا من نظافتها وسلامتها.

– تجنب زيارة المستشفيات إلا في حالة الطوارئ والضرورة، ولا تتعامل مع أية إبر أو لقاحات إلا بإذن طبيبك.

إن هذا المرض الذي قد يدهم أي شخص، ولكن ليس معناه أن الموت قد وافاه، فإن عدد المتوفين بسببه قليل جدًّا نسبة إلى عدد المتعافين، ولله الحمد والمنة.

والموت قريب من كل منا دون مرض، فهل ننتظر إلى أن نوعظ بمرض لا قدر الله؟!

أخي المسلم.. أطال الله عمرك على طاعة وصحة وعافية، استعدَّ – دائمًا- لاخترام المنية بروح طيبة محبة للقاء الله تعالى، فإنه لا بد من ذلك اليوم، رُدَّ الحقوق لأهلها، وأعط حقَّ الله في أموالك من الزكاة، وتبْ إلى الله ليل نهار، بعد كل خطيئة، وقبل كل عمل ترجوه عند ربك، أحسِنْ لأرحامك وجيرانك والناس أجمعين، واستعد ليومٍ تلقى الله تعالى فيه، وكن صادقًا وفيًّا في عملك الذي تأكل منه رزقك، {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان: 34].

وختامًا تيقنوا من أنه { لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}.

اللهم أعز دينك، وأعل كلمتك، وأبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويهدى فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، اللهم اجعل خير أعمارنا أواخرها، وخير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك فيه، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم حرِّر المسجد الأقصى من براثن اليهود، وارزقنا فيه صلاة مباركة قبل الممات، اللهم من أراد هذا المسجد ومقدسات المسلمين وبلادهم بسوء فأشغله في نفسه، واجعل تدبيره تدميرًا له، واجعل عاقبة أمره الخسران والبوار، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم من فجع المسلمين في ذراريهم وشيوخهم وديارهم فافجعه في نفسه وأهله ودياره، اللهم أرنا في اليهود وأعوانهم يومًا أسود، مزّق شملهم، وأضعف قوتهم، وبدّد جنودهم، احصهم -يا ربنا- عددًا، واقتلهم بددًا، ولا تغادر منهم أحدًا، واجعلهم غنيمة للإسلام والمسلمين.

اللهم ردنا إليك، واجعل توكلنا عليك، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين.

اللهم وفق ولي أمرنا إلى ما تحبه وترضاه، وارزقه البطانة الصالحة الناصحة، التي تعينه على الخير، وتدله عليه، وسائر أولياء أمور المسلمين، اللهم ردّ عنا وعن إخواننا المسلمين الزلازل والمحن، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين، برحمتك يا أرحم الراحمين.



اترك تعليقاً