خطبة رمضان والدعاء

إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فهو المهتد، ومن يضلل؛ فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد فاتقوا الله عباد الله امتثالا لقوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119].

أيها الأحبة.. أيها الصائمون لله تعالى، القائمون بين يديه، الراغبون فيما في يديه..

بعد أن أورد الله تعالى في كتابه آيات الصيام، ونص على إعلاء شأن شهر رمضان، فقال جل وعلا: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} قال الرب ـ عز وجل ـ لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [سورة البقرة 2/186].

الدعاء.. قال عنه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ “الدُّعاءُ هوَ العبادةُ ثمَّ قال: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ  دَاخِرِينَ}”.

الدعاء بريدك إلى الله تعالى، وسبيل وصول حاجاتك إليه، تتكيء عليه روحك، وتعرج عبره عبراتك وهمومك، ” إنَّ ربَّكم حييٌّ كريمٌ يستحي من عبدِه إذا رفع يدَيْه أن يرُدَّهما صِفرًا” [صحيح].

أيها المؤمن تعبد بالدعاء، فليس ثمةَ شيءٌ يعجز الله في الأرض ولا في السماء، و”لا يردُّ القضاءَ إلَّا الدُّعاءُ، ولا يزيدُ في العمُرِ إلَّا البرُّ” [حسن صحيح].

تعبد بالدعاء، فلن تخسر دعوة واحدة، “ما من مسلمٍ يدعو بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ ولا قطيعةُ رحمٍ إلا أعطاه اللهُ بها إحدى ثلاثٍ: إما أنْ يُعجلَ له دعوتَه وإما أنْ يدخرَها له في الآخرةِ، وإما أنْ يدفعَ عنه من السوءِ مثلَها، قالوا: إذنْ نُكثرُ؟ قال: اللهُ أكثرُ.” [صحيح]، . و”إنَّ أبخلَ النَّاسِ مَن بخِل بالسَّلامِ وأعجَزَ النَّاسِ مَن عجَز عن الدُّعاءِ” [صحيح على شرط مسلم].

الدعاء نداء، وأي نداء؟! إنه التوجه إلى الله تعالى بطلب دفع ضر أو جلب خير، بل فسر الإمام الجهبذ محمد بن إسماعيل البخاري الدعاء بالايمان.

ادع الله في كل حال وعلى أية حال، قائما أو قاعدًا أو على جنبك، فأبواب الإجابة مفتوحة للسائلين، ولو أخذت للدعاء أهبته، وتأدبت بأدبه لكان خيرا وأحسن تأويلا: ومن آداب الدعاء: الوضوء، واستقبال القبلة، وبسط اليدين ورفعهما، وتقديم عمل صالح بين يدي الدعاء، وافتتاح الدعاء وختمه بالثناء على الله عز وجل والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وأن تسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى المناسبة لمطلوبك؛ فالرحيم ليرحمك، والغفور ليغفر لك، والجبار ليجبر كسر نفسك، وأن تظهر التوبة أمام الله وتعترف بذنبك، وأن تظهر الافتقار إلى الله والشكوى إليه، والإخلاص في الدعاء، وحضور القلب، فليس جميلا أن يكون العبد غافلا وهو يرفع يديه إلى مولاه وهو يرجو إجابته، وأن يتحرى في دعائه الأوقات الفاضلة. واحرص ـ أخي الحبيب ـ على اختيار الأدعية المأثورة، وجوامع الدعاء، تتلوها بين يدي ربك في تأدب وخضوع وتذلل وخشوع لله عز وجل، بل وإلحاح وتكرار.

أيها الموفق، ومن أجل أن يكون دعاء المؤمن قربة مقبولة، يوقن فيه بالإجابة، فإنه يحرص على أن يتوقى كل ما قد يمنع الإجابة، من أكل الحرام، أو الدعاء بإثم أو قطيعة رحم، وألا يتعدى في الدعاء فيتجاوز المشروع، وألا يستعجل الإجابة، وألا يسأل غير الله تبارك وتعالى، وأن يجعل الداعي صوته بين المخافتة والجهر، مبتعدًا عن الشرك في الدعاء بدعاء غير الله معه، أو التوسل بخلق من خلقه.

وله أن يتوسل بعمل صالح يرجو قبوله عند الله تعالى، ممتلئا بحسن الظن بالله، مستشعرًا عظمة من يدعوه عز وجل، قال الله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}.

بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآي والذكر الحكيم، أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الكريم المنان، ذي العفو والغفران، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا أما بعد، فاتقوا الله عباد الله، واعلموا بأن للدعاء أوقاتا وأحوالا يكون الغالب فيها الاستجابة وهي: وقت السحر، وهو وقت يكون الصائم فيه مستيقظا لعبادة السحور المبارك، {وبالأسحار هم يستغفرون}، ووقت الفطر، “ إنَّ للصائمِ عندَ فِطرِه لَدعوةً ما تُرَدُّ، قال سمِعتُ عبدَ اللهِ يقولُ عندَ فِطرِه: اللهم إني أسألُكَ برحمتِكَ التي وسِعَتْ كلَّ شيءٍ أن تغفِرَ لي – زاد في روايةٍ : ذُنوبي”. ومابين الأذان والإقامة، وعند جلسة الخطيب بين الخطبتين إلى أن يسلم من الصلاة، وعند نزول الغيث/ المطر، وعند التقاء الجيش في سبيل الله، وفي الثلث الأخير من الليل، وفي حالة السجود؛ ففي صحيح مسلم: “أقرَبُ ما يكونُ العَبدُ مِن رَبِّه وهو ساجِدٌ. فأكثِروا الدُّعاءَ”، ودبر الصلوات المكتوبات، قبل السلام، وحالة السفر والمرض، وليلة القدر، وساعة الجمعة، وأحراها بالقبول: عصرا قبل الغروب، وعند شرب ماء زمزم بنية صادقة، ودعاء يوم عرفة، وأوقات الاضطرار؛ {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} [سورة النمل 27/62].

وفي صحيح البخاري: “من تَعَارَّ من الليلِ فقال: لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، لهُ المُلْكُ ولهُ الحمدُ، وهوَ على كلِّ شيٍء قديرٌ، الحمدُ للهِ، وسبحانَ اللهِ، ولا إلهَ إلَّا اللهُ، واللهُ أكبرُ، ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ، ثم قال: اللهمَّ اغفرْ لي، أو دعا، استُجِيبَ لهُ، فإن توضَّأَ وصلَّى قُبِلَتْ صلاتُهُ”.

وعند الدعاء في المصيبة بـ: ” إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منها ” وقد رأى الموفقون فيها أحولا من الناس عجيبة، ولا عجب من أمر الله وقدرته.

أيها المبارك، وعليك بالدعاء حالة إقبال قلبك على الله، وشعورك باشتداد الإخلاص، واحذر من دعوة المظلوم؛ فليس بينها وبين الله حجاب، ومن أعظم الدعاء، دعاء الوالد لولده، ودعاء الوالد على ولده، فلنكثر من الأولى، ولنحذر من الثانية، ففي الحديث الصحيح: “لا تدْعوا على أنفُسِكم ولا تدعوا على أولادِكم، و لا تدْعوا على أموالكم، لا توافِقوا من اللهِ ساعةً يُسأَلُ فيها عطاءٌ، فيَستجيبُ لكم”. ودعاء الإمام العادل؛ لعظم منزلته عند الله تعالى، دعاء الولد البار بوالديه، والدعاء عقب الوضوء إذا دعا بالمأثور في ذلك. وهو ” أشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ” فمن قال ذلك فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء، والدعاء بعد رمي الجمرة الصغرى، والدعاء بعد رمي الجمرة الوسطى، والدعاء داخل الكعبة، ومن صلى داخل الحجر فهو من البيت، والدعاء في الطواف، والدعاء على الصفا، والدعاء على المروة، والدعاء بيت الصفا والمروة، والدعاء في الوتر؛ وخاصة في ليالي العشر الأواخر من رمضان، والدعاء في العشر الأول من ذي الحجة وخاصة يوم عرفة، والدعاء عند المشعر الحرام ويقصد به مزدلفة.

والمؤمن يدعو ربه أينما كان وفي أي ساعة، ولكن هذه الأوقات والأحوال والأماكن تخص بمزيد عناية، فإنها مواطن يستجاب فيها الدعاء بإذن الله تعالى.

والدعاء كما يصل للحي فإنه يصل للميت، فأكثروا من الدعاء لأمواتكم، فقد انقطعت أعمالهم إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد أو حبيب يدعو لهم.

ولأدعية القرآن أسرار، فانهل منها ما شئت، ومن أعظمها وأجمعها: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}.

اللهم يا مولانا.. يا الله.. يا الله.. يا الله.. يا خالق الخلق وبارئ الأنسام، يا مبدئ يا معيد، ياذا الحبل الشديد والأمر الرشيد، نسألك مسألة الضعفاء المفتقرين إلى عظمتك وقدرتك، ونبتهل إليك ابتهال المذنبين الخائفين من أليم عقابك، ونسترحمك بواسع برك ومنك، يا من أمرُ الكون كله بيده، وقلوب العباد بين أصبعين من أصابعه، من يقول للشيء كن فيكون، نسألك في هذا اليوم المبارك، وفي هذه الساعة العظيمة، وفي بيت من بيوتك، وبأيد طاهرة متوضئة راجية رحمتك، أن ترحمنا برحمتك، وتتقبل منا ما وفقتنا إليه من الطاعات، وأن تمن علينا بالفرج بعد الكرب، وباليسر بعد العسر، وبالأمن بعد الخوف. اللهم اجمع شملنا، ولمَّ شعثنا، وآمن روعتنا، يقيننا عظيم في عطائك وبرك وإحسانك، يا جواد يا كريم.

اللهم آمنا في الأوطان والدور، وادفع عنا الفتن والشرور، واحفظ وأصلح لنا ولاة الأمور، وأصلح بهم رعاياهم يا رحيم يا غفور، اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين ووليَّ عهده وأعوانهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى.

اللهم انصر دينك وكتابك والمجاهدين في سبيلك في حدنا الجنوبي وفي كل مكان، اللهم من أرادنا وبلادنا والمسلمين بسوء فأشغله في نفسه، واجعل دائرة السوء عليه. وآذنه بحربك، وأنزل به مقتك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، ربنا اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين يا أرحم الراحمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.