الحقوق الزوجية

الخطبة الأولى

الحمد لله، رضي من عباده باليسير من العمل، وتجاوز عن تقصيرهم والزَّلل، امتنَّ عليهم بالنعمة، وكتب على نفسه الرحمة. أحمده سبحانه وأشكره، كافيَ مَنِ استكفاه، ومجيبَ مَنْ دعاه، كفى بربك وليًّا وكفى بربك نصيرًا.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة عبده وابن عبده وابن أَمَتِه، عبدٌ لا غنى له طَرْفَةَ عينٍ عن فضله ورحمته، عبدٌ يخشى عذابه ويطمع في جنَّته. وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله، أرسله رحمةً للعالمين، وقدوةً للعاملين، ومحجَّةً للسالكين، وحجَّةً على الخلق أجمعين، صلى الله وسلم عليه وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، صلاةً وسلامًا دائمتين إلى يوم النشور

أما بعد، فأوصيكم ـ عباد الله ـ ونفسي المقصرة بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله – رحمكم الله – وارجوا رحمتَه واخشوا عذابَه، فلم يَقْدرِ اللهَ حقَّ قَدْره مَنْ هان عليه أمرُه فعصاه، واجترأ على محارمه فارتكبها، وفرَّط في حقوقه فضيَّعها، وكان هواه آثرَ عنده من طَلَبِ رضا مولاه، {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى * بَلْ تُؤْثِرُونَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى: 14 – 17].

عباد الله

قال الله تعالى: {وَمِنْ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجًا لِّتَسْكُنُوٓاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍۢ لِّقَوْمٍۢ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21].

ومن أجل أن يحدث السكن والمودة والرحمة، فقد جعل الله نظام الأسرة قائمًا على الحقوق والواجبات وتوزيع الأدوار بعدل وإنصاف، يترتب عليه صلاح الحال والمآل.

وإن من العقل والمنطق أن تسأل الزوجة عن حق زوجها عليها، كما أنها تسأل وتطالب الزوج بحقها عليه. والحقيقة أن حق الـــزوج علـــى الزوجـــة من أعظـــم الحقوق، يقـــول الله تعالـــى: ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ فَٱلصَّٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ} [النساء: 34].

قال ابنُ عاشور: “وقيامُ الرجالِ على النساء هو قيامُ الحفظِ والدِّفاع، وقيامُ الاكتسابِ والإنتاجِ المالي”، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: “أي: تطيعـُــه فيما أمرها اللـــهُ به مـــن طاعتـــه، وطاعتُه أن تكون محســـنةً إلى أهله، حافظـــةً لماله”.

وخلافًا لما يُشاع، فإنه يجبُ على الزوجة أن تخدم زوجها حسب عرف مجتمعها وبلادها، يقول الشيخ عبدالعزيز ابن باز ـ رحمه الله تعالى ـ : “فإذا كان العُرفُ في قبيلته أو في بلده أنها تخدم زوجها فإنها تخدمه كما يفعل بنات جنسها في قبيلتها وجماعتها؛ لأن الله يقول جل وعلا: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19]، {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:228]، فالمعروف هو المتعارف بين الناس في كل بلد وفي كل زمان”.

ولا يجوز لها الخروج من بيتها إلا بإذنه، ولا تنازعه في القيام على أمر البيت وقيادته، وأي محاولة لمنازعته في هذه القوامة فسوف يكون لها أثرٌ سيءٌ جدًا في مستقبل الأسرة، وقد يكون ذلك سببًا لنفور الزوج من البيت كله، مع أن ذلك لا يمنع من التشاور والتقدير الكبير لرأيها، واحترام شخصيتها.

ومن حق الزوج على الزوجة ـ أيضا ـ عدم الإذن لمن يكره دخولَه بيته، كما أن عليه ألا يمنعها من دخول أهلها عليها، ولا الذهاب إليهم لتصلَ رحمها، وتبَّر والديها، وتسرَّ بهم.

ومن أعظم حقوق الزوج الذي يتحقق من خلاله الإعفاف، تمكينُه من الاســـتمتاع بما أباحه الله منها معها، إلا أن تكون معـــذورة بعذر شـــرعي، كالحيض وصوم الفـــرض والمرض، والتعب النفسي المرهق، وما شـــابه ذلك، كما أنه يجب عليه إعفافها إذا احتاجت وكان قادرًا على ذلك، وإن احتاج الأمر إلى علاج فليفعل، أداءً لحقِّها، وصيانةً لتماسك بيته، والاستمتاعُ حقٌّ للطرفين دون شك: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ} [البقرة/228}.

وفي المقابل فإن من أهم ما يجب أن يعرفه الزوج الحقوقُ التي عليه لزوجته، لأنه سوف يُسأل عنها في الدنيا والآخرة، وهي أساسُ قاعدة الزواج الناجح، ومن أهمها: الحقوق المالية، وهي: المهر، وهو المال الذي تستحقه الزوجةُ بمجرد العقد عليها، قال تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ۚ فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا (4)} [النساء]. وهو ملكها ليس لأحد أن يتصرف فيه إلا بإذنها.

وعلى الزوج النفقة عليها وإن كانت غنية، بشرط تمكين المرأة زوجها من نفسها، فإن امتنعت منه أو نشزت؛ لم تستحق النفقة.

والمقصود بالنفقة: توفير ما تحتاج إليه الزوجة من طعام وشراب وكسوة، ومسكن، بحسب حال أمثالها، قال تعالى: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ ۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ۚ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ۚ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7)} [الطلاق: 7]. وحين تفقد الزوجة من هذه النفقة شيئًا فلها أن تأخذ من مال زوجها ما يكفيها ويكفي ولدها بالمعروف حتى دون علمه.

وأما الحقوق غير مالية: فأهمها المعاشرة بالمعروف، وتحسين خُلُقه معها، والرفقُ بها، وإبداء المحبة لها، وإسعادها؛ فلا سباب ولا شتائم ولا دعاء عليها ولا إساءة لأهلها، لقوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19]، والعدل بينها وبين ضراتها في المبيت والنفقة والكسوة والمسكن، وعدم الإضرار بها وتعليقها أو هجرها بغير حق.

ومن حق الزوجة أن يكون لها مسكن خاص مع زوجها وأولادها، “ولو أراد الزوج أن يسكنها مع ضرتها أو مع أحمائها كأم الزوج وأخته وبنته من غيرها وأقاربه فأبت ذلك، فعليه أن يسكنها في منزل مفرد” وفي ذلك حماية للبيت الجديد من المشكلات والتفكك.

ومن حقها عليه: أن يغار عليها ويصونَها عن كل ما يخدش شرفها، أو يدنس عرضها، أو يحط من قدرها، أو يعرض سمعتها للتجريح، وألا يعرضها للفتنة، كأن يطيل غيابه عنها، أو يرغمها على التخفف من حجابها وغطاء وجهها. ومن حقها أن يلبي طلباتها بنفسه، وأن يعلمها أمور دينها. إنها حياة مديدة إن شاء الله فلابد أن ترعى فيها الحقوق والواجبات. قال الله تعالى: {وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237)}.

بار ك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآي والذكر الحكيم، أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الأخرى:

الحمد لله المرجو لطفه وثوابه، المخوف مكره وعقابه، عمر قلوب أوليائه بعظيم رجائه، وأشهد أن لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله ومصطفاه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومَنْ والاه، وسار على نهجه واتَّبع هداه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم أن نلقاه، أما بعد، فاتقوا الله وأطيعوه، واعلم ـ يا رعاك الله ـ بأن من حقك أن تحصل على حقوقك من شريك حياتك، وفي المقابل عليك أن تؤدي واجباتك تجاهه؛ فالحياة الزوجية شراكة بين طرفين، وأكثر الحقوق بين الزوجين مشتركة، ولذلك فإني أهيب بكل زوجين أن يتعاونا في كل ما من شأنه يزيد من استقرار البيت وسعادته وتطوره.

ماذا لو أن كلا منهما اختار لصاحبه اسمًا جميلا يناديه به، كما فعل حبيبكم ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع حبيبته عائشة: “يا عائش”، “يا حُميراء”، أو يناديه بأحب الأسماء إليه؟!

ماذا لو استمع كل منهما للآخر بكل وجهه وعينيه وقلبه وعقله ـ وهو ما كان يفعله حبيبنا صلى الله عليه وسلم ـ أليس في ذلك إغناءٌ لكل منكما بالآخر، وسدٌّ لثغرات لو تركت لدخل منها شياطين الإنس والجن.

وإن من المروءة أن يحفظ كل من الزوجين للآخر مكانته، ويجد عنده التقدير الذي لا يجده في أي مكان آخر، ولذلك فإنه لا ينتقصه ولا يحتقره، ولا يُذكِّرُه بعيوبه، ولا يقلل مـــن قيمته في حياتـــه، فهذا كله يطـــرد المودة والســـعادة من البيت.

وما أجمل غض الطرف عن الهفوات: فكل إنســـان له عيوبه ونقاط ضعفـــه، ولا يوجد بشـــر كامل؛ من أجل ذلك لابـــد أن يغضَّ طرفه عـــن الأخطـــاء غير المتكررة، وأن ينســـى كل الهفوات، ولا يتصيـــد خطأ الآخر، أو يحمل كلامه على ســـوء النية، أو الظن الســـيئ، وعند الخلاف يبقى العتاب والحوار الهـــادئ بين الطرفين.

ولاستكمال السعادة، على الزوجين أن يحرصا على التزين، فقد جُبلـــت النفـــس علـــى حـــب الجمال، والرجل كما يحـــب أن يرى زوجته في أحســـن هيئة وفـــي أجمل صورة، فعليه هو أيضا أن يتزين لها، ويحافظ على نظافته الشخصية، فقد تستحي منه زوجته أن تنبهه إلى ما يضايقها منه، ولكنها قد تنفر منه.

ومما يزيد بيت الزوجية راحة وأمانا حفظ أسرار الحياة الزوجية، وخاصة العلاقة الخاصة، كيف لا {… وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا (21) } [النساء].

{… رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74)} [الفرقان].

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشِّرك والمشركين، واحمِ حوزة الدين، وانصر عبادك المؤمنين.

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفِّق إمامنا ووليِّ أمرنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده وأعوانهم بتوفيقك، وأيِّدهم بتأييدك، وأعزَّهم بطاعتك، وانصر بهم دينك، وأَعْلِ بهم كلمتك، واجعلهم نصرة للإسلام والمسلمين، واجمع بهم كلمتهم على الحق والهدى يا رب العالمين، اللهم ارزقه البطانة الصالحة التي تدلَّهم على الخير وتُعينهم عليه، اللهم وفِّقهم لما تحب وترضى، وخُذْ بنواصيهم للبرِّ والتقوى،

اللهم قيِّض لنا أمر رشد، يعز فيه أهل الطاعة، ويُهدى فيه أهل المعصية، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر، اللهم اكتبنا في ديوان السعداء، وأجرنا من حال أهل الشقاء، واغفر اللهم لنا ما قدَّمنا وما أخَّرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به منَّا، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين.

اللهم اجعل جزاءنا موفورًا، وسعينا مشكورًا، وذنبنا مغفورًا، اللهم أذِقْنا بَرْدَ عفوك، وحلاوة مغفرتك، ولذَّة مناجاتك، اللهم وفقنا للتوبة والإنابة، وافتح لنا أبواب القبول والإجابة، اللهم تقبَّل صلاتنا ودعاءنا، وكفِّر عنَّا سيِّئاتنا، وتُبْ علينا، واغفر لنا، وارحمنا يا أرحم الراحمين.

ربنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، ربنا لا تُزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهَبْ لنا من لدنك رحمة، إنك أنت الوهاب.

ربنا اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.