التوفيق

الحمد لله موفق من شاء لما شاء، خلق الأرض والسماء، وجعل خلق الإنسان من ماء، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، الموفق من اتبع هداه، والشقي من تنكب عن طريقه بهواه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين أما بعد

فأوصيكم عباد الله بتقواه، {وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [سورة البقرة 2/231]. ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾ [الطلاق:4].

أيها الأحبة..

(التوفيق) كلمة جميلة المبنى، عظيمة المعنى، رغبة لكل مؤمن، وأمل لكل عاقل، يدعو به الوالد لولده، والحبيب لحبيبه، والناصح لمنصوحه.

فمن هو الموفَّق؟ وإلى ماذا يوفَّق؟ وما علامات التوفيق؟

قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: أجمَعوا على أن التوفيق ألا يكلَك الله إلى نفسك، وأن الخذلانَ هو أن يُخلِّيَ بينك وبين نفسك، فإذا كان كلُّ خير أصلُه التوفيق، وهو بيد الله لا بيد العبد، فمفتاحُه الدعاءُ والافتقار، وصدقُ اللجوءِ، والرغبةُ، والرهبةُ إليه، فمتى أعطيَ العبدُ هذا المفتاح، فقد أرادَ اللهُ أن يفتحَ له، ومتى أضلَّه عن المفتاح، بقيَ بابُ الخير مُرتَجًا دونَه.

اللهم اجعلنا ممن وفقتهم لهداك، واتباعِ رضاك، وفتحتَ لهم أبوابَ الخير، وأغلقتَ دونهم أبوابَ الشرِّ، إنك سميعُ الدعاء.

إخوتي الكرام، إن من تأمّلَ كتابَ اللهِ جل وعلا، وسنةَ رسولِه صلى الله عليه وسلم تبيّنتْ له علاماتُ توفيقِ الله للعبد، ومن تلك العلامات:

أن يوفقَه اللهُ تعالى للعملِ الصالح على اختلاف أنواعه، عملًا بجسده، أو تَصَدُّقًا بماله، أو قولًا بلسانه: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 71]، وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا أراد اللهُ بعبدٍ خيرًا استعمله” فقيل كيفَ يستعملُه يا رسولَ الله؟ قالَ: “يوفقُه لعملٍ صالحٍ قبلَ الموت” صحيح رواه الترمذي.

ولذلك أشادَ اللهُ بقومٍ يأتي بهم عز وجلَّ؛ ليقيموا شرعَه، وينشروا دينَه، ولا يخافونَ أحدًا غيرَه، فأيُّ فضلٍ مثلِ هذا، وأيةُ كرامة؟ وأيُّ أجرٍ ذاك؟!! قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)} [سورة المائدة 5/54].

ومن علاماتهم أن أعمارَهم كلَّها لله تعالى، فعن نُفَيعٍ بنِ حارث ٍالثقفي أنَّ رجلًا قال يا رسولَ اللهِ أيُّ الناسِ خيرٌ؟ قال من طالَ عمُرهُ وحسُن عملُه. قال: فأيُّ الناسِ شر؟ قال: من طال عمُرهُ وساء عملُه” حديث حسن صحيح.

ومن علامات توفيقِ اللهِ للعبد: أن يوفّقَه لطلبِ العلمِ الشَّرعي والتفقُّهِ في دينِ الله، قال صلى الله عليه وسلم: “مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ” [صحيح].

 ومن توفيقِ اللهِ للعبد: أن يوفقَه للدعوةِ إلى دينِ الله ويُعلِّمَ الناسَ الخير، فالدعوةُ إلى اللهِ هي مُهمةُ الأنبياء والرسل والموفقين من عباد الله، ويكفي ثناءُ الله عز وجل عليهم بقوله: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت: 33].، وتأمين الله لهم بقوله: ﴿فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [الأعراف: 35].

أحبتي في الله:

ومن توفيقِ اللهِ للعبد: أن يوفقَه للتوبةِ الصادقة من المعاصي، فإن هذا من التوفيق والسداد وإرادةِ اللهِ بعبده الخير، فالله جل وعلا يحب التوبة لعبده قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 27].

 ومن همَّ بالمعصية وأعدَّ العدّة لها وأغلقَ الأبوابَ وأرخى السُّتور، ثم حيلَ بينه وبينَ المعصية، فليحمدِ اللهَ كثيرًا، وليشكرْه على ذلك، فإن اللهَ أرادَ به الخير، قال جل وعلا عن يوسف: ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ [يوسف: 24].

 ومن علامات توفيق الله للعبد أن ييسر له خدمةَ الناس ونَفْعَهَم وقضاءَ حوائجهم وإدخالَ السرور عليهم، والسعيَ في أمورِ الأيتام والأراملِ والفقراءِ والمساكين بقدرِ استطاعتِه، ويحضُّ الناسَ على ذلك، عَنْ بَكْرِ بْنِ خُنَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَنْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تَدْخِلُهُ عَلَى مُؤْمِنٍ: تَكْشِفُ عَنْهُ كَرْبًا، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلَأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخِي الْمُسْلِمِ فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ شَهْرَيْنِ فِي مَسْجِدٍ، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ، مَلَأَ اللَّهُ قَلْبَهُ رِضا، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يُثْبِتَهَا لَهُ، ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ تَزِلُّ الْأَقْدَامُ، وَإِنَّ سُوءَ الْخُلُقِ لَيُفْسِدُ الْعَمَلَ كَمَا يُفْسِدُ الْخَلُّ الْعَسَلَ”. [حسنه الألباني من هذه الرواية]

ومن توفيق الله للعبد: أن يكفَّه عن التدخلِ فيما لا يعنيه، فلا يتتبّعُ أخبارَ الناس وأسرارَهم، ولا يدخُلُ في أمورٍ لا يُحسنُها، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:”مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ”

ودخلَ على الصحابي الجليلِ أبي دُجانةَ بعضُ أصحابِه وهو مريضٌ ووجهُهُ يتهللُ فقيل له: ما لوجهِك يتهلَّلُ؟ فقالَ: “ما من عملِ شيءٍ أوثقُ عندي من اثنتين: كنتُ لا أتكلمُ فيما لا يعنيني، والأخرى فكانَ قلبي للمسلمين سليمًا.”

 ومن علاماتِ توفيقِ اللهِ للعبد: أن يُلهِمَه السدادَ والصوابَ في أقوالِه وأعمالِه ومواقفِه، وتلكَ هي الحكمةُ التي قالَ اللهُ عنها: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [البقرة: 269].

هذه بعضٌ من علاماتِ توفيقِ اللهِ للعبد، نسألُ اللهَ جلَّ وعلا أن يوفقَنا إلى ما يحبُّه ويرضاه، وأن يهدينا لخير الأعمال والأقوال والأخلاق وأصلحها وأفضلها، وأن يختم لنا بها، إنه جواد كريم.

{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [سورة النــور 24/31].

الخطبة الأخرى

الحمدُ للهِ موفقِ من أطاعَهُ لما يقربُّه منه، ويرفعُ به درجتَه في جنتِه، وأشهدُ ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُ الله ورسولُه، صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرًا أما بعد

فاتقوا الله عباد الله، واعلموا بأن توفيقَ الله عز وجل لا غِنَى للعبد عنه، لا في الدنيا ولا في الآخرة، قال تعالى: ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا، وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [النور: 21].

فَمَنْ وَفَّقَهُ الله لتزكية نَفْسِه فَقَدْ أفلح وفاز، قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى﴾ [الأعلى: 14] وأعلى مراتبِ توفيقِ اللهِ لعَبْدِهِ أن يحببَ إليه الإيمانَ والطاعة، ويُكَرِّهَ إليه الكفرَ والمعصيةَ، وهي المرتبةُ التي نالها أصحابُ النبي صلى الله عليه وسلم، وامتنَّ اللهُ بها عليهم في قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾ [الحجرات: 7]. قال ابنُ القيِّم رحمه اللهُ مفسرًا هذه الآيةَ ومتدبرًا لمعانيها: “يخاطبُ اللهُ جل وعلا عباده المُؤْمِنِين، فيقولُ: لولا توفيقي لَكُمْ لما أَذْعَنَتْ نُفُوسُكمْ لِلإيمان، فلم يكنِ الإيمانُ بمشورتِكم وتوفيقِ أنفسكم، ولكنِّي حببتُه إليكم وزينتُه في قلوبكم، وكرَّهتُ إليكم ضدَّه الكفرَ والفسوق.

والتوفيقُ من الأمور التي لا تُطْلَبُ إلا من الله، إذ لا يقدرُ عليه إلا هو، فمن طلبه من غيره فهو محروم. قال تعالى: ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ﴾ [القصص: 56].

وهذه الهدايةُ المذكورةُ في الآية هي التي يُسَمِّيها العلماءُ هدايةَ التوفيق، قال شعيب عليه السَّلام: ﴿وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ [هود: 88].

وهذا كان حالَ النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، “كان إذا نزل بهِ همٌّ أو غمٌّ قال: “يا حيُّ يا قيُّومُ برَحمتِك أستَغيثُ”. [حسن]. والوصية بتكرار ذلك صباحًا ومساءً: “ما يَمنعُكِ أنْ تسمَعِي ما أُوصِيكِ بهِ؟ أنْ تقولِي إذا أصبحتِ وإذا أمسيْتِ: يا حيُّ يا قيُّومُ برحمتِكَ أستغيثُ، أصلِحْ لِي شأنِي كلَّهُ، ولا تكِلْنِي إلى نفسِي طرْفةَ عيْنٍ” [حسن].

 إذن ليس الموفق مَنْ رُزِقَ مالاً دون دين، أو منصبًا دون دين، أو جاهًا دون دين، أو جمالًا دون دين، أو مثلَ ذلك من أمور الدنيا، فإنَّ الدنيا يعطيها الله مَنْ يُحِبّ وَمَنْ لا يُحِبّ، وقد ذكر الله هذا عن ذلك الإنسان، وأخبر أن الأمر ليس كما ظن. قال تعالى: ﴿فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا﴾ [الفجر: 15 – 17]. والصوابُ أن الموفَّقَ هو الذي إذا أُعْطِيَ منصبًا، أو جاهًا، أو مالا، واستعمله في مرضاة ربِّه، ونصرة دينه، ونفع المسلمين، وإن رُزقَ مالاً أخذه من حلِّه وصرفه في طاعة ربّه، فإن من حكمةَ اللهِ تعالى أنْ يَبْتَلِيَ عِبادَهُ، فالموفقُ منهم هو الذي إذا أُعطيَ شكر، والمخذولُ هو الذي إذا أُعْطِيَ طَغَى وَكَفَرَ، قال تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى﴾ [العلق: 6، 7]. وقال اللهُ عن نبيِّهِ سليمانَ الذي أعطاه لله الملكَ والمالَ والجاهَ والعلمَ والنُّبوةَ والصحة: فكان قوله: ﴿هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾ [النمل: 40].

وقد يظهرُ توفيقُ الله لعباده جليًّا حين يُعرض الخيرُ على أناسٍ فيردونَه، حتى ييسرَ اللهُ له من أراد به الخير من عباده، فيقومَ به، فيظفرَ بأجره، وقد مكثّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أكثرَ من عشرِ سنينَ يعرضُ نفسَه على القبائلِ لينصروه، فلم يستجيبوا له حتى وفَّق الله الأنصارَ لذلك، فنالوا الشرفَ العظيمَ في الدنيا والآخرة.

ومنها أن يوفقَ اللهُ العبدَ لعملٍ قليلٍ أجرُه عند الله كثيرٌ، فعنِ البراءِ بنِ عازبٍ – رضي الله عنه – قال: “أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ مقنعٌ بالحديد”، فقال: “يا رسول الله، أقاتلُ أو أُسلِم؟” قال: ((أَسْلِمْ ثُمَّ قَاتِلْ)) فأسلمَ ثم قاتلَ فقُتل، فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “عَمِلَ قَلِيلاً وَأُجِرَ كَثِيرًا”.

فمن اتقى اللهَ تعالى وملأَ الإخلاصُ قلبَه، وعلمَ اللهُ منه صدقَ نيتِه، وأكثرَ من دعائه، فقد أخذَ بمجامعِ الأسبابِ الموصلةِ إلى التوفيق، واللهُ المستعانُ ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله.

فهيا عبادَ الله بعد أن عرفنا بعضَ علاماتِ توفيقِ اللهِ للعبد، نلهجُ بالدعاءِ لربِّنا صُبحًا ومساءً بأن يوفقَنا لما يحبُّه ويرضاه، وأن يوفقَنا لخيرِ الأعمالِ وأفضلِها عندَه سبحانه، فاللهم وفقْنا لما تحبُّ وترضى يا حي يا قيوم. 

اللهم يا عزيز يا حكيم أعز الإسلام والمسلمين، وانصر إخواننا المجاهدين في الحد الجنوبي وفي كل مكان، وارفع البأس والظلم والجوع عن إخواننا المستضعفين في كل مكان، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح ولاة أمورنا، ووفقهم لإصلاح رعاياهم، اللهم أيدهم بالحق وأيد الحق بهم، واجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، سلما لأوليائك حربا على أعدائك.

اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين ووليَّ عهده لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، واجعلهم ذخرًا للإسلام والمسلمين.

اللهم فك أسرى المسلمين، واقض الدين عن المدينين، واهد ضالهم، وهيء لأمة الإسلام أمرًا رشدًا يُعزُّ فيه أهلُ طاعتِك، ويُذلُّ فيه أهلُ معصيتِك، ويؤمرُ فيه بالمعروف ويُنهى فيه عن المنكر. اللهم بارك لنا فيما أعطيتنا، وأغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك، وأغننا برحمتك يا حي يا قيوم.

ربَّنا اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، واجعلنا من أهل جنة النعيم، برحمتك يا أرحم الراحمين اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله الطاهرين، وصحبه أجمعين، وعنا معهم برحمتك وفضلك  ومنك يا أكرم الأكرمين.