بعد عيد الأضحى

الخطبة الأولى

الحمد لله بشكره تزداد النعم، وبحوله تزول النقم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تفضل بالمغفرة لمن استغفر، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد..

فيا عباد الله أوصيكم بخير الوصايا، وصية الخالق سبحانه لخلقه، وصية الأنبياء لأممهم، خير لباس يشتمل به المؤمن { وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف: 26]. وخير زاد يتزود به {إِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة: 197]، بها طمأنينة النفس، وراحة القلب، يظل البشر في بيداء الشقاء تائهين حتى يهتدوا إليها، فتقر عيونهم، وتأنس أرواحهم، ويجدون ضالتهم، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70- 71].

عباد الله… بارك الله لكم في عيدكم، وتقبل منكم أعمالكم وأضاحيكم، وأسأل الله تعالى أن يعيدنا جميعًا إلى أمثاله، ونحن وإخواننا المسلمون في أمن وأمان، وصحة وسلامة، وأمتنا وهي ترفل في ثياب العزة والتمكين،… إنه جواد كريم.

نعم ها يوم العيد قد جاء، جاء لينقلنا من حياة طبيعية إلى حياة تزخر بمعاني الحب والإخاء الإيماني في يوم واحد..

يوم السلام والبشر والوفاء، وقول الإنسان المسلم لأخيه المسلم: تقبل الله منكم، محفوفًا بالدعوات المخلصة بدوام الصحة والخير.

يوم الثياب الجديدة على الجميع، إشعارًا بتجدد الروح والألفة، وزوال الوحشة بين القريب وقريبه، والصديق وصديقه، وتجديد صفحات بيضاء ناصعة نصاعة الثياب التي يتزين بها الناس في هذه الأيام.

يوم الزينة التي لا يُرَاد منها سوى إظهار نعمة الله على العبد، وامتثال أوامره، وإظهار أثرها على النفس ليكون الناس كلهم في يوم جميل، وفي يوم حب ومودة.

يوم تعم الناس ألفاظ الدعاء والتهنئة، مرتفعة بأمر إلهي فوق منازعات الحياة.

يوم يشعر فيه الجميع أنهم نفس واحدة، يبتسمون بصدق، ويتزاورون في الله، ويتهادون لحوم الأضاحي، يوم يوسّع فيه الرجل على عياله، ويتصدق مما أحب من ماله، وإذا لم يحمل عيدنا كل هذه المعاني فلنراجع أنفسنا؛ إذ لا معنى للعيد بدونها.

عباد الله.. إن الأضاحي وهي تذكّرنا بتسليم أبينا إبراهيم لربه بذبح ولده، تجعلنا نتساءل: كيف يتردد المسلم حين يؤمر بطاعة تزيد من قربه من الله سبحانه؟ وكيف لا يبادر في الانتهاء عن معصية ينهى عنها من أجل الله تعالى؟ أين التسليم الكامل لله تعالى؟ وأين أثر هذه الأضاحي التي نريق دماءها في كل عام على سلوكنا وعلاقتنا بالله تعالى؟

إن الاستجابة لأمر الله ونهيه فيما لا يتوافق مع هوانا ورغباتنا هو محك الصدق مع الله، أما أن نستجيب حين نشتهي، ونتردد أو لا نستجيب حين يتصادم الأمر والنهي مع نفوسنا الأمارة بالسوء، فهذا ما يخالف كمال التسليم لله خالقنا سبحانه.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [النساء: 65].

عباد الله.. توبوا إلى الله واستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الأخرى:

الحمد لله أهل الثناء والحمد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين..

أما بعد… فاتقوا الله عباد الله، واذكروه وكبّروه في هذه الأيام المباركات على ما هداكم، واحمدوه على النعم الجليلة والمواهب النبيلة، فإنها والله ما حُفظت النعم إلا بالشكر، وما ضُيِّعت إلا بالكفر.

فنعوذ بالله من أن نكون من قوم بدّلوا نعمة الله كفرًا وأحلوا قومهم دار البوار.

ونعوذ بالله من أن نكون من قوم أنعم الله عليهم بنعم فجعلوها أسبابًا إلى المعاصي، وطرقًا للشهوات والمخالفات.

وأكثروا من الصلاة والسلام على نبي الرحمة محمد بن عبد الله، كما أمركم الله بذلك جل وعلا فقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد، وآله الأطهار وصحبه الأبرار، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين المهديين من بعده أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن بقية الصحابة والتابعين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم يا مولانا نسألك في هذا اليوم المبارك أن تكتب العزة والتمكين لدينك وأوليائك وعبادك الصالحين.

اللهم تول بفضلك وحفظك وتأييدك وتسديدك ولي أمرنا، وارزقه البطانة الناصحة.

اللهم من نصر دينك وجندك فانصره، ولكن له معينًا وهاديًا ومسددًا، ومن كاد لدينك وأهله فاخذله يوم يحبُّ فيه النصر، واهزمه في نفسه وأنصاره، ورد كيده في نحره، واجعله غنيمة للإسلام والمسلمين.

اللهم كن لإخواننا المستضعفين في الأرض المباركة في فلسطين ضد أعدائك وأعداء دينك اليهود ومن عاونهم، وارحم اللهم المسلمين في كل صقع من أصقاع المعمورة، اللهم حفظ عليهم دينهم وأعراضهم ونفوسهم وأموالهم.

اللهم واحفظ حجاج بيتك من كل سوء، واخلف على من ناله الضرر منهم بجنة النعيم، إنك أنت السميع العليم.

اللهم اشف مرضاهم، واغفر ذنوبهم، وتقبل حجهم، وأعدهم إلى بلادهم موفورين من الأجر والصحة والغنيمة، وأشركنا معهم في الأجر والثواب، إنك أنت البر الرحيم.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.  



اترك تعليقاً