التدخين

التدخين

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فيا عباد الله أوصيكم ونفسي المقصرة بتقوى الله وطاعته، امتثالاً لأمر الله -جل وعلا- في محكم التنزيل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 1.2].

أيها الأحبة في الله:كشفت تقارير منظمة الصحة العالمية عام 2013م إلى أن هناك ستة ملايين مدخن في بلادنا، ومن المتوقع أن يصل عددهم إلى عشرة ملايين مدخن عام 2020م، وأن المملكة تمثل المرتبة الرابعة عالميًّا بسبب استهلاك ما يزيد على اثني عشر بليون ريال كل عام على السجائر. ولقد أظهرت دراسة حديثة أن التدخين ينتشر في أربعين في المائة من المجتمع الرجالي، وعشرة في المائة من المجتمع النسائي، وخمس عشرة بالمائة من مجتمع المراهقين.

وماذا عن الخسائر، أما الخسارة الأولى، فهي أن المدخن يمارس عملاً محرمًا بشكل يومي، يضخ السيئات في سجله، ويثقله، ويحرق جزءًا من دخله ودخل أسرته بصفة مرفوضة طبًّا وشرعًا وقبولاً اجتماعيًّا، حتى بلغت تكلفة استيراد التبغ في المملكة سنويًّا ثمانية مليارات ريال، بل أشارت عدد من الدراسات أن الإنفاق في السعودية على التدخين تجاوز حوالي 45 مليون ريال يوميًّا، ولا شك أن ذلك ليس إسرافًا فقط، بل هو تبذير للمال في غير وجهه، بل في وجه يضر بصاحبه وأهله، ومجتمعه، يقول الله تعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً} [سورة الإسراء: 26- 27].

ويعرّض المدخنون غيرهم لمضارّ التدخين بنسبة واحد وثلاثين في المائة في صفوف الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين الثالثة عشرة والخامسة عشرة من ربيع حياتهم من الجنسين؛ حيث يعيشون في بيت فيه مدخنون. وأربعون في المائة (من الجنسين) يتعرضون للتدخين القسري خارج المنزل.

وفي اتجاه آخر.. ذكرت إحصائية سعودية حديثة أن عدد المصابين بالسرطان في المملكة نتيجة للتدخين قد تجاوز عشرة آلاف مريض، وأن ثمانين في المائة من المصابين بسرطان الرئة هم من المدخنين، وثمانين في المائة من المصابين بسرطان الحنجرة هم كذلك من المدخنين.

وترى منظمة الصحة أنه بالإمكان الوقاية من نحو 40% من حالات السرطان، من خلال توفير بيئة صحية خالية من التدخين للأطفال، وأن يكون الشخص نشيطًا حركيًّا، ويأكل طعامًا متوازنًا صحيًّا يحتوي على سعرات حرارية منخفضة، وتجنب السمنة بدءًا من مرحلة الطفولة مع تجنب التعرض المباشر لأشعة الشمس.

 يقول الله -جل ذكره-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} [سورة النساء: 29].

ولا شك أن من يبع الدخان على الناس إنما يأكل أموالهم بالباطل، ويشوب تجارته بمحرم، ويسعى في تدمير صحتهم وعافيتهم، وأنه يأكل سُحتًا، ويخشى عليه من الوعيد الذي رواه جَابِر –رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نبَتَ منَ السُّحْتِ، وكلُّ لحمٍ نبَتَ منَ السُّحْتِ كَانَتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِ» (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارِمِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ).

ومن الواجب على الذين يتعاملون مع تلك المحلات التجارية أن يناصحوهم، وإلا فليشتروا من المحلات التي لا تبيع الدخان، حتى يقلعوا عن توفيره للناشئة بل والأطفال، فيضروا بمستقبلهم كله.

إن التدخين ليس مضرًّا بالميزانية الخاصة بالفرد وحده، بل هي مضرة أيضًا بالدخل العام للدولة، فالأموال التي تُحرق في التدخين يمكن أن تُستثمر في تنمية البلاد، وما يُنفق على مرضى التدخين سنويًّا، يمكن أن يُنفق على مرضى الكُلى والقلب والسكري، وغيرها من الأسقام التي لا دخل للإنسان في حدوثها غالبًا.

التدخين أشد خطرًا على صحة الإنسان من أمراض السل والجذام والطاعون والجدري مجتمعة، وما تنتجه شركاتُ التبغ من السجائر يوميًّا يكفي لإبادة الجنس البشري كله لو أخذت كميةُ النيكوتين التي تحويها بالوريد أو عن طريق الفم، ولأن القوم قد تنبهوا لخطر التدخين؛ فإن مبيعات التدخين تتناقص في أوربا وأمريكا، وتتزايد فى العالم العربي والإسلامي، وإذا كنا نحمد الله تعالى على أن خطر الإيدز في المجتمعات المسلمة أقل من غيرها من المجتمعات البشرية، فإن من المتوقع أن يزيد عدد وفيات التدخين عن عدد وفيات مرضى الإيدز خلال ثلاثين عامًا، لا قدر الله.

الأخطارُ المتعددة لظاهرة التدخين، والتي تكشف عنها البحوث والدراسات العلمية كل يوم، جعلت العالم يتيقظ لخطورة هذه الظاهرة، وما يترتب عليها من خسائرَ جسيمةٍ في الأرواح والأموال واقتصاد الشعوب، وتعالت أصواتُ العقلاء في العالم مطالبةً بضرورة التصدي للتدخين ومكافحته بكل السبل والوسائل الممكنة، وبدأت الهيئات والمنظمات الدولية المهتمة بالصحة والاقتصاد تصدر تحذيراتها المتكررة لخطورة التدخين، وضرورة الإقلاع عنه ومكافحته، لما يستنزفه من مواردَ بشريةٍ واقتصادية.

وقد أجمع عدد كبير من علماء الإسلام على تحريم ممارسة التدخين، وأنه وباء وبيل العواقب، أليس التدخين من الخبائث التي يجب أن تتنزه عنها أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- وهي خير أمة أخرجت للناس؟ {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [سورة الأعراف: 157].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآي والذكر الحكيم، أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الأخرى:

الحمد لله الذي هدانا لما يصل دنيانا وآخرتنا، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله وصفيه من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله..

وإني لأخاطبكم بما للإسلام عليكم من حقوق، وبما عليكم نحوه من واجبات، وأولها أن تحفظوا نفوسكم من الأهواء والشهوات.

وأنادي الإخوة المدخنين.. افتحوا أعينكم على الخطر الداهم الذي يشتعل بين أصابعكم، التدخين -أيها المسلمون- عادة سيئة يتمسك بها أصحابها دون مسوّغ إلا الاستسلام لصحبة أو ضغط رغبة، التدخين معصية يُجاهر بها بعض الناس دون توقٍ لمستقبل ولد سيأخذ هذه العادة منه عاجلاً أو آجلا، إلا أن يحفظه الله بحفظه، أموال تُنْفَق، وصحة تُهْدَر، وسموم تُمتص، واقتصاد يتأثر، وهذا نداء الباري -عز وجل-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال: 24].

أيها المسلمون!

إن استجابة المسلم لله أن تخضع رغباته وأهواؤه وتصرفاته لأوامر الله -عز وجل- في كل صغير وكبير من أمره، ولا خيار له في ذلك. وقد جاء النص القرآني الكريم واضحًا كل الوضوح، لا يحتاج إلى تأويل أو تغيير؛ يقول سبحانه: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِينًا} [الأحزاب: 36]، وعليه فلا يحق لمسلم أن يتصرف في نفسه، أو ماله أو أهله، أو مجتمعه بعيدًا عن تعاليم الدين الإسلامي الحنيف؛ لأن ذلك التصرف سيؤدي حتمًا إلى خلل في الحياة على هذه الأرض.

ويكفينا في ذلك قول الله تعالى مقرّرًا هذه الحقيقة: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُون} [النحل: 112].

إن نفسك مملوكة لله تعالى، خلقها وتكفل برزقها، وجعل عليها حافظًا يحفظها فلا يجوز أن تتعدى أنت عليها بما يضرها أو يهلكها؛ لأنك لا تملكها، ومن ثَم فقد توعد الله قاتل نفسه بنار جهنم وبئس المصير.

فعن أبي هريرة أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قال: من قتلَ نفسَه بحديدةٍ فحديدتُه في يدِه يَجَأُ بِها في بطنِه في نارِ جَهنَّمَ خالِدًا مُخلَّدًا فيها أبدًا، ومن قتلَ نفسَه بسمٍّ فسمُّهُ في يدِه يتحسَّاهُ في نارِ جَهنَّمَ خالدًا مُخلَّدًا فيها أبدًا، ومن تردَّى من جبلٍ فقتلَ نفسَه فَهوَ يتردَّى في نارِ جَهنَّمَ خالدًا مخلَّدًا فيها أبدًا“(أخرجه مسلم: 109).

ولقد فهم الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- هذه الحقيقة، فكانوا خير الناس في سرعة استجابتهم لأمر ربهم جل وعلا وأمر رسوله –صلى الله عليه وسلم-، والتاريخ يشهد على ذلك..

ولعله من المناسب في هذا اليوم أن نذكّر بصورة للاستجابة لأمر الله تعالى وأمر رسوله –صلى الله عليه وسلم-، وما حدث من سرعة استجابة الصحابة الكرام في ترك الخمر التي شبّوا عليها واختلطت بدمائهم، وأصبحت عادة متأصلة في حياتهم اليومية.

يروي لنا هذه الصورة الصحابي الجليل أنس بن مالك –رضي الله عنه- فيقول: كنتُ ساقي القومِ، يوم حُرِّمتِ الخمرُ، في بيتِ أبي طلحةَ. وما شرابُهم إلا الفَضيخُ: البُسرُ والتمرُ. فإذا مُنادٍ ينادي. فقال: اخرْج فانظُرْ. فخرجتُ فإذا مُنادٍ ينادي: ألا إنَّ الخمرَ قد حُرِّمَتْ.قال فجرَت في سِككِ المدينةِ. فقال لي أبو طلحةَ: اخرجْ فاهرقْها. فهرقتُها” (صحيح البخاري 4620).

استجابة فورية، بعضهم كانت الشربة في فمه فأخرجها من فمه ومجَّها، وبعضهم كان الكوب في يده فرماه، وقالوا جميعا: انتهينا يا رب، انتهينا يا رب.

قال تعالى: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ المُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ} [النور: 51-52].
وإني لأطمع اليوم فيك أيها المصلي إذا كنت ممن ابتُلوا بالدخان أن تخرج وتتلف ما لديك منه قبل أن تفطر هذا اليوم، وتستدبره إلى غير رجعة، وهناك ستفرح بما منَّ به الله عليك من خير وبركة لهذا الشهر الكريم على نفسك وأهلك ومالك، ويا لفرحة أقرب الناس إليك من والدين وزوجة وأولاد، فإنه خبر العمر وفرحة الحياة، وصدقني إنك لن تحتاج سوى عزيمة صادقة، ويقين ثابت، وحب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ينقذ صحيفة عملك مما يرهقها كل يوم من سيئات التدخين، وينقذ صحتك مما يهد قواها ويقربها من الانهيار لا قدر الله.

وأنت يا من تبيع الموت للناس في صورة لفافات الدخان المجرمة، فرصة لك اليوم أن تتوب إلى الله تعالى، وتطهر أموالك وأجسام من تعول مما يخشى عليك منه من سحت النار أولى به، ومن ترك لله شيئًا عوَّضه الله خيرًا منه.

اللهم يا عزيز يا حكيم أعز الإسلام والمسلمين وانصر إخواننا المجاهدين وارفع البأس والظلم والجوع عن إخواننا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح ولاة أمورنا، ووفقهم لإصلاح رعاياهم، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة التي تذكّرهم إذا نسوا وتعينهم إذا ذكروا، واجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، سلمًا لأوليائك حربًا على أعدائك.

اللهم فك أسر المأسورين، واقض الدين عن المدينين، واهد ضال المسلمين، وهيئ لأمة الإسلام أمرًا رشدًا يعز فيه أهل طاعتك، ويهدى فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر. اللهم بارك لنا فيما أعطيتنا، وأغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك، وأغننا برحمتك يا حي يا قيوم، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين واجعلنا من أهل جنة النعيم برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



 

 

 

من المصادر:

ـ تقارير من منظمة الصحة العالمية، وجمعية نقاء بالسعودية.

ـ مقالة للدكتور محمد عمارة.



اترك تعليقاً