إلى نحن ذاهبون؟

الخطبة الأولى
الحمد لله مكورِ الليلِ على النهار، ومكورِ النهارِ على الليل، وأشهدُ ألا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُ الله ورسوله، وصفيُّه من خلقِه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا أما بعد
فيا عباد الله أوصيكم ونفسي المقصرةَ بتقوى الله وطاعته، يقول الله جل في علاه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70- 71].

بينما الحبيبُ المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ جالسٌ في المسجدِ والناسُ معه، إِذْ أقبلَ ثلاثةُ نَفَرٍ، فأقبل اثنانِ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وذهبَ واحدٌ، قال: فوقفا على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فأمَّا أحدُهما: فرأى فُرجةً في الحَلْقَةِ فجلَسَ فيها، وأمَّا الآخرُ: فجلَسَ خلفَهم، وأمَّا الثالثُ فأدبَرَ ذَاهبًا، فلما فرغَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: ألا أخبرُكم عن النَّفرِ الثلاثةِ؟ أمَّا أحدُهم فأوى إلى اللهِ فآواه اللهُ، وأمَّا الآخرُ فاستحْيَا فاستحيَا اللهُ منه، وأمَّا الآخرُ فأعرضَ فأعرضَ اللهُ عنه “[رواه البخاري].

هذا الحديث العظيم يصنف الناس ثلاثة أصناف في إقبالهم على الذكر والعلم والخير، ولكل منَّا أن يتلمس نفسه من أيِّهم هو؟! ويعدِّلُ المسار إلى ما هو خيرٌ له.

فأما الأول فهو المقبل المقدم الحريص، الذي لا يكتفي بحضور دروس العلم والذكر فقط، بل يلتمس القرب من المتحدث التماسًا، فيبحثُ عن الفُرَج، ويلقي بسمعه وقلبِه يرجو الثوابَ من الله تعالى، فذلك الذي أَوَى فآواه الله تعالى.

وأما الثاني فهو ذاك الذي يحضرُ على استحياء، فيُحرَمُ من فضلِ القُرب، وقد يقلُّ تلقيه للعلم، والعلمُ لا ينالُه مستكبرٌ ولا مستحيٍ، بل كان مما يُعَدُّ من الفضائلِ العظيمةِ التي تُذكرُ لطالبِ العلم، ما كان يوصي به لقمانُ الحكيمُ ابنَه: “يا بُني زاحمِ العلماءَ برُكْبتَيْك وأنصتْ إليهم بأُذنَيك فإِنّ القلبَ يَحيا بنُورِ العُلماء كما تحيا الأرضُ المَيتةُ بمطرِ السَّماء”.

وأما الثالثُ، فهو ذاك الذي يُعرضُ عن دروسِ العلمِ والذكرِ دونَ عُذْرٍ، فيُعرضُ اللهُ تعالى عنه، ويحرمُه من فضلِه وعلمِه وإكرامِه.

أقول ُهذا وأنا أرى ظاهرةً غيرَ حسنةٍ تتسعُ يومًا بعد يوم، وهي كثرةُ (السُّرعان) بعد انقضاءِ الصلوات الخمسِ المفروضة، فما إن يُسلِّمَ الإمامُ التسليمةَ الثانية، ويلتفتَ إلى المصلين، إلا يكاد نصفُهم أو أكثرُ نهضوا مسرعين نحو الباب!!

فيا ليت شعري!! أيَّ أمرٍ يبتغون خيرًا مما همْ فيه من الخير الذي ينسكبُ عليهم من عَنانِ السماء وهم في المسجد! وكيف يقول الإمامُ: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم”، ويتولى أحدُهم عنه إلى غير حاجةٍ ملحة، أم هي عادةٌ اعتادها ألا يبقى ثانيةً واحدةً بعد السلام، فهل تعلقت قلوبُنا بغير ذكر الله تعالى فهي في ضيق وشعور بالملل إذا كانت بين يدي المولى عز وجل، فتريد الانطلاق إلى دنيا هي والله أمُّ الكدر والضيق!! هل نفعل ذلك مع أجهزتنا المحمولة؟ وهي تنبئنا كل أسبوع بأننا نقضي معها ثلث يومنا أو أكثر!!

نعم، هناك المشغول، ولكن أكلَّ يومٍ يكون هذا الشغل؟ وهناك المستعجل إلى حاجة، ولكن أكلَّ فريضة هناك حاجة لا تقبل التأجيل؟ وإذا افترضنا وجود ما يدعو للخروج الفوري بعد الصلاة عند بعضهم، فماذا عن البقية؟

عُلقت الأذكار بعد الصلاة ونُصبت في كل مسجد أمام أنظار المصلين، وتُوِّجت بالأجر الذي ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل الهاربون من هذه الدقائق المعدودة التي قد لا تتجاوز دقيقتين أو ثلاثا في غنى عن هذا الثواب العظيم الذي يصل إلى مغفرة الذنوب جميعًا ولو كانت مثلَ زبد البحر؟! روى أبو هريرة رضي الله عنه عن رسولنا صلى الله عليه وسلم قوله: “مَن سَبَّحَ اللَّهَ في دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ ثَلاثًا وثَلاثِينَ، وحَمِدَ اللَّهَ ثَلاثًا وثَلاثِينَ، وكَبَّرَ اللَّهَ ثَلاثًا وثَلاثِينَ، فَتْلِكَ تِسْعَةٌ وتِسْعُونَ، وقالَ: تَمامَ المِئَةِ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له المُلْكُ وله الحَمْدُ وهو علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ غُفِرَتْ خَطاياهُ وإنْ كانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ” [أخرجه مسلم في صحيحه].

إلى أين نحن راكضون؟ إلى أين؟

يقول الشيخ التقي الراحل ـ كما نحسبه والله حسيبه ـ عبد العزيز ابن باز -رحمه الله تعالى-: “الجلوسُ بعد السلام من الصلاة المكتوبة من أعظم الأوقات التي تتنزل فيها رحمةُ الله – عز وجل -، [ثم يلح إلحاح المشفق على السائل] لا تستعجلْ بالقيام؛ استغفر، وقل سبحان الله..”.

بل يرى ـ رحمه الله ـ بأن الأولى ألا ينصرفَ المأموم، أي ألا يقوم من مكانه قبل أن يلتفتَ الإمامُ إلى المصلين.

وقال ابن بطال -رحمه الله-: “من كان كثيرَ الذنوب وأراد أن يحطَّها عنه بغير تعب فليهتم بملازمة مكانِ مصلاهُ بعد الصلاة؛ ليستكثرَ من دعاءِ الملائكةِ واستغفارِهم، فهو مرجوٌّ إجابتُه لقوله تعالى: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى}.

{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [النور: 36ـ 38].

أيها المؤمنون .. لقد جفت الأرواح، وقست القلوب، وقل الوعظ، فهلا عُدْنا إلى الله قبل أن تتكسرَ أعواد قُوانا، وتضعفَ عن العبادة جوارحُنا؟!

استمع إلى نصيحة أبي الدرداء صاحبِ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: “لتَكُنِ المساجدُ بيتَك فإنِّي سمعتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ: “إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ ضمِنَ لمن كانتِ المساجدُ بيتَه الأمنَ والجوازَ على الصِّراطِ يومَ القيامةِ” حديث حسن الإسناد.

وهنيئا لمن وفق لمثل هذا الفضل: ” مَن صلى الفجرَ في جماعةٍ ، ثم قَعَد يَذْكُرُ اللهَ حتى تَطْلُعَ الشمسُ ، ثم صلى ركعتينِ ، كانت له كأجرِ حَجَّةٍ وعُمْرَةٍ تامَّةٍ ، تامَّةٍ ، تامَّةٍ”. [رواه الترمذي وغيره، وصححه الألباني]. يفعل ذلك دون أن يهمل واجبَه في إيقاظ أهلِه وولدِه للصلاة، لأنها أولى من مُكثِه في المسجد، يقول الله تعالى: { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ۗ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ (132)} [طه].

فالمكث في المسجد أفضل لا سيما في طرفي النهار من غير تفريط في الحقوق والواجبات، ومن الواجبات الكسب للنفقة على من تلزمه النفقة عليهم، ولذلك قال ابن حزم رحمه الله تعالى: “ويستحب ملازمةُ المسجد لمن هو في غنىً عن الكسب”، ويزدادُ الأجر بفعل النوافل في البيت بعد العودة إليه من المسجد، إن كان وقتها باقيًا، أو قبلَ مغادرتِه إلى المسجد.

وليس المقصود البقاءَ في المسجد فقط، بل الانشغالَ فيه بالذكر والعلم والصلاة وتلاوة القرآن الكريم، وليس باللعب واللهو بجهاز فيه يده ونحوه، أو حتى باللغوِ أو بالسكوتِ وإضاعةِ فرصِ الأجر الوافرةِ في بيت الله تعالى.

ومثلُ ذلك انتظارِ الصلاة، فقد أَخَّرَ النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليلةً صلاةَ العِشاءِ إلى شَطْرِ الليلِ، ثمّ أقبلَ بوجْهِهِ بعد ما صلَّى، فقال: “صلَّى الناسُ ورَقَدوا، ولمْ تَزالوا في صلاةٍ منذُ انتظرتُموها”. [رواه البخاري].

فقد يأتي المأمومُ إلى المسجدِ مُبكرًا، ويرى وقتَ الصلاة بعيدًا عما توقعَه، فبدلًا من أن يتذمرَ ويضيعَ وقتُه في انتظارٍ هامد، عليه أن يستثمرَ هذه الفرصةَ الثمينة، فيقبلَ على كتابِ اللهِ تعالى يتلو جزءًا من القرآن الكريم، أو يسبحَ اللهَ مئةَ مرة: سبحان الله وبحمده، أو يقول أستغفر الله وأتوب إليه مئة مرة، أو: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملكُ وله الحمد وهو على كل شيء قدير” مئة مرة، فكل ذلك ورد، بل ورد عليه الثواب الجزيل العظيم.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: “أَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهَ بِهِ الخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟» قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ الله، قَالَ: إسْبَاغُ الوُضُوءِ عَلَى المكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الخُطَا إلَى المسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ” أخرجه مسلم.

وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “وصلاة في أَثَرِ صلاةٍ، لا لغوٌ بينهما، كتابٌ في عِليِّين”. [رواه أبو داود، صحيح لغيره].

اللهم اكتبنا جميعا ووالدينا ووالديهم في عليين، توبوا إلى الله واستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الأخرى

اللهم لك الحمد على نعمائك، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد فاتقوا الله وأطيعوه.

في الحديث الصحيح: “أتاني اللَّيلةَ ربِّي تبارَكَ وتعالى في أحسَنِ صورةٍ، قالَ أحسبُهُ قال في المَنامِ فقالَ: يا محمَّدُ هل تدري فيمَ يختصمُ الملأُ الأعلى؟ قالَ: قلتُ: لا، قالَ: فوَضعَ يدَهُ بينَ كتفيَّ حتَّى وجَدتُ بَردَها بينَ ثدييَّ أو قالَ: في نحري، فعَلِمْتُ ما في السَّماواتِ وما في الأرضِ، قالَ: يا مُحمَّدُ، هل تدري فيمَ يختصمُ الملأُ الأعلى؟ قلتُ: نعَم، في الكفَّاراتِ، والكفَّاراتُ المُكْثُ في المسجدِ بعدَ الصَّلاةِ، والمَشيُ على الأقدامِ إلى الجماعاتِ، وإسباغُ الوضوءِ في المَكارِهِ، ومن فَعلَ ذلِكَ عاشَ بخيرٍ وماتَ بخيرٍ، وَكانَ مِن خطيئتِهِ كيومِ ولدتهُ أمُّهُ، وقالَ: يا محمَّدُ، إذا صلَّيتَ فقل: اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ فِعلَ الخيراتِ، وتركَ المنكراتِ، وحُبَّ المساكينِ، وإذا أردتَ بعبادِكَ فتنةً فاقبِضني إليكَ غيرَ مَفتونٍ” [رواه الترمذي وصححه الألباني] .

إن انتظارَ الصلاةِ في المسجد عبادةٌ عظيمةٌ، وقد يشمل انتظارَها حتى خارجَ المسجد، إذ يَحتملُ المعنى ـ كما ذكر الشيخ محمدُ ابنُ عثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ: “أن يكون قلبُه مُعلَّقًا بالصلاة، إذا أدى صلاةً ينتظرُ الصلاةَ الأخرى، فيكونُ دائمًا قلبُه معلقًا بالصلاة”.

عباد الله، ألا وإن من أعظم البقاعِ عند الله مساجدَها، “فالْمَسَاجِدُ بُيُوتُ اللهِ فِي الْأَرْضِ تُضِيءُ لِأَهْلِهَا كَمَا تُضِيءُ نُجُومُ السَّمَاءِ لِأَهْلِ الأَرْضِ”، كما رُويَ موقوفًا على ابن عباس، وهي أحبُّ البلاد إلى الله، قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ “أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ مَسَاجِدُهَا” [رواه مسلمٌ]. فهي بيوتُ الطاعةِ وأساسُ التقوى ومحلُ تنزُّلات الرحمات، ولذلك يفرحُ اللهُ بالرجلِ يمكثُ في المسجدِ للصلاة والذكر؛ قَالَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ” مـَا تَوَطَّنَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ الْمَسَاجِدَ لِلصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ إِلَّا تَبَشْبَشَ اللَّهُ لَهُ كَمَا يَتَبَشْبَشُ أَهْلُ الْغَائِبِ بِغَائِبِهِمْ إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِمْ” [رواه ابن ماجه وصححه الألباني].

وأثمنُ المجالسِ وأعظمُها وأجلُها مجلسٌ يجلسه العبدُ ينتظرُ فيه الصلاةَ المكتوبة، قَالَ رَسُولُ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ : “لا يَزَالُ العَبْدُ فِي صَلاةٍ مَا كَانَ فِي مُصَلاهُ يَنْتَظِرُ الصَّلاةَ، وَتَقُولُ المَلائِكَةُ، اللَّهمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهمَّ ارْحَمْهُ حَتَّى يَنْصَرِفَ أَوْ يُحْدِثَ” [متفق عليه].

يا ابنَ آدم .. انظرْ كيفَ سخَّرَ اللهُ لك ملائكتَه إذا أقبلتَ عليه، واخترتَ جوارَه من دون الناس، وخلوتَ بذكره، فما أكثرَ تفريطَنا وتقاعسَنا وتسويفَنا وانشغالَنا وتشاغلَنا وتعلَّلَنا بالأعذار!!

عندما نسمعُ الأذان نتذكرُ الأشغال، وتزدحمُ الأفكار، وربما آثرتِ العيونُ والأجساد النومَ على ما هو خيرٌ من النوم.

وعندما تطرأ مصالحُ الدنيا نطيرُ إليها من فُرُشِنا ومجالسِنا وبيوتِنا، بل حتى من بلادِنا، فنركبُ البرَّ والبحرَ والجوَّ، ونواصلُ الليل بالنهار!!

قال ابنُ رجب -رحمه الله-: “الجلوسُ في المساجد بعد الصلوات” هو جلوسٌ للذكرِ والقراءةِ وسماعِ العلمِ وتعليمِه”.

قال رَسُولَ اللّهِ -صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- “مَنْ قَالَ فِي دُبُرِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَهُوَ ثَانٍ رِجْلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلّمَ: لَا إلَهَ إلَا اللّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ عَشْرَ مَرّاتٍ؛ كُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَمُحِيَ عَنْهُ عَشْرُ سَيّئَاتٍ، وَرُفِعَ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ، وَكَانَ يَوْمَهُ ذَلِكَ كُلّهُ فِي حِرْزٍ مِنْ كُلّ مَكْرُوهٍ، وَحُرِسَ مِنْ الشّيْطَانِ وَلَمْ يَنْبَغِ لِذَنْبٍ أَنْ يُدْرِكَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ إلّا الشّرْكَ بِاَللّهِ” قَالَ التّرْمِذِيّ : [حَسَنٌ صَحِيحٌ، وقال الألباني: حسن لغيره].

أيها الإخوة المؤمنون: ومن أثمنِ المجالسِ وأعظمِها مجالسُ الذكرِ والدروسِ العلمية والوعظيةِ وتعليمِ القرآنِ الكريمِ في المساجد، وفيها قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: “وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ” [رواه مسلم].

وجاء في البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إِنَّ لِلَّهِ مَلاَئِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ، فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا: هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ ” قَالَ: «فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا» إلى آخر الحديث.

وفي الحديث الصحيح: “ما اجتمع قومٌ، على ذِكرٍ فتفرَّقوا عنه إلا قيل لهم: قوموا مَغفورًا لكم”.

فاللهم اجعلنا ممن يُقالُ لهم ذلك، واهدِنا لذكرك في كلِّ وقتٍ وحين، وحَبِّبْ إلينا الـمُكثَ في المسجد، وأعنَّا على ذكرِكَ وشكرِكَ وحُسْنِ عبادتِك، وثبتْنا على ما تُحبُّ وترضى.

اللهم انصر إخواننا المجاهدين في الحد الجنوبي وفي كل ثغورنا على أعدائهم، اللهم أيدهم بجندك، اللهم ارم عنهم اللهم، اللهم ارم عنهم، اللهم بارك لهم في الزاد والعتاد، وتقبل شهداءهم، وداو جرحاهم، يا ناصر المؤمنين، ويا معز الطائعين، وهازم المجرمين.

اللهم ارفع البأس والظلم والجوع عن إخواننا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها.

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح ولاة أمورنا، ووفقهم لإصلاح رعاياهم، اللهم أيد بالحق إمامنا خادم الحرمين الشريفين ووليَّ عهده وأعوانهم، وانصر بهم دينك وأمتك.

اللهم فك أسر المأسورين، واقض الدين عن المدينين، واهد ضال المسلمين، اللهم بارك لنا فيما أعطيتنا، وأغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك، وأغننا برحمتك يا حي يا قيوم، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين واجعلنا من أهل جنة النعيم برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله الطاهرين، وصحبه أجمعين، وعنا معهم برحمتك وفضلك ومنك يا أكرم الأكرمين.