فضائل صيام التطوع .. وفضل صيام ثلاثة أيام من كل شهر

فضائل صيام التطوع

وفضل صيام ثلاثة أيام من كل شهر

الخطبة الأولى:

اللهم لك الحمد ملأت قلوب العارفين بك محبة لك، ولك الحمد جعلت حياتهم شوقًا إليك، ولك الحمد عجَّلت لهم من نعيم جنانك ما يجدونه من سعادة في تعبُّدهم لعظمتك، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُك ورسولك، وصفيك من خلقك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا معاشر المؤمنين إن الله تعالى يقول: {وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [البقرة: 189]، فالتقوى سرُّ الفلاح في الدنيا والآخرة، والوصول إليها ميسور على مَن يسَّره الله له، ومن ذلك التعبُّد التطوعي الخاص، الذي يطير بجناحي الإخلاص والاتباع، يقول الله جل جلاله في الحديث القدسي: “من عادَى لي وليًّا فقد آذنتُه بالحربِ، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ ممَّا افترضتُ عليه، وما يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافلِ حتَّى أُحبَّه، فإذا أحببتُه: كنتُ سمعَه الَّذي يسمَعُ به، وبصرَه الَّذي يُبصِرُ به، ويدَه الَّتي يبطِشُ بها، ورِجلَه الَّتي يمشي بها، وإن سألني لأُعطينَّه، ولئن استعاذني لأُعيذنَّه، وما تردَّدتُ عن شيءٍ أنا فاعلُه ترَدُّدي عن نفسِ المؤمنِ، يكرهُ الموتَ وأنا أكرهُ مُساءتَه” (رواه البخاري 6137).

ولقد أشرت في خطبتين سابقتين عن وصيتين من وصايا ثلاث أوصى بها المصطفى صلى الله عليه وسلم صاحبه أبا ذر، فقال: “أوصاني حَبيبي بثلاثَةٍ لا أدعُهُنَّ إِن شاءَ اللَّهُ تعالى أبدًا؛ أوصاني بِصَلاةِ الضُّحى، وبالوترِ قبلَ النَّومِ، وبصيامِ ثلاثةِ أيَّامٍ من كلِّ شَهرٍ” (حديث صحيح رواه النسائي، وأصله في صحيح البخاري 1981، ومسلم برقم 721).

 فماذا فعلت يا أخي الحبيب بوصيتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بلغتاك: صلاة الضحى، وصلاة الوتر؟ بقدر الحب تكون الطاعة والاستجابة، ألا تحب بأن تكون من أولياء الله الصالحين؟!

وفي هذه الخطبة أُضيف إلى رصيد مُرتقاك إلى بارئك الوصية الثالثة: صيام التطوع، وأقله ثلاثة أيام في الشهر كله تنال به أجر صيام السنة كلها؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها، فثلاثة أيام بشهر، فإذا داومت على ذلك فكأنك صمت السنة كلها، فإذا داومت على ذلك كل سنة، فكأنك صمت العمر كله لله تعالى.

أخي الحبيب: إن من رحمة الله – تعالى – بعباده أن شرَع لهم مع كل فريضة نافلة من جِنسها؛ لتكون جابرة لما قد يكون وقع فيها من خلل، ومُتمِّمة لما قد يكون فيها من نقص، ومن ذلك الصيام؛ فقد شرع الله بعد فرضه نوافل متنوعة، في مناسبات مختلفة؛ ليَغتنمِوا الفرص للتقرُّب إليه – سبحانه – بما يُناسبهم ويسهل عليهم، في أيام السنَة.

ومن رعاية الله تعالى بعباده أن شرع لهم الفرائض، وما يماثلها من التطوع؛ وذلك لنيل الأجر، وترقيع الخلل الناتج عن عدم إتقان الفرائض، فالتطوع تُكمل به الفرائض، ويُتقرب بها إلى الرب جل وعلا. قال الله تعالى: {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ} [البقرة: 184].

وللصوم أجر عظيم لا يعلم بعظمته إلا الله تعالى، فالله عز وجل هو فقط مَن يجزي به، قال صلى الله عليه وسلم: “كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال الله تعالى: “إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به؛ يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي” (رواه مسلم: 1942).

وقال عز من قائل: {وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ}(سورة غافر: 40).

قال الإمام أحمد: “الصيام أفضل ما تُطُوِّع به لأنه لا يدخله الرياء”. [شرح زاد المستقنع للشنقيطي 2/ 107].

فالله عز وجل خص نفسه بالصيام بإضافته إليه دون سائر الأعمال تنويهًا وتشريفًا وتفخيمًا له، ثم تولى الله جزاء صاحبه بلا عدد ولا حساب؛ ذلك أن الصيام سر بين الله وعبده. وقد ورد عن الرسول عليه الصلاة والسلام من حديث حذيفة أن الصيام يكفر السيئات ما لم تُرتكب الكبائر فقال: “فتنة الرجل في أهله وماله وجاره تكفرها الصلاة والصيام والصدقة” [أخرجه البخاري (1368)، ومسلم (144)].

ويكفي الصيام فضلاً ما رواه أبو سعيد الخدري أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: “ما من عبد يصوم يومًا في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفًا” [رواه البخاري (2840)، ومسلم (1153)]. والخريف السنة، والمراد مسيرة سبعين سنة.

ومن خصوصية (الصيام) أن له بابًا يُدعى الريان، لا يدخل منه أحد غير الصائمين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن في الجنة بابًا يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أُغلق، فلن يدخل منه أحد” [أخرجه: البخاري (1797)، ومسلم (1152)].

وحين تحبُّ إنسانًا فإنك تحب كل ما يتعلق به، ولأن الله يحب الصائمين، فإنه أكرمهم بما ورد على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم: “وَالَّذِي نَفْسُ ‏ ‏مُحَمَّدٍ ‏‏ بِيَدِهِ ‏‏ لَخُلُوفُ ‏‏فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ” (رواه مسلم: 1151).

ولذلك كان ديدنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصوم من التطوع بحسب ما يتيسر له، حتى قالت عائشة –رضي الله عنها-: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم. [رواه البخاري (1969)، ومسلم (1156)].

وأفضل صيام التطوع صيام داود- صلى الله عليه وسلم- كان يصوم يومًا، ويفطر يومًا.

وأفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرَّم، وآكده العاشر، ويستحب أن يصوم معه التاسع مخالفة لليهود، وصيام ست من شوال، قال عليه الصلاة والسلام: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» (رواه مسلم: 1164).

وصيام تسعة أيام من أول شهر ذي الحجة، وأفضلها التاسع، وهو يوم عرفة لغير حاج، وصيامه يكفر السنة الماضية والقادمة.

والصيام المطلق في سبيل الله. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «مَنْ صَامَ يَومًا فِي سَبِيلِ الله بَعَّدَ الله وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا». [رواه البخاري (2685)، ومسلم (1153)].

ويُستحب الإكثار من الصيام في شهر شعبان من أوله، وصيام يوم الاثنين من كل أسبوع.

وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وهي كصيام الدهر، ويُسن أن تكون أيام البيض، وهي الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر من كل شهر، وإن شاء صام من أول الشهر أو آخره.

كما يحرم صوم يوم عيد الفطر ويوم عيد الأضحى وصوم يوم الشك وهو يوم الثلاثين من شعبان إذا قصد به الاحتياط لرمضان، وصوم أيام التشريق إلا عن دم متعة وقران فقط فيجوز، ولا يشرع صوم الدهر، ويكره صوم يوم عرفة للحاج. ويحرم إفراد صيام رجب كله؛ لأنه من شعائر الجاهلية، فإن صام معه غيره فلا يحرم، ويكره إفراد صوم يوم الجمعة؛ لأنه من أعياد المسلمين، فإن صام معه غيره فلا يكره. ولا يجوز لامرأة أن تصوم نفلاً وزوجها حاضر إلا بإذنه، أما صوم رمضان وقضاء رمضان إذا ضاق وقته فإنها تصوم بدون إذنه.

    {وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} [البقرة: 197].

    بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآي والذكر الحكيم، أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الأخرى:

الحمد لله له الأولى والآخرة، وأشهد ألا إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي المقصرة بتقوى الله وطاعته، جعلنا الله ممن يستمع القول فيتبع أحسنه.

هذه أحكام تخص صيام التطوع:

أولاً: يصحُّ صيام التطوع بنيَّة من النهار؛ بحيث إن المسلم إذا لم يأتِ بأي مُفطِر بعد الفجر كالأكل أو الشرب أو الجماع، فإنه يجوز له أن يَنوي صيام التطوع في أي ساعة من النهار ولو بعد العصر، ثم يتم يومه صائمًا. فعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: دخل عَلَيَّ النبي- صلى الله عليه وسلم- ذات يوم فقال: «هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟» فَقُلْنَا: لا، قال: «فَإنِّي إذَنْ صَائِمٌ» ثم أتانا يومًا آخرَ فقلنا: يا رسول الله أُهدي لنا حَيْسٌ. فقال: «أَرِيْنِيهِ فَلَقَدْ أَصْبَحْتُ صَائِمًا» فَأَكَلَ. (أخرجه مسلم: 1154).

ثانيًا: إذا صام المسلم تطوعًا فالأفضل له إتمام صيامه، وإن قطعه لعذرٍ شرعي أو لغير عذر، فلا حرَج عليه، وإن قضى بدلاً عنه يومًا آخَر فهو حسن.

ثالثًا: من كان عليه قضاء شيء من رمضان، فالأفضل أن يَقضيه قبل أن يصوم تطوعًا، ولكن من صام تطوعًا في هذه الحال فصومه صحيح على الراجح من قولي العلماء؛ لأن وقت قضاء صيام رمضان موسَّع؛ فجاز التطوع قبل فعله؛ كالصلاة يتطوَّع في أول وقتها إلا صيام الست من شوال، فإنه يَنبغي أن يُقدِّم القضاء عليها حتى يتم رمضان.

 عباد الله، وفضائل صيام التطوع كثيرة منها: أن للصائم دعوةً عند فطره لا تُرد، كما أن الصوم يهذّب النفس ويدرّبها على الجوع والعطش والصبر، والإحساس بأحوال إخواننا المسلمين الذين لا يجدون ما يأكلون ولا ما يشربون.

وله أثر عظيم في تهذيب النفس وتدريبها على الفضائل وضبط العواطف والمشاعر، واستثمار الإرادة فيما فيه خير لها دنيا وأخرى، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ- صلى الله عليه وسلم-: «قَالَ اللهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ». [أخرجه البخاري (1795)، ومسلم (1151)].

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ الصِّيَامُ أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ وَيَقُولُ الْقُرْآنُ مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ قَالَ فَيُشَفَّعَانِ) [رواه أحمد 6626 وصححه الألباني].

أيها الإخوة الكرام، إن المسلم حين يسمع هذه الفضائل، فإن نفسه تطير شوقًا إلى أن يكون من أهلها، وقد تعوقه عوائق النفس الأمارة بالسوء والهوى والشيطان، فيدفع ذلك كله؛ ليلحق بالركب، ثم يجد لذلك لذة لا تضارعها لذائذ الدنيا كلها، أما سمعت من خبر الإمام القدوة المتعبد المتهجد عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، الذي أثنى عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (نِعمَ العبدُ عبد الله)، قال عنه نافع: كان ابن عمر لا يصوم في السفر ولا يكاد يفطر في الحضر.

 وعن سعيد بن جابر قال: لما احتُضِر ابنُ عمر قال: ما آسى على شيء من الدنيا إلا على ثلاث: “ظمأ الهواجر، ومكابدة الليل، وأني لم أقاتل الفئة الباغية التي نزلت هنا”، يعني الحجاج.

وقال معاذ بن جبل عند موته: هل أصبحنا؟ ثم قال: “أعوذ بالله من ليلة صبيحتها إلى النار، مرحبًا بالموت زائرٌ مغيبٌ، وحبيبٌ جاء على فاقة، اللهم إني كنت أخافك، وأنا اليوم أرجوك، اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لكري الأنهار، ولا لغرس الأشجار، ولكن لطول ظمأ الهواجر، وقيام ليل الشتاء، ومكابدة الساعات، ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر”.

يقول: أريد الدنيا من أجل هذه الأمور الثلاثة: ظمأ الهواجر بالصيام، وسهر الليالي بالقيام، ومزاحمة العلماء بالركب في مجالس الذكر، أما غير هذه فلا أريدها، رضي الله عنهم وأرضاهم.

وعن قتادة أن عامر بن قيس لما احتُضِرَ جعل يبكي، فقيل له: ما يبكيك، قال: “ما أبكي جزعًا من الموت ولا حرصًا على الدنيا، ولكن أبكي على ظمأ الهواجر وعلى قيام ليالي الشتاء”.

 وكان الحسنالبصرييقول: “إذالمتقدرعلىقيامالليلوصيامالنهار،فاعلمأنكمحروموقدكبَّلتكالخطاياوالذنوب”.

 وقد استمعت إلى هذه الفضائل، فكن من أهل الوصايا الثلاث: صلاة الضحى، وصلاة الوتر، وصيام الأيام البيض، وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر. وتسمى الأيام البيض؛ وذلك لبياض لياليها بطلوع القمر في جميعها، من أولها إلى آخرها.

لقد روى ابن عباس رضي الله عنهما: “أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان لا يَدَعُ صومَ أيامِ البيض في سفرٍ ولا حَضَر” [رواه النسائي (4/198) وصححه الألباني].

 وعن أبي ذر – رضي الله عنه – قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “إن كنتَ صائمًا، فعليك بالغرِّ البيض: ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة” [رواه الترمذي (761) وحسنه الألباني].

وورد في فضيلةِ صومِها أنها تَعدِل صيامَ الدهر؛ فعن عبد الملك بن المِنْهَال عن أبيه: “أنه كان مع النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يَأمُرهم بصيامِ البيض، ويقول: ((هي صيام الدهر))[ رواه ابن ماجه (1707)، وأحمد (5/28)، وابن حبان (3651)]. واستحباب صوم الأيام البيض قول الجمهور بل حكى الوزير الاتفاق على فضيلته.

ولك أن تصوم هذه الثلاثة أيام من أي الشهر شئت، فعن معاذة  أنها سألت عائشة –رضي الله عنها- : “أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثة أيام من كل شهر؟ قالت: نعم، قلت: من أيه كان يصوم؟ قالت: كان لا يبالي من أيه صام”(أخرجه مسلم: 1160).

وقال صلى الله عليه وسلم: «صيام ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله وإفطاره» (سنن النسائي 2408 وصححه الألباني).

وإذا كنا نصوم تعبدًا لله تعالى دون النظر إلى أية منفعة أخرى، فقد جعل الله –بفضله- فيما شرعه لنا من عبادات منافع أخرى، فقد ذكر الأطباء أن رطوبة الجسم تزيد فيها مع زيادة نور القمر واكتماله، والصوم يساعد على التخفيف من هذه الفضلات، وإفراغها من البدن، كما أن الصوم حينما يلاقي البدن ممتلئًا من هذه الرطوبة تخفّ مشقته ويسهل تحملها على الصائم، وهذا من الإعجاز في السنة النبوية.

وأضاف الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أن هذه الليالي البيض “وقت فوران الدم وزيادته، إذ إن الدم -بإذن الله- مقرون بالقمر، وإذا صام فإنه يخفّ عليه ضغط كثرة الدم، فهذه فائدة طبية، لكن كما قلنا كثيرًا بأن الفوائد الجسمية ينبغي أن يجعلها في ثاني الأمر بالنسبة للعبادات، حتى يكون الإنسان متعبدًا الله لا للمصلحة الجسمية أو الدنيوية، ولكن من أجل التقرب إلى الله بالعبادات”.

فهنيئًا لمن تقرب إلى الله بفعل النوافل، وخشع قلبه، ولانت جوارحه لله، فالأجر الجنة وما أعظمه من أجر، فهيا إلى روضات الجنات بالإخلاص وعبادة الله والتقرب إليه بكافة العبادات، ومنها: الصيام – صيام النوافل – فهو أعظم العبادات أجرًا، وفقنا الله للصالحات.

اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، ووفقنا لصيام التطوع قربة إليك، وتقبله منا يا رحمن يا رحيم، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين, واحم حوزة الدين وانصر عبادك الموحدين, واخذل من خذل هذا الدين. اللهم هيئ لأمة الإسلام أمرًا رشدًا يعز فيه أهل طاعته ويهدى فيه أهل معصيتك, ويُؤمر فيه بالمعروف ويُنهى فيه عن المنكر، وتُقام فيه شرائع دينك.

اللهم احفظ إخواننا المسلمين في كل مكان, اللهم احفظ عليهم دينهم وأمنهم وكرامتهم وأعراضهم، وارحمهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم انصر جندنا في ساحات القتال على أعدائك وأعدائهم، وثبت أقدامهم، وارم عنهم، وتقبل شهداءهم، وداو جرحاهم. وسائر المجاهدين في سبيلك في كل مكان.

اللهم أعز ديننا بولاة أمورنا واجعلهم صالحين مصلحين غير ضالين ولا مضلين سلمًا لأوليائك حربًا على أعدائك، ورد كيد الكائدين لبلادنا في نحورهم.

اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، غيثًا مُغيثًا، هنيئًا مريئًا، نافعًا غير ضار.. ربنا اغفر لنا ولآبائنا ولمشايخنا وذرياتنا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

 اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.



اترك تعليقاً