الكذب .

الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصجبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد

فأوصيكم عباد الله ونفسي المقصرة بتقوى الله تعالى وطاعته كما أمرنا بذلك الله جل وعلا، فقال في محكم التنزيل: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}.

أحبتي في الله

إن مما يحزن حقا، أن يقع المسلم في بعض الصفات التي هي أبعد ما تكون عن المؤمنين، بل هي من سمات المنافقين، فقد روى البخاري عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ”.

والكذب من أكثر هذه الصفات انتشارا، فقد اعتاده بعض الناس؛ حتى أصبح عادة في لسانه، لا يكاد يدعها، بل ربما ارتآها بعضهم من سمات الرجولة والقدرة المحنكة على تسيير أمور حياته، أو أنها دليل ذكاء ودهاء، وذلك من أقبح السبل وأخسها، أن يتعلق الإنسان برذيلة ويسميها فضيلة. وما شاع هذا الخلق البغيض إلا بأسباب كثيرة أهمها قلة الخوف من الله الذي توعد الكاذبين. والحرص على تبديل الحقائق لتحقيق مصلحة دنيوية فانية، مثل أن يكذب على البائع بأنه اشترى هذه السلعة بكذا من قبل ليخفض له في الثمن، ومنها أنه ربما حرص على مسايرة الكاذبين، أو لفت أنظار جلسائه بالأخبار الغريبة ولو كانت مكذوبة أو على الأقل غير محققة، أو لمجرد إضحاكهم، ومنها الهروب من تحمل مسؤوليته الحقيقة في الأزمات، وبعض الناس إنما عودهم أهلهم وذووهم منذ الصغر حين يؤمر الصغير بأن يكذب على المتحدث في الهاتف فيقال له: قل: أبي غير موجود ونحو ذلك كذبا وزورا.

وكان من أبرز نتائج هذا الخلق الذميم، عدم الثقة بين الناس، والقلق المتزايد في معاملة بعضهم بعضا. ويكفي ذلك ليكون معول هدم في العلاقات الاجتماعية، ومثيرا للشكوك في صدورٍ كان يجب أن تعمر بالحب والثقة العليا.

ولا شك أن من أكبر الخسائر التي يمنى بها الفرد الكذاب في مجتمعه أنه لا يصدق في حديثه حتى وإن كان صادقا، وأنه يكون موضع تندر وسخرية من جميع من حوله، وهنا يحس شيئا فشيئا بالعزلة النفسية حتى وإن كان في وسط معارفه، وربما كانت محاولة استرجاع شخصيته الصادقة أمرا عسيرا في المستقبل. حسب الكذوب من المها نة بعض ما يحكى عليه

ما إن سمعت بكذبــة من غيره نسبت إلـيه

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ

الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا” رواه الإمام مسلم.

عجبا لمن يسمع ربه يقول له: {ولا تقف ما ليس لك به علم}، ولكنه لا يكاد يرد سائلا عن أي أمر من أمور الدين والدنيا وكأنه قد جمع العلم كلَّه بين جنبيه، يخشى أن يتهم بقلة العلم فيكذب، ويخاف أن يطمر في الناس ذكره فيكذب، ويحب أن يبرز صوته فيكذب.

عجبا لمن يسمع مولاه تعالى، العليم بخفاياه: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} فيسمع ويردد قوله، ثم لا يلبث أن يكذب ولا يبالي.

أخي المؤمن إن الصدق هو حليتك الخاصة بك فلا ترخصها في سوق الكذب والحيلة والخداع.

إذا أردت أن تكون لك كلمة مسموعة في المجالس أو في الصحف أو على الشاشات المرئية أو في ساحات الحوار في الشبكة العنكبوتية.. فلتتق الله ولتقلْ خيرًا أو لتصمت، فهو خير لك من كذبة تقولها فتبلغ الآفاق تغوص بالبعيد في النار سبعين خريفا..

لقد كان رسولك صلى الله عليه وسلم أنموذج الصدق والأمانة الأعلى، حتى إنه لم يكذب حتى قبل النبوة، وعرف عنه ذلك واشتهر، بل كان الكذب من سمات العار في الجاهلية، روى البخاري في صحيحه ما مختصره أنه: “لَمَّا جَاءَ قَيْصَرَ كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حِينَ قَرَأَهُ الْتَمِسُوا لِي هَا هُنَا أَحَدًا مِنْ قَوْمِهِ لِأَسْأَلَهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ… قَالَ أَبُو سُفْيَانَ [وكان ذلك قبل إسلامه]: فَوَجَدَنَا رَسُولُ قَيْصَرَ بِبَعْضِ الشَّأْمِ فَانْطُلِقَ بِي وَبِأَصْحَابِي فَأُدْخِلْنَا عَلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ فِي مَجْلِسِ مُلْكِهِ، وَعَلَيْهِ التَّاجُ وَإِذَا حَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ، ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ قُلْ لِأَصْحَابِهِ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا الرَّجُلَ عَنِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَإِنْ كَذَبَ فَكَذِّبُوهُ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَاللَّهِ لَوْلَا الْحَيَاءُ يَوْمَئِذٍ مِنْ أَنْ يَأْثُرَ أَصْحَابِي عَنِّي الْكَذِبَ لَكَذَبْتُهُ حِينَ سَأَلَنِي عَنْهُ، وَلَكِنِّي اسْتَحْيَيْتُ أَنْ يَأْثُرُوا الْكَذِبَ عَنِّي فَصَدَقْتُهُ، ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ قُلْ لَهُ كَيْفَ نَسَبُ هَذَا الرَّجُلِ فِيكُمْ؟ قُلْتُ: هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ، قَالَ: فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَبْلَهُ؟ قُلْتُ: لَا، فَقَالَ: كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ عَلَى الْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ قُلْتُ: لَا… ثم سأل أسئلة أخرى حتى قال لِتَرْجُمَانِهِ: “إِنِّي سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ فِيكُمْ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ ذُو نَسَبٍ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ

قَوْمِهَا، وَسَأَلْتُكَ: هَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْكُمْ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ: لَا، فَقُلْتُ لَوْ كَانَ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ قُلْتُ رَجُلٌ يَأْتَمُّ بِقَوْلٍ قَدْ قِيلَ قَبْلَهُ وَسَأَلْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا فَعَرَفْتُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا فَقُلْتُ لَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ قُلْتُ يَطْلُبُ مُلْكَ آبَائِهِ وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ فَزَعَمْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمِ اتَّبَعُوهُ وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَزِيدُونَ أَوْ يَنْقُصُونَ فَزَعَمْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ حَتَّى يَتِمَّ وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا فَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ حِينَ تَخْلِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ لَا يَسْخَطُهُ أَحَدٌ وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لَا يَغْدِرُونَ وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَاتَلْتُمُوهُ وَقَاتَلَكُمْ فَزَعَمْتَ أَنْ قَدْ فَعَلَ وَأَنَّ حَرْبَكُمْ وَحَرْبَهُ تَكُونُ دُوَلًا وَيُدَالُ عَلَيْكُمُ الْمَرَّةَ وَتُدَالُونَ عَلَيْهِ الْأُخْرَى وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى وَتَكُونُ لَهَا الْعَاقِبَةُ وَسَأَلْتُكَ بِمَاذَا يَأْمُرُكُمْ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَيَنْهَاكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعَفَافِ وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ قَالَ وَهَذِهِ صِفَةُ النَّبِيِّ قَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ

خَارِجٌ وَلَكِنْ لَمْ أَظُنَّ أَنَّهُ مِنْكُمْ وَإِنْ يَكُ مَا قُلْتَ حَقًّا فَيُوشِكُ أَنْ يَمْلِكَ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ وَلَوْ أَرْجُو أَنْ أَخْلُصَ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لُقِيَّهُ وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ قَدَمَيْهِ.. حتى قال أبو سفيان: وَأُمِرَ بِنَا فَأُخْرِجْنَا فَلَمَّا أَنْ خَرَجْتُ مَعَ أَصْحَابِي وَخَلَوْتُ بِهِمْ قُلْتُ لَهُمْ لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ هَذَا مَلِكُ بَنِي الْأَصْفَرِ يَخَافُهُ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ وَاللَّهِ مَا زِلْتُ ذَلِيلًا مُسْتَيْقِنًا بِأَنَّ أَمْرَهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ قَلْبِي الْإِسْلَامَ وَأَنَا كَارِهٌ *رواه البخاري

الكذب عار وخير القول أصدقه والحق ما مسه من باطل زهقا

وكانت تلك سمات الصحابة الأطهار رضي الله عنهم فما عُهد عنهم كذب، حتى قال وَكِيع عن أحدهم: ((لَمْ يَكْذِبْ رِبْعِيُّ بْنُ حِرَاشٍ فِي الْإِسْلَامِ كَذْبَةً)) رواه الترمذي وهو صحيح.

ومن عجب ما روي في شأنه أن عريف الحجاج جاءه فقال له: أيها الأمير: إن الناس يزعمون أن ربعي بن حراش لم يكذب قط، وقد قدم ابناه من خراسان وهما عاصيان، فقال الحجاج: علي به، فلما

جاء قال: أيها الشيخ: قال: ما تشاء؟ قال: ما فعل ابناك؟ قال المستعان الله، خلفتهما في البيت، قال: لا جرم، والله لا أسوؤك فيهما، هما لك. وصدق من قال: الصدق منجاة.

ولا شك أن من أعظم الكذب على الله تعالى: {{فَمَنِ افْتَرَىَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [سورة آل عمران 3/94]، والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لَا تَكْذِبُوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَلِجِ النَّارَ” رواه البخاري. ومن هذا وذاك الفتاوى الشرعية التي تصدر بغير علم، يقول الله عز وجل محذرا الجريئين على الفتوى: {قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ} [سورة يونس 10/69].

والكذب في المنام فقد روى البخاري بسنده عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلْمٍ لَمْ يَرَهُ كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ وَلَنْ يَفْعَلَ وَمَنِ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ أَوْ يَفِرُّونَ مِنْهُ صُبَّ فِي أُذُنِهِ الْآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنْ صَوَّرَ صُورَةً عُذِّبَ وَكُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا وَلَيْسَ بِنَافِخٍ”.

وإنفاق السلعة بالحلف الكاذب فعَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: “ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، قُلْتُ: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ خَابُوا وَخَسِرُوا فَأَعَادَهَا ثَلَاثًا قُلْتُ مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ خَابُوا وَخَسِرُوا فَقَالَ الْمُسْبِلُ وَالْمَنَّانُ وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ أَوِ الْفَاجِرِ” رواه أبو داود بإسناد صحيح. والْمُسْبِلُ هو الذي يطيل ثوبه فوق الكعبين، وَالْمَنَّانُ هو الَّذِي لَا يُعْطِي شَيْئًا إِلَّا مَنَّهُ.

وكل ما يقوله الإنسان صغيرا كان أم كبيرا يخالف الواقع فهو داخل في معنى الكذب.

وللكذاب عقاب أليم في حياة البرزخ ويوم القيامة، فقد قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي قَالَا الَّذِي رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ فَكَذَّابٌ يَكْذِبُ بِالْكَذْبَةِ تُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الْآفَاقَ فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ” رواه البخاري

ويكفي الكاذب أنه محروم من هداية الله الواحد القهار: {إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار}.

عباد الله توبوا إلى الله واستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الأخرى /

الحمد لله أجل الثناء وأعظمه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصجبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد

فاتقوا الله عباد الله، ولنتناصح بأن نذر ما بقي من الكذب على ألسنتنا، ونطهرها بالذكر والصدق، وبذل المعروف.

ولكن لنعلم أن الكذب أصله حرام؛ لما فيه من الضرر البالغ على القائل والمخاطب أو على غيرهما، ولكنه يكره أحيانا ويندب أحيانا ويجب أحيانا ويباح أحيانا، في مواضع محددة من الشرع الحنيف.

فالمحرم: ما لا نفع فيه شرعا. والمكروه: ما كان جبرا لخاطر والد أو زوجة. والمندوب: ما كان لإرهاب أعداء الله في الجهاد؛ كأن يوهمهم بكثرة عدد المسلمين وعدتهم ليخيفهم. والواجب وهو ما كان لتخليص مسلم أو عرضه أو ماله من اعتداء ظالم عليه، والمباح ما كان للإصلاح بين الناس، كأن ينقل ثناء أحد الخصمين على الآخر عنده ويزيد فيه من أجل أن يقرب بينهم. 

ومن ذلك ما رواه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ إِلَّا ثَلَاثَ كَذَبَاتٍ ثِنْتَيْنِ مِنْهُنَّ فِي ذَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَوْلُهُ {إِنِّي سَقِيمٌ} [وذلك حتى يتركوه ويعذروه عن مشاركتهم في عيدهم الوثني]، وَقَوْلُهُ: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} [وذلك ليبين لهم عجز أصنامهم حتى عن النطق أو الدفاع عن أنفسهم]، وَقَالَ بَيْنَا هُوَ ذَاتَ يَوْمٍ وَسَارَةُ إِذْ أَتَى عَلَى جَبَّارٍ مِنَ الْجَبَابِرَةِ فَقِيلَ لَهُ إِنَّ هَا هُنَا رَجُلًا مَعَهُ امْرَأَةٌ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَنْهَا فَقَالَ مَنْ هَذِهِ قَالَ أُخْتِي فَأَتَى سَارَةَ قَالَ يَا سَارَةُ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مُؤْمِنٌ غَيْرِي وَغَيْرَكِ وَإِنَّ هَذَا سَأَلَنِي فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّكِ أُخْتِي فَلَا تُكَذِّبِينِي فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ ذَهَبَ يَتَنَاوَلُهَا بِيَدِهِ فَأُخِذَ فَقَالَ ادْعِي اللَّهَ لِي وَلَا أَضُرُّكِ فَدَعَتِ اللَّهَ فَأُطْلِقَ ثُمَّ تَنَاوَلَهَا الثَّانِيَةَ فَأُخِذَ مِثْلَهَا أَوْ أَشَدَّ فَقَالَ ادْعِي اللَّهَ لِي وَلَا أَضُرُّكِ فَدَعَتْ فَأُطْلِقَ فَدَعَا بَعْضَ حَجَبَتِهِ فَقَالَ إِنَّكُمْ لَمْ تَأْتُونِي بِإِنْسَانٍ إِنَّمَا أَتَيْتُمُونِي بِشَيْطَانٍ فَأَخْدَمَهَا هَاجَرَ فَأَتَتْهُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ مَهْيَا قَالَتْ رَدَّ اللَّهُ كَيْدَ الْكَافِرِ أَوِ الْفَاجِرِ فِي نَحْرِهِ وَأَخْدَمَ هَاجَرَ” رواه البخاري.

وقد نقل عن السلف أن في المعاريض مندوحة عن الكذب، وأراد بذلك أنه إذا اضطر الإنسان إلى الكذب فليورِّ أي ليقل مقالة يمكن تفسيرها بوجهين؛ الوجه الحقيقي الذي يعرفه المتكلم، والوجه الذي يمكن به دفع الضرر الذي يفهمه السامع.

قيل أن أحد السلف كان إذا طلبه من يكره أن يخرج إليه وهو في الدار قال للجارية: قولي له اطلبه في المسجد، ولا تقولي له ليس ههنا كي لا يكون كذبا.

وأما إذا لم يكن لذلك حاجة فلا.

الكذب مهانة لا تليق بالمؤمنين الصالحين:

لا يكذب المرء إلا من مهانته أو عادةِ السوءِ أو من قلةِ الأدب

ولا تصحب كاذبا فإن صحبته سراب، يحشو عقلك وشخصيتك بالهواء:

ودع الكذوب فلا يكن لك صاحبا إن الكذوب لبئس خلا يصحب

اللهم يا عزيز ياحكيم أعز الإسلام والمسلمين، وانصر إخواننا المجاهدين، وارفع البأس والظلم والجوع عن إخواننا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح ولاة أمورنا، ووفقهم لإصلاح رعاياهم، اللهم أيدهم بالحق وأيد الحق بهم، واجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولامضلين، سلما لأوليائك حربا على أعدائك.

اللهم بارك لنا فيما أعطيتنا، وأغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك، وأغننا برحمتك ياحي ياقيوم، واغفرلنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، واجعلنا من أهل جنة النعيم، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



اترك تعليقاً