فتنة المسيح الدجال

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبد ورسوله صلى الله عليه وعلى آله الأطهار وأصحابه الأبرار، أما بعد

عباد الله أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله وطاعته، استجابة لأمر الله جل وعلا: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}.

أيها الإخوة المؤمنون:

قضى ربنا عز وجل أن يجعل بين يدي الساعة علامات صغرى وعلامات كبرى، أفصح عن بعضها ربنا عز وجل في كتابه، ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في سنته، ومن ذلك ما ورد في حديث صحيح رواه الإمام مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة من حديث حذيفة بن أسيد الغفاري رضي اللـه عنه قال: اطلع علينا النبي – صلى الله عليه وسلم ـ ونحن نتذاكر فقال: “ما تذاكرون؟” قلنا: نذكر الساعة قال: “إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات، فذكر الدُّخان، والدَّجال، والدابَّة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى بن مريم، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسفٍ بالمشرق، وخسفٍ بالمغرب، وخسفٍ بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم”.

وكان ذِكرُ المصطفى – صلى الله عليه وسلم ـ هذه العلاماتِ بغير هذا الترتيب في روايات أخرى صحيحة، والذي يترجح من الأخبار كما قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري): أن خروج الدجال هو أول الآيات العظام المؤذنة بتغير الأحوال العامة في معظم الأرض، وينتهي ذلك بموت عيسى بن مريم، وأن طلوع الشمس من المغرب هو آخر الآيات العظام المؤذنة بتغير الأحوال؛ وينتهي ذلك بقيام الساعة، ولعل خروج الدابة يقع في نفس اليوم الذي تطلع فيه الشمس من المغرب، واللـه أعلم.
صح من حديث أنس – رضي الله تعالى عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم ـ قال: “الأمارات (أي العلامات الكبرى) خرزات منظومات في سلك، فإن يقطع السلك يتبع بعضها بعضا”[رواه أحمد والحاكم في مستدركه وصححه على شرط مسلم وأقره الحاكم والذهبي والألباني].
الدَّجال أعظم فتنة على وجه الأرض، وقد سمي بالمسيح لأن عينه ممسوحة قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: “الدجال ممسوح العين” [رواه مسلم]، وسُميَ الدَّجالَ لأنه يغطى الحقَّ بالكذب والباطل؛ فهذا دجل.

قال الرؤوف الرحيم بأمته – صلى الله عليه وسلم ـ: “إنها لم تكن فتنة على وجه الأرض منذ ذرأ اللـهُ ذريةَ آدم أعظمَ من فتنة المسيح الدجال، ولم يبعث اللـه نبيا إلا وقد أنذر قومه الدجال، وأنا آخر الأنبياء، وأنتم آخر الأمم، وهو خارجٌ فيكم لا محالة، فإن يخرج الدجال وأنا بين أظهركم فأنا حجيج لكل مسلم، وإن يخرج الدجال من بعدي فكل امرئ حجيجُ نفسه، واللـه خليفتي على كل مسلم”. [ رواه ابن ماجه في سننه وابن خزيمة في صحيحه والحاكم في المستدرك وصحح الحديثَ الشيخُ الألباني من حديث أبي أمامة الباهلي].

أحبتي في اللـه: ولقد وصف النبي – صلى الله عليه وسلم ـ الدجال وصفًا دقيقًا محكمًا، وبين لنا فتنته بيانًا شافيا؛ حتى لا يغترَّ بالدجال أحدٌ من الموحدين باللـه رب العالمين، “فقال: إني لأُنذركموه، وما من نبي إلا وقد أنذر قومه الدجال، ولقد أنذر نوح قومه، ولكن سأقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه، ألا فاعلموا أنه أعور وأن اللـه ليس بأعور”. [رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي من حديث ابن عمر رضي اللـه عنهما]. جل ربنا عن الشبيه، وعن النظير، وعن المثيل، لا كفءَ له، ولا ضدَّ له، ولا نِدَّ له، ولا شبيه له، ولا زوجَ له، ولا ولدَ له: {لَيسَ كَمثْلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}. ثم قال المصطفى عليه الصلاة والسلام: “الدجال ممسوح العين، مكتوب بين عينيه كافر، يقرأه كل مسلم” [رواه مسلم].

ماذا تريد بعد ذلك من الرحمة المهداة والنعمة المسداة من الذي قال ربه في حقه: {بالمُؤمِنِينَ رَؤوفٌ رَحِيمٌ}. الذي يسوق بيانه لهذه الفتنة ممزوجا بالحب والرحمة لهذه الأمة، فمرة يقول: “والله خليفتي على كل مسلم”، ومرة يقول: “سأقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه”. صلى الله عليك يا رسول الله، أشهد أنك أديتَ الأمانة، وبلغتَ الرسالة، ونصحتَ الأمة، وجاهدت في الله حق جهاده، فجزاك عن أمتك خير ما يجزي نبيا عن نبيه.

تدبر معي هذا المطلع العجيب من حديث الرسول – صلى الله عليه وسلم ـ : “لَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا مَعَ الدَّجَّالِ مِنْهُ، مَعَهُ نَهْرَانِ يَجْرِيَانِ: أَحَدُهُمَا رَأْيَ الْعَيْنِ مَاءٌ أَبْيَضُ، وَالْآخَرُ رَأْيَ الْعَيْنِ نَارٌ تَأَجَّجُ، فَإِمَّا أَدْرَكَنَّ أَحَدٌ فَلْيَأْتِ النَّهْرَ الَّذِي يَرَاهُ نَارًا، وَلْيُغَمِّضْ، ثُمَّ لْيُطَأْطِئْ رَأْسَهُ فَيَشْرَبَ مِنْهُ؛ فَإِنَّهُ مَاءٌ بَارِدٌ، وَإِنَّ الدَّجَّالَ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ، عَلَيْهَا ظَفَرَةٌ غَلِيظَةٌ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ، يَقْرَأهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ كَاتِبٍ وَغَيْرِ كَاتِبٍ” [ رواه مسلم ].

وفى رواية أخرى: “يخرج الدجال وإن معه ماءً ونارًا، فما يراه الناس ماءً فهي نار تحرق، وما يراه الناس نارًا فهو ماء بارد عذب”، [رواه مسلم].

وفي حديث النواس بن سمعان رضي اللـه عنه أنه قال: سأل الصحابة رسول اللـه – صلى الله عليه وسلم – عن المدة التي سيمكثها الدجال في الأرض، فقال الحبيب صلى الله عليه وسلم: “أربعون يومًا، يومٌ كسنة، ويومٌ كشهر، ويومٌ كجمعة، وسائر أيامه كسائر أيامكم”، قلنا: يا رسول اللـه اليوم الذي كسنة تكفينا فيه صلاة يوم وليلة؟ قال: “لا، اقدروا له قدره” [ رواه مسلم ]، يعنى صلوا الفجر وعدوا الساعات التي كانت قبل ذلك بين الفجر والظهر، وصلوا الظهر، وعدوا الساعات التي كانت بين الظهر والعصر وهكذا، يحدثهم نبيهم عن فتنة عظيمة، لكنها لا تذهلهم عن صلاتهم التي أحبوها، وعشقوا أداءها، فيسألونه كيف يحافظون على أدائها في أوقاتها، ألا فليراجعوا أنفسهم أولئك الذين ينامون عن صلواتهم، ويؤخرونها عن أوقاتها المشروعة، قبل أن يأتي يوم عظيم، يوم يقوم الناس لرب العالمين، ويسألون أول ما يُسألون عن الصلاة!!

فسأل الصحابة رسول اللـه صلى الله عليه وسلم: وما سرعتُه في الأرض؟! فقال: “يمكث في الأرض أربعين ليلة فيمر على الأرض كلها؟ سرعته كالغيث استدبرته الريح” يعنى يمر في كل أرجاء وأنحاء الأرض.

ثم قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: “يأتي الدجال على قوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون، فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم أطولَ ما كانت ذرًا وأسبغه ضروعًا وأمدَّه خواصر”.

فتنة رهيبة!! ثم ينطلق الدجال إلى قوم آخرين فيقول لهم: أنا ربكم. فيقولون: لا ويكذبونه يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: “ويمرُّ بالخَرِبَة فيقول لها: أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل” أي جماعات النحل ثم تزداد الفتنة!! يقول النبي – صلى الله عليه وسلم ـ  ثم يدعو رجلا ممتلئا شبابا، فيضربه بالسيف، فيقطعه جزلتين، فيمشى الدجال بين القطعتين أمام الناس ويقول للشاب: قم، فيستوي الشاب حيا بين يديه!!

وفى رواية أبي سعيد الخدري في صحيح مسلم يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: “فيخرج إليه شاب فتلقاه المسالح، مسالح الدجال (أي أتباعه من اليهود الذين يحملون السلاح) فيقولون له: أين تعمد؟ فيقول: إلى هذا الذي خرج (أي إلى الدجال) فيقولون له: أولا تؤمن بربنا؟ فيقول: ما بربنا خفاء، أي لو نظرتُ إلى الدجال سأعرفه! فيقولون: اقتلوه، فيقول بعضهم لبعض: أو ليس قد نهانا ربنا أن نقتل أحدًا دونه، فينطلقون بهذا الرجل المؤمن إلى الدجال، فإذا نظر المؤمن إليه قال: أيها الناس! هذا المسيح الدجال الذي ذكره لنا رسول اللـه – صلى الله عليه وسلم ـ يقول المصطفى: “فيأمر الدجال به فيشج، فيقول: خذوه وشُجُّوه، فيوسع ظهره وبطنه ضربا، قال: فيقول: أما تؤمن بي؟ فيقول: أنت المسيح الكذاب. قال: فيؤمر به فينشر بالمنشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه، قال: ثم يمشى الدجال بين القطعتين، ثم يقول له: قم، فيستوي قائما، قال: ثم يقول له: أتؤمن بي؟ فيقول: ما ازددت فيك إلا بصيرة؟ قال: ثم يقول: يا أيها الناس: إنه لا يفعل بعدي بأحد من الناس، قال: فيأخذه الدجال ليذبحه فيُجعل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاسا، فلا يستطيع إليه سبيلا، قال: فيأخذ بيديـه ورجليه فيقذف به، فيحسب الناس أنما قذفه في النـار وإنما ألقي في الجنة”، فقال رسول اللـه صلى الله عليه وسلم: “هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين”.
وإليك هذا الحديث العجيب عن فتنة الدجال، حين قضى رسول الله – صلى الله عليه وسلم ـ  صلاته جلس على المنبر وهو يضحك فقال: “أيها الناس ليلزم كل إنسان مصلاه”، ثم قال: “أتدرون لم جمعتكم؟”، قالوا: اللـه ورسوله أعلم. فقال رسول اللـه صلى الله عليه وسلم: “أما إني واللـه ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة، ولكن جمعتكم لأن تميمًا الداري كان رجلا نصرانيًا فجاء فبايع وأسلم، وحدثني حديثا وافق الذي كنت أحدثكم عن المسيح الدجال، حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلا من لخم وجذام [قبيلتين عربيتين مشهورتين] فلعب بهم الموج شهرا في البحر ثم أرفأوا [أي أنهم أووا] إلى جزيرة في البحر حتى مغرب الشمس، فجلسوا في أقرب السفينة فدخلوا جزيرة فلقيتهم دابة أهلب [غليظ الشعر خشنة]  كثير الشعر لا يدرون ما قُبُلُه من دُبُرِه، فقالوا: ويلكِ، من أنتِ؟ قالت: أنا الجسَّاسة، قالوا: وما الجسَّاسة، قالت: أيها القوم انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق، فلما سَمَّت لنا رجلا فَرَقْنا منها أن تكون شيطانة، قال: فانطلقنا سراعا حتى دخلنا الدير، فإذا أعظمُ إنسان رأيناه قط خَلْقا، وأشدُّه وثاقا، مجموعةٌ يداه إلى عنقه، ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد، قلنا: ويلك ما أنت؟ قال: قد قدرتم على خبري، فأخبروني: ما أنتم؟ قالوا: نحن أناس من العرب، ركبنا في سفينة بحرية، فصادفنا البحر حين اغتلم، فلعب بنا الموج شهرا، ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه، فجلسنا في أقربها فدخلنا الجزيرة فلقيتنا دابة أهلب كثير الشعر لا ندرى ما قُبُلُه من دُبُره من كثرة الشعر فقلنا: ويلكِ ما أنتِ؟ فقالت: أنا الجساسة، قلنا: وما الجساسة؟ قالت: اعمدوا إلى هذا الرجل الذي في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق فأقبلنا إليك سراعا، وفــزعنا منها، ولم نأمن أن تكون شيطانة، فقال: أخبروني عن بيسان قلنا: وعن أي شأنها تستخبر؟ قال: أسألكم عن نخلها هل يثمر؟ قلنا له: نعم، قال: أما إنه يوشك ألا يثمر، قال: أخبروني عن بحيرة طبرية، قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل فيها ماء؟ قالوا: هي كثيرة الماء، قال: أما إن ماءها يوشك أن يذهب، قال: أخبروني عن عين زغر، قالوا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا له: نعم، هي كثيرة الماء، وأهلها يزرعون من مائها، قال: أخبروني عن نبي الأميين، ما فعل؟ قالوا: قد خرج من مكة ونزل يثرب، قال: أقاتله العرب؟ قلنا: نعم، قال: كيف صنع بهم؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه، قال لهم: قد كان ذلك؟ قلنا: نعم، قال أما إن ذاك خيرًا لهم أن يطيعوه، وإني مخبركم عني، أنا المسيح، وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج، فسأخرج فأسير في الأرض، فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة، غير مكة وطيبة فهما محرمتان عليَّ كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحـدة، أو واحدا منهما، استقبلني مَلَكٌ بيده السيف صلتا يصدني عنها، وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها”، قالت: قال رسول اللـه – صلى الله عليه وسلم ـ : وطعن بمخصرته في المنبر، “هذه طيبة..  هذه طيبة” يعني: المدينـة، “ألا هل كنت حدثتكم عن ذلك؟”، فقـال النـاس: نعم، قال: “فإنه أعجبني حديث تميم لأنه وافق الذي كنت حدثتكم عنه وعن المدينة ومكة، ألا إنه في بحر الشام أو بحر اليمن، لا بل من قبل المشرق، ما هو؟ من قبل المشرق ما هو؟، وأومأ بيده إلى المشرق”. [رواه مسلم وأبو داود والترمذي وغيرهم من حديث تميم الداري رضي اللـه عنه من حديث فاطمة بنت قيس عن تميم الداري].

أيها المسلمون: والسؤال الذي لابد أن يطرح في هذا المجال هو: هل سيُقتلُ الدجال؟! ومن الذي سيقتله؟ هذا ما ستجيب عنه الأحاديث الصحاح في الخطبة الثانية إن شاء الله تعالى

اللهم إنا نسألك ـ باسمك الأعظم الذي إذا دعيت به أجبت وإذا سئلت به أعطيت أن تقينا جميعا ووالدينا والمسلمين فتنة المسيح الدجال وكل فتنة وبلاء وشر.

عباد الله توبوا إلى الله واستغفروه، وادعوه وأنتم موقنون بالإجابة.

 

الخطبة الأخرى :

الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما كثيرا أما بعد فاتقوا الله عباد الله واعلموا أنه من رحمة الله تعالى أن الدجال سيقتل، والذي سيقتله عيسى بن مريم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام فقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : “بينما إمام المسلمين يصلى بهم الصبح في بيت المقدس إذا نزل عيسى بن مريم، فإذا نظر إليه إمام المسلمين عرفه، فيتقهقر إمام المسلمين لنبي اللـه عيسى ليصلى بالمؤمنين – من أتباع سيد النبيين محمد – فيأتي عيسى عليه السلام ويضع يده في كتف إمام المسلمين ويقول: لا، بل تقدم أنت فصلِّ فالصلاة لك أقيمت”، وفي لفظ “فإمامكم منكم يا أمة محمد، ويصلى نبيُّ اللـه عيسى خلف إمام المسلمين لله رب العالمين، فإذا ما أنهى إمام المسلمين، قام عيسى وقام خلفه المسلمون، فإذا فتح عيسى باب بيت المقدس، رأى المسيح الدجال، معه سبعون ألف يهودي معهم السلاح، فإذا نظر الدجال إلى نبي اللـه عيسى ذاب كما يذوب الملح في الماء، ثم يهرب فينطلق عيسى وراءه فيمسك به عند باب لد في فلسطين، فيقتله نبي اللـه عيسى ويستريح الخلق من شر الدجال”. [رواه ابن ماجه في سننه والحاكم في المستدرك وصحح الحديث الألباني من حديث أبي أمامة الباهلي].

ويبقى هنا سؤال آخر: ما السبيل إلى النجاة من فتنته؟

الإجابة أيها الأحبة في هذه الأحاديث الشريفة: ففي الحديث الصحيح قال صلى الله عليه وسلم: “من حفظ عشرَ آيات من سورة الكهف عُصِم من فتنة الدجال” [رواه ابن ماجه في سننه والحاكم في مستدركه وصححه الألباني ]، وفى لفظ: “من حفظ عشر آيات من أوائل سورة الكهف عصم من فتنة الدجال”. وفى لفظ: “من حفظ عشر آيات من أواخر سورة الكهف عصم من فتنة الدجال”.

فلنحفظها، وليحفظ كل أهلنا ولو عشر آيات منها؟!

إن النجاة الكبرى من كل الفتن في الدنيا والآخرة هي أن ُتوحد اللـه جل وعلا وتعرف معنى كلمة: (لا إله إلا اللـه)، فهذا هو أصل الأصول، وبرُّ الأمان لكل مؤمن يريد الأمان حقا في الدنيا والآخرة. ألم يقل لك المصطفى بأنه لا يقرأ كلمة كافر بين عيني الدجال إلا مؤمن موحد للكبير المتعال، واعلم يقينا بأن الإيمان ليس كلمة يرددها لسانك فحسب، بل الإيمان قول باللسان وتصديق بالجنان “يعنى القلب” وعمل بالجوارح والأركان، فاتق الله في النية والعمل والاتباع. وقد قال الحسن رحمه الله تعالى: “ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل، فمن قال خيراً وعمل خيراً قبل منه ومن قال خيراً وعمل شراً لم يقبل منه”. 

قال اللـه تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللـه ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ صورةنَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ صورةنُزُلا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} [فصلت:30-33].

اللهم يا عزيز يا حكيم أعز الإسلام والمسلمين وانصر إخواننا المجاهدين في الحد الجنوبي وفي كل مكان، وارفع البأس والظلم والجوع عن إخواننا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح ولاة أمورنا، ووفقهم لإصلاح رعاياهم، اللهم أيدهم بالحق وأيد الحق بهم، واجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، سلما لأوليائك حربا على أعدائك.

اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده لكل ما فيه صلاح ورفاه البلاد والعباد، وأتم على هذه البلاد وسائر بلاد المسلمين نعمتي الأمن والإيمان، إنك سميع مجيب الدعاء.

اللهم فك أسر المأسورين، واقض الدين عن المدينين، واهد ضال المسلمين، وهيء لأمة الإسلام أمرًا رشدا يعز فيه أهل طاعتك، ويهدى فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر. اللهم بارك لنا فيما أعطيتنا، وأغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك، وأغننا برحمتك يا حي يا قيوم، واغفر لنا ولوالدينا ووالديهم، ولجميع المسلمين واجعلنا من أهل جنة النعيم برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.