بر الوالدين بالوقف

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي أعلى قدر الوالدين حتى جعله معطوفًا على حقه -عز وجل- في التوحيد، وأشهد ألّا إله إلا الله وحده لا شريك له كلنا له عبيد، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه.

أما بعد: فأوصيكم عباد الله بتقوى الله وطاعته، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:1.2].

أحبتي: أوَما سمعتم بخبر أويسٍ القرني! رجلٍ زكاه النبي  -صلى الله عليه وسلم- وهو لم يلقه ولا مرة في حياته، حتى تشوّقت نفوس كبار الصحابة لرؤيته، بل لطلب الاستغفار منه، كان عمرُ بنُ الخطابِ، إذا أتى عليه أمدادُ أهلِ اليمنِ، سألهم: أفيكم أُوَيسُ بنُ عامرٍ؟ حتى أتى على أُوَيسٍ. فقال: أنت أُوَيسُ بنُ عامرٍ؟ قال: نعم. قال: مِن مرادٍ ثم من قَرَنٍ؟ قال: نعم. قال: فكان بك برصٌ فبرأت منه إلا موضعَ درهمٍ؟ قال: نعم. قال: لك والدةٌ؟ قال: نعم. قال: سمعتُ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يقول: “يأتي عليكم أُوَيسُ بنُ عامرٍ مع أمدادِ أهلِ اليمنِ، من مرادٍ ثم من قرَنٍ، كان به برَصٌ فبرأ منه إلا موضع درهمٍ، له والدةٌ هو بها بَرٌّ. لو أقسم على اللهِ لأَبَرَّه. فإن استطعتَ أن يستغفرَ لك فافعلْ” فاستغفِرْ لي. فاستغفَر له. رواه مسلم.

الله أكبر! رجل لم يره النبي -صلى الله عليه وسلم- ويزكيه، فأي رجل هذا؟ وماذا كان يفعل حتى أصبح دعاؤه مجابًا؟ بل يحث النبي -صلى الله عليه وسلم- صحابته على طلب استغفاره؟ لماذا؟ نعم، لماذا؟.

قال العلماء: ما نال هذه المنزلةَ أويسُ بن عامر، وأنه لو أقسم على الله لأبره، إلا ببره بوالدته -رحمه الله-. قال البخاري: “باب من بَرَّ والديه أجاب الله دعاءه”.

كذلك البر ، كذلك البرّ ، قالها الرسول -صلى الله عليه وسلم- في حديث صحيح بدأه بقوله: “نمتُ فرأيتُني في الجنَّةِ فسَمِعْتُ صوتَ قارئٍ يقرأُ، فقُلتُ مَن هذا؟ فقالوا: هذا حارثةُ بنُ النُّعمانِ، فقالَ رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلَى آلِه وسلَّمَ-: “كذلكَ البِرُّ ، كذلكَ البِرُّ ، وَكانَ أبرَّ النَّاسِ بأمِّهِ” رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.

وتوضح عائشة -رضي الله عنها- بعض مظاهر هذا البر فتقول: كان رجلان من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبر من كانا في هذه الأمة بأمهم: عثمان بن عفان، وحارثة بن النعمان.
فأما عثمان: فإنه قال: ما قدرت أن أتأمل أمي منذ أسلمت. وأما حارثة: فإنه كان يفلي رأس أمه ويطعمها بيده، ولم يستفهمها كلامًا قط تأمر به حتى يسأل من عندها بعد أن يخرج: ما أرادت أمي؟.

البرُّ بالوالدين ليس حديث سمَّار، ولا ادعاء أخبار، ولكنه إيمان وعطاء، وتضحية وفداء، ودين ووفاء، يقول أحد الشباب: شبَّ حريق في بيتنا، فجئت والنار تشتعل، فوجدت زوجتي خارج المنزل تصرخ وتبكي، فسألتها عن أمي فقالت: أمك في الداخل، ولكنْ بنتاي هاهما، والدخان يحول بيني وبينهما، فأخرجهما ثم اذهب إلى أمك، فتركها وأخذ بطانية، ودخل إلى أمه وهو لا يحس بوهج نار، ولا سموم دخان، فأخذها ووضعها في حضنه وأطبق عليها بكلتا يديه، وأخرجها من النار، ولم يتنبه إلى النار التي احتوشت ظهره ومقدمة رأسه، بل طار فرحًا لما وجد أمه طيبة لم تمسها النار، ثم دخل إلى ابنتيه وأخرجهما حيتين، ودخل المستشفى يتعالج من حروق عديدة من درجات متفاوتة، فإذا بأمه ترفع يديها وتقول: اللهم اجعل ما أصابه من النار آخر ما يصيبه منها في الدنيا والآخرة.

لن يحبَّك مثل والديك، ولن يدعو لك قلب أخلص من قلبيهما، وإني لا أعرف أن الإنسان يمكن أن يعزى في فقده لوالديه أبدًا، بل هو فَقْدٌ شبيه بفقد الروح ذاتها:

أيا أمَّ الأسيرِ، سقاكِ غيثٌ *** إلى منْ بالفدا يأتي البشيرُ؟

إذا ابنكِ سارَ في برٍ وبحر *** فمنْ يدعو لهُ أو يستجيرُ؟

حرامٌ أن يبيتَ قريرَ عينٍ *** ولومٌ أنْ يلمَّ بهِ السرورُ

إلى منْ أشتكي ولمنْ أناجي *** إذا ضاقتْ بما فيها الصدورُ؟

بِأيّ دُعَاءِ دَاعِيَة ٍ أُوَقّى؟ *** بأيِّ ضياءِ وجهٍ أستنيرُ؟

ما تقدمه لوالديك سيعود إليك، ولكن مصحوبًا بالأجور المضاعفة، قال أحد الحجاج من الأردن: كنت موظفًا في إحدى الشركات فقدَّمت استقالتي فأعطوني حقوقي: ثلاثة ألف ومائتي دينار، وهو كل ما أملكه، فلما رجعت إلى البيت أخبرت والديَّ بهذه المكافأة من العمل، فقال لي والدي ووالدتي: نريد أن تدفع هذا المبلغ لأجل أن نحج، يقول: فدفعت المبلغ ووالله ما أملك غيره، وبعد أسبوعين رجع الوالدان من الحج، ودخلت في عمل آخر فاتصل بي مدير الشركة السابقة، وقال: لك مكافأة ولا بد أن تأتي لتستلمها، فذهبت فسلمني المدير شيكا بقيمة: ثلاثة ألف ومائتي دينار. المبلغ نفسه الذي دفعه لوالديه!.

وقد حدثني من أثق به أنه لا يحصي مثل هذا الموقف مع والديه، فما يقدم لهم هدية إلا ويُهدَى له مثلها، ولا يعطيهما عطاء إلا عوّضه الله مثله تمامًا أو خيرًا منه، وكم مرة بكى بكاء الأطفال وهو يرى هذه الآية كوضح الصباح.

حكى أنه تنازل عن وظيفة ذات مرتب عالٍ من أجل أمه، فدعت له بالخلف فعوَّضه الله بدلاً منها أحسن منها، وقدم لهما هدية مالية فما رجع إلا وابنته تنتظره بمثلها تمامًا، وأسرّ خاطرهما بسفر يحبانه، فما رأى إلا وفرصة عمل ميسر كوفئ عليه بالمبلغ الذي صرفه على سفر والديه بالتمام، والأمثلة أكثر من أن تُحصَر.

البرُّ عمل الأنبياء الأصفياء، ولقد هزتني -والله- كلمات ربي على لسان عيسى ابن مريم -عليه السلام- عندما تكلم في المهد، فكان من أول ما قال: (وَبَرَّاً بِوَالِدَتِي) [مريم:32]، طفل رضيع ويجري الله -تعالى- على لسانه ما أوصاه الله به من بر والدته مع ما آتاه من المعجزات والزبور!.

قال رجل للإمام الحسن البصري: إني قد حججت وإن أمي قد أذنت لي في الحج. فقال له: “لَقَعدة معها تقعدها على مائدتها أحب إليَّ من حجتك”. قال الحسن: “النظر إلى وجه الأم عبادة، فكيف ببرها؟!”. وقال الإمام محمد بن المنكدر: “بتُّ أغمز رجل أمي (يعني يضغطها لتخفيف ألمها)، وبات أخي عمر يصلي ليلته، فما تسرني ليلته بليلتي!”.

هكذا كان الأئمة والعلماء والأنبياء في الحرص الحثيث على بر أمهاتهم وآبائهم، فأين برنا من برهم؟!.

وما لي أقول قال فلان وفعل فلان، وهذا نبينا وقرة أعيننا محمد -صلى الله عليه وسلم- عندما مر على قبر والدته آمنة بنت وهب بالأبواء حيث دُفنت بين مكة والمدينة ومعه أصحابه وجيشه وعددهم ألف فارس عام الحديبية، إذا به يتوقف؛ ليزور قبر أمه، حتى بكى بأبي هو وأمي، وأبكى من حوله، وقال: “استأذنت ربي أن أستغفر لها فلم يأذن لي، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكّركم الآخرة”، رواه البغوي في شرح السنة، وأصله في صحيح مسلم. قال الله -تعالى-: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) [لقمان:14].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآي والذكر الحكيم. أقول هذا القول وأستغفر الله الجليل لي ولكم من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي جعل الدنيا مزرعة للآخرة، وفسح فيها من فضله ومنته أن جعل من أعمال المسلم ما لا ينقطع بموته وخروجه من الدنيا، بل جعل له أعمالاً تجري حسناتها له بعد وفاته.

وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله.

فلقد علم سلف هذه الأمة أن الدنيا قصيرة، وأنهم مهما عملوا فيها فإنها ستنقطع وتنتهي، فالتفتوا إلى أعمال لها خصوصية عظيمة، تلك هي الأعمال التي يبقى ثوابها بعد أن يرحل الإنسان من هذه الأرض، فتسابقوا إليها وتنافسوا فيها؛ فقد فقهوا قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له” رواه مسلم.

ومن الصدقة الجارية (الوقف) الذي ندب إليه الشارع الحكيم؛ لتحقيق مصالح عظيمة، وجعله قربة من القُرَب التي يتقرب بها إليه؛ ففي الحديث الحسن الذي رواه ابن ماجه: “إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته، بعد موته: علمًا نشره، وولدًا صالحًا تركه، ومصحفًا ورّثه، ومسجدًا بناه، أو بيتًا لابن السبيل بناه، أو نهرًا أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته، تلحقه من بعد موته” رواه ابن ماجة وحسنه الألباني.

وتقدم الصفُّ الأول من الصحابة لهذه الفضيلة؛ فكان لأبي بكر دُور بمكة فأوقفها على أولاده.

وعُمرُ أصاب أرضًا بخيبر فاستأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها فقال له: “إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها”، فتصدق بها عمر في الفقراء، وفي ذي القربى، وفي الرقاب، وفي سبيل الله، وابن السبيل والضيف. متفق عليه.

وقد أوقف عثمان بن عفان  أملاكه بخيبر على أولاده، كما سبّل بئر رومه لوجه الله -تعالى-. وها هي ذي الآن تنجب فندقًا ضخمًا، يتوقع بعد انتهائه أن يدر نحو خمسين مليون ريال كل عام.

وأوقف علي بن أبي طالب  عيونًا من الماء في ينبع. كما أوقف ضيعتين جاء في وقفها: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما تصدق به عبد الله عليٌّ أمير المؤمنين، تصدق بالضيعتين المعروفتين بعين أبي نيرز، والبغيبة، على فقراء المدينة وابن السبيل ليقي الله بهما وجهه حر النار يوم القيامة، لا تباعان ولا تورثان، حتى يرث الله الأرض وهو خير الوارثين، إلا أن يحتاج إليهما الحسن أو الحسين فهما طلق لهما وليس لأحد غيرهما. اهـ.

وتسابق الصحابة في وقف كثير من أموالهم وحبسها في أوجه الخير والبر. قال جابر -رضي الله عنه-: “فما أعلم أحدًا كان له مال من المهاجرين والأنصار إلا حبس مالاً من ماله صدقة مؤبّدة لا تُشترى أبدًا، ولا تُوهب، ولا تُورث”.

والوقف: هو تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة، وهو صدقة جارية يوقفها المرء ويسبّلها في حياته لوجوه الخير والبر، فيستمر أجرها مادامت باقية. وفي هذا عظيم المنفعة للواقف بإجراء حسنات له في حياته وبعد مماته، لما في ذلك من فضائل الوقف النافعة التي تعين على الخير والأعمال الصالحة، وتعين أهل العلم والعبادة، وتسد حاجات الفقراء والمساكين، والمرضى والمعوزين، وترفع راية الدين بنشر العلم النافع، وبناء المدارس ودور الأيتام.

وأفضل أنواع الصدقات أنفعها وأدومها، ولا يتأتى هذا إلا إذا كانت الصدقة مضمونة البقاء، تقوم على أساس، وتنشأ من أجل هدف محدد، وترمي إلى غاية شرعية خيرة. فأغراض الوقف ليست قاصرة على الفقراء والمساكين وحدهم، أو دور العبادة والعناية بها فحسب، بل تتعدى ذلك إلى أغراض أخرى مثل: دور العلم وتعليم القرآن، والمعاهد الشرعية، ومراكز إصلاح ذات البين، والمستشفيات، وغيرها كثير.

أخي الحبيب: ولا شك بأنه كلما كانت الحاجة إلى أمر، كان الوقف عليه أفضل، ولذلك فإني سأعرض عليك اليوم أمرًا بات الناس في أمس الحاجة إليه، وهو الوقف على تفريج الكرب، وتنفيس الهموم، ومعالجة المشكلات الناتجة عن الخلافات الأسرية، التي تؤدي إلى هدم البيوت، وتشتت الأسر، “ومن فرَّج عن مسلم كربة فرَّج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة” رواه مسلم.

في بلادنا يقع أكثر من أربعة وثلاثين ألف وستمائة حالة طلاق وفسخ وخلع في كل عام، وألوف البيوت تنهار في مجتمعنا، بسبب سوء الاختيار، أو التدخل السلبي للأهل، أو بسبب الجهل بأمور الزواج، والتهاون بعظم شأن الطلاق، وما ينتج عنه من حسرات في نفوس الزوجين وأهليهما، وربما قطيعة بين الجيران أو الأقارب، أو الأسر، بل ما قد يحدث من فشل في الحياة العملية، أو تربية الأولاد، ومن يراجع دور الأحداث، فسيجد أن أكثرهم من بيوت مفككة، وما ارتكبوا جرائمهم إلا لغياب الرقيب، أو لعدم ضبط تصرفاتهم في جو من الشحناء والاحتقان بين الزوجين.

وتعجب من انصراف الوقف في مجتمعنا إلى وقف الذرية فقط، مع أن أكثر هذه الأوقاف لا تصمد أكثر من جيل أو جيلين، ثم تتشتت بتكاثر المسؤولين عنها، حتى ضاع أكثرها، واندثر، وربما تداخل مع ممتلكات آخرين.

بينما لو أن هذا الوقف سُجل في جمعية خيرية، ووُضع له مجلس نظار، لدام بإذن الله -تعالى- قرونًا متطاولة بحفظ الله -تعالى-؛ لأنهم سيثمرونه، ويصونونه، ويستبْقون منه ما يبنيه بعد انتهاء مدة صلاحيته.

إخوتي في الله: إن الوقف الذي أدعوكم للمشاركة فيه في هذه الجمعة العظيمة عند الله، هو بر للوالدين سواء أكانا من الأحياء أم من الأموات، فلْتَنْوِهِ لأمك أو لأبيك أو لكليهما، أو لك معهما، كما شئت، ولكنها فرصة لنا جميعًا أن يكون لنا وقف ولو كان قليلاً، فمراكز التنمية الأسرية التي نشأت في بلادنا ليس لها مورد ثابت، وهي تقوم بأعمال عظيمة عند الله، شرَعَهَا وعظَّم أجرها، يقول الله -تعالى-: (لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء:114].

وميزتها أن نفعها عام، فأي شخص يمكن أن يستفيد منها، سواء لبناء أسرته، وزيادة خبرته بقيادة الأسرة، وحسن التعامل مع الطرف الآخر، شريك الحياة، أو لتربية أولاده، أو للاستشارة في مشكلة حدثت، أو لإصلاح ذات البين، حين تتفاقم القضية، فتصبح الأسرة على هوة الطلاق، لا قدر الله.

إن الإسهام في هذه المراكز لهو من أعظم العبادات، فهي تقوم بتأهيل الفقراء ذكورًا وإناثًا؛ لينتقلوا من حال الفقر إلى حال الغنى عن الناس. وتقوم على رعاية الأيتام في الشأن الذي لا يقوم به حتى من يكفلونهم؛ من رعاية نفسية، وبناء للثقة في النفس، واهتمام بتقدمهم في دراستهم، وتربيتهم على التفاؤل والطموح؛ حتى يكونوا لبنات صالحة مصلحة لأوطانهم، وتقوم بتأهيل الصم؛ ليكونوا قادرين على العمل.

لا شك بأنك إذا شاركت في هذا الوقف لوالديك بنية حسنة، فقد قصدت الفضائل الثلاث: صدقةً جارية، وعلمًا يُنتفع به، وولدًا صالحًا يدعو له. ووالداك يستحقان منك أكثر، وقد قدما لك كل شيء، وكانا يتمنيان توفيقك وثراءك ونجاحك في كل مراحل حياتك.

وأبشر بالأجر الوافر! وأذكرك بالاحتساب والإخلاص والسخاء في البذل، ولا تبغ عن ذلك بديلاً من الدنيا، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: لما قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة وأمر ببناء المسجد قال: “يا بني النجار: ثامنوني بحائطكم هذا؟”، فقالوا: والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله -تعالى-. متفق عليه.

وعن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “من حفر بئر رومه فله الجنة”. قال: فحفرتها. رواه البخاري.

(لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ) [آل عمران:92]، لقد فهم الصحابة -رضي الله عنهم- هذه الآية فهمًا عميقًا، حتى كان بعضهم ينظر فيختار أفضل ماله، وأحبه إليه فيتصدق به. فالمال مال الله، جعله في أيدينا لمنافع العباد، فلا يحق لنا أن نحتجزه دونهم، يقول -عليه الصلاة والسلام-: “إن لله أقوامًا يختصهم بالنعم لمنافع العباد، يقرهم فيها ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم، فحولها إلى غيرهم” حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة.

اللهم اجعل أنفاسنا في طاعتك، ووفقنا للعمل الصالح الذي يرضيك عنا ويقربنا إليك، وأيقظنا لتدارك بقايا الأعمال، ووفقنا للتزود من الخير والاستكثار.

اللهم…

يا عزيز يا حكيم أعز الإسلام والمسلمين وانصر إخواننا المجاهدين في كل مكان، وألّف ذات بينهم، وارفع البأس والظلم والجوع عن إخواننا المستضعفين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح ولاة أمورنا، ووفقهم لإصلاح رعاياهم، اللهم أيدهم بالحق وأيد الحق بهم، واجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، سلمًا لأوليائك حربًا على أعدائك. اللهم فك أسرى المسلمين، واقض الدين عن مدينيهم، واهد ضالهم، اللهم بارك لنا فيما أعطيتنا، وأغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك، وأغننا برحمتك يا حي يا قيوم، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين واجعلنا من أهل جنة النعيم برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله الطاهرين، وصحبه أجمعين، وعنا معهم برحمتك وفضلك  ومنك يا أكرم الأكرمين.