فضل اللغة العربية وسبل المحافظة عليها

الحمدُ للهِ الذي خلقَ الإنسانَ, علَّمَهُ البيانَ، وأشهدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لاَ شرِيكَ لَهُ الملك الديان، وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ، سيد الأنام أرسَلَهُ ربُّهُ بلسانٍ عربِيٍّ مبينٍ ليكونَ هدًى ورحمةً للعالمينَ، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وباركْ علَيه وعلَى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ.

اتقوا الله ـ عباد الله ـ في سركم وجهركم، وفي أنفسكم وأهليكم وأماناتكم، {وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [سورة البقرة 2/189]

أيها الإخوة: يقول الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ) [الروم:22]، اخْتِلَافُ لُغَاتِ الْبَشَرِ آيَةٌ عَظِيمَةٌ؛ فَهُمْ مَعَ اتِّحَادِهِمْ فِي النَّوْعِ، فقد اختلفوا في مسميات الأشياء، وسبل الكلام، وكأنهم من أنواع شتى، ومن أعظم الدلائل على عظمة البارئ عزَّ وجل أن يحيط بكافة الألسنة، ولا تختلط عليه اللغات.

ولا شك بأن أعظم اللغات شرفاً وأعلاها مكانة ورفعة وأكثرها إبانة وإفصاحاً لمراد المتكلم في دقة متناهية وزمن وجيز.. هي اللغة العربية، تلك شرفها الله -تعالى- بأن اختارها لحمل رسالة خاتم النبيين إلى الناس أجمعين إلى يوم الدين، وجعلها لغة كتابه العظيم؛ وجمع بلغاء العرب على لهجته بعد أن تنوعت بهم اللهجات العربية قبله، قال سبحانه: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) [الشعراء:192،195].

الُّلغةُ العَرَبِيَّةُ: زَهرةُ التَّأريخِ، وَشَهَادَةُ الأَجيَالِ، وَالـمَنهَلُ العذبُ، والبيانُ السَّاحِرُ, ومِفتَاحُ الحقِّ:

لغةٌ إذا وقعَت على أسمَاعِنا كانت لَنا بَرْدًا على الأَكبَادِ

سَتَظَـلُّ رَابِطَةً تُؤلِّفُ بَينَنَا

فهيَ الرَّجاءُ لِناطقٍ بالضَّـادِ

الُّلغةُ العَرَبِيَّةُ: حَامِلةُ رِسَالِةِ الإسلامِ، وأدَاةُ تَبليغِ الوَحيَينِ, مَحفُوظَةٌ بِحفظِ القُرآنِ الكَريمِ، واللهُ تعالى يقول: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون)[الحجر: 9]، هي لُغَةُ الإعجَازِ الإِلَهيِّ والإبْدَاعِ الأَدَبِي. والعَرَبُ عامَّةً وقُريشٌ خاصَّةً تَعرِفُ قِيمَةَ الُّلغةِ ومَدْلُولاتِها ومآلاتِها.

اللغة هي أداة التفكير ومفتاح العلوم، وَقد رَبَطَ – الخالق سُبحانَهُ- بينَ الِّلسَانِ العَرَبِيِّ وَبينَ إعمَالِ العَقلِ فَقَالَ -تَعالى-: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [يوسف: 2]، وقد أنتج علماء المُسلِمينَ مئات التفاسير على مر القرون، وألوف التأملات، أعمَلُوا عُقُولَهم فأنتَجُوا حَضَارَةً لا تُبارى.

أيُّها الأكارِم: لقد تَحدَّث أعلامُ الأُمةِ عن فَضلِ الُّلغةِ العَرَبِيَّةِ وَمَكانَتِها فقَالَ الخليفةُ الرَّاشِدُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: “تَعَلَّمُوا الْعَرَبِيَّةَ، فَإِنَّهَا تَزِيدُ فِي الْمُرُوءَةِ وتُثَبِّتُ الْعَقْلَ”. وكتبَ كاتبٌ لأبي موسى الأشعريِّ -رَضِيَ اللهُ عنه- خطابًا لعُمرَ ـ عنه ـ فَبَدَأَهُ بِقولِهِ: (مِنْ أبو مُوسى)، [وكان عليه أن يقول: من أبي موسى]، فَكَتَبَ إليه عُمرُ أن اضرِبه سَوطًا، واستبدِل به غيره! وقَالَ عبدُ المَلِكِ بنِ مَروانَ: “أَصلِحُوا أَلسِنَتَكُم فَإنَّ المَرءَ تَنُوبُهُ النَّائِبَةُ فَيستَعِيرُ الثَّوبَ والدَّابَةَ ولا يُمكِنُه أنْ يَستَعيرَ الِّلسانَ، وَجَمَالُ الرَّجُلِ فَصَاحَتُهُ”. بل كان بعض السلف ـ رحمهم الله ـ يؤدبون أولادهم إذا لحنوا في كلامهم، كَانَ ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- يَضْرِبَانِ أَوْلَادَهُمَا عَلَى اللَّحْنِ”. ما أعظمَ غَيرَتَهم على لُغَةِ القُرآنِ! فَلِلَّهِ دَرُّهُم!.

وقال عبد الملك بن مروان: “أصلحوا ألسنتكم فإن المرء تنوبه النائبة فيستعير الثوب والدابة ولا يمكنه أن يستعير اللسان، وجمال الرجل فصاحته”.

وقال الثعالبي: “من أحبّ الله أحبّ رسوله – صلى الله عليه وسلم -، ومن أحبّ النبي العربي أحبّ العرب، ومن أحبّ العرب أحبّ العربية التي بها نزل أفضلُ الكتب على أفضل العجم والعرب”. قال عمر عملاق الإسلام: “تعلموا العربية فإنها من الدين”…

وَقالَ شَيخُ الإسلامِ ابنُ تَيمِيَّةَ -رَحِمَهُ اللهُ-: اعلم أنَّ اعتِيادَ الُّلغَةِ يُؤثِّرُ في العقْلِ والخُلُقِ والدِّينِ تَأثِيراً قَويِّاً بَيِّناً، ويُؤَثِّرُ أَيضَاً فِي مُشَابَهةِ صَدْرِ هذهِ الأمَّةِ مِنْ الصَّحَابَةِ والتَّابِعينَ، ومُشَابَهَتُهُم تَزِيدُ العَقلَ والدَّينَ والخُلُقَ، والُّلغَةُ العَرَبِيَّةُ مِنْ الدِّينِ، وَمَعرِفَتُها فَرضٌ واجِبٌ، فإنَّ فَهمَ الكتَابِ والسنَّةِ فَرضٌ، ولا يُفهمانِ إلاَّ بِفَهمِ الُّلغَةِ العَرَبِيَّةِ، ومَا لا يَتِمُّ الوَاجِبُ إلاَّ بِهِ فَهو واجِبٌ.اهـ.

لُغتُنا يا كِرامُ: دَقِيقَةُ المَبنى واسِعةُ المَعنى! بِحرفٍ واحدٍ, بل بِحَرَكَةٍ واحِدَةٍ يَتَغَيَّرُ كُلُّ شيءٍ تَأمَّلُوا قَولَهُ -تَعالى-: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فاطر: 28]، ومعناها أنَّ الْعُلَمَاءَ بِسَبَبِ مَعرِفَتِهم

باللهِ وبِشَرعِهِ وأحكامِه فهُم أكثَرُ النَّاسِ خَشيَةً وَمَحبَّةً وإجلالاً لِلهِ تعالى. ولو قَرأها أحدٌ فَقالَ: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءَ، لَصَار معناها فَاسِدًا فَاحِشًا لو اعتقده القائل لكفر.

وبعدُ أُمَّةَ الإسلامِ: فإنَّما هذهِ ذِكرى لِلذَّاكِرينَ، وهَتْفَةٌ لِتَنبِيهِ الغَافِلِينَ؛ فَتَمسَّكُوا بلُغةِ القُرآنِ والدِّينِ، وربُّوا عليها أبناءَكم؛لِتَظفَرُوا بالحُلَّةِ والكَرَامَةِ,في الدُّنيا ودَارِ المُقَامَةِ.

حفِظَ الله لُغَتَنا مِن كُلِّ مَكرُوهٍ، وحيَّا اللهُ أَهلَهَا وأبَقَاهُم ذُخرًا يَصُونُونَ عِرضَها، ويَرُدُّونَ مَجدَها، أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجِيم: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [إبراهيم: 4].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآي والذكر الحكيم، أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الأخرى/

الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله ولي المتقين، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد فاتقوا الله عباد الله وأطيعوه. فقد قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}. فاللغة طريق الفهم للدين، والفهم طريق إلى العمل بتعاليمه، والعمل طريق التقوى الحقيقية، ولذلك فلا غرابة أنْ يَستَهدِفَها أعدَاؤُهَا، بالتَّهَجُّمِ تارةً وبِالتَّهوِينِ مِنْ شَأْنِهَا تارةً، وبِالسُّخرِيَةِ مِنها ومن المُشتَغِلينَ بِها تارةً أخرى، عَبْرَ وسائِلِ إعلامِهم، وقَصَصِهم، ورِواياتِهم، ومَسرَحِيَّاتِهم، حتى مع الأسفِ بِتنَا نسمعُ مِن أَبنَائِنَا عباراتِ الُّلغةِ الأجنَبِيَّةِ مُختَلِطَةً بِلُغَتِهُمُ اليَومِيَّةِ! بل إنَّ عَدَد المحَلاَّتِ التي تَحمِلُ المسميات الأجنَبِيَّةٍ أكثر من التي تحمل المسميات العربية، ولَطالَمَا حَمَلَتْ بعض الملابس التي يتزين بها بعض شبابنا وبناتنا وأطفالنا عِباراتٍ بَذيئَة وألفاظا مَشينَة ومع ذلكَ تُباعُ وتُلبسُ لأنها بلغة أجنبية!

حَقَّاً يا مؤمِنونَ: إنَّ الأَزمَةَ التي نَعِيشُها أَزمَةُ عِزَّةٍ لا أَزمَةَ لُغَةٍ، وأزْمَةُ نَاطِقينَ لا أَزمَةَ كِلمَاتٍ، فَلَمْ تَضعُف لُغَتُنا يَومَاً وَلَمْ تَعجَزْ، ولَكِنَّنا ضَعُفْنا وَقَصَّرْنا. مِسكينٌ هذا المُثَقَّفُ المُستَغْرِبُ الذي يخلط كلماته العربية بالأجنبية بقصد الإدلال بما يحمل من لغة، وهو لا يدري أنه يدلل على ضعف تمسكه بهويته، فيشَرَّق ويغرّب، يُفتِّشُ لَعَّله يَجِدُ لَهُ مَلجَأً أو مُدَّخَلا وما عَلِمَ أنَّهُ يسجل بذلك هزيمته ونكوصه وتقهقره.

قَالَ الرَّافِعِيُّ -رَحِمهُ اللهُ-: “ما ذَلَّت لُغَةُ شَعْبٍ إلاَّ ذَلَّ، ولا انحَطَّت إلاَّ كانَ أَمرُهُم في ذَهَابٍ وإِدبَارٍ, ولِهَذا يَفرِضُ الأَجنَبِيُّ لُغَتَهُ فَرْضَاً، ويَركَبُهُم بِها، ويُشعِرُهم عَظَمَتَهُ فِيها، فَأَمرُهُم مِن بَعدِهِ لأَمْرِهِ تَبَعٌ”.

عبادَ اللهِ: لا بد أنْ تَبقى لُغَتُنا هيَ الشَّامِخَةُ، ولا بُدَّ مِن تَحصينِ أَبنَاءِ الأُمَّةِ، والاعتِزَازِ بِالدِّينِ واللُّغَةِ، يَجبُ أنْ نُعلنَ أنَّنَا بِحَاجَةٍ إلى الأَمْنِ الُّلغَوِيِّ، كمَا أنَّنا بِحَاجَةٍ إلى الأَمْنِ الشرعي والأسري والفِكرِيِّ، والغِذَائِي، فَلنُفَعِّل لُغَتَنا فِي كَلامِنا ومَجَالِسنا وَمُخَاطَبَاتِنا وقصَائِدَنا وإعلامنا, ولنَغرِسَ ذلِكَ في

أولادِنَا ونُوَفِّرَ لَهم من الوَسَائِلِ ما يُعينهم على التَّفَاعُلِ مَعها، هذا هو الطريق، (وَكَفَى بِرَبّكَ هَادِيًا وَنَصِيراً) [الفرقان: 31].

أيُّها الأكارمُ: كل العالم يعتز بلغته، ويدرس بلغته، إلا بعض العرب. قال ابن تيميّة -رحمه الله- في مجموع الفتاوى: “وَمَا زَالَ السَّلَفُ يَكْرَهُونَ تَغْيِيرَ شَعَائِرِ الْعَرَبِ حَتَّى فِي الْمُعَامَلَاتِ وَهُوَ “التَّكَلُّم بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ” إلَّا لِحَاجَةِ كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ مَالِك وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَد بَلْ قَالَ مَالِك: “مَنْ تَكَلَّمَ فِي مَسْجِدِنَا بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ أُخْرِجَ مِنْهُ” مَعَ أَنَّ سَائِرَ الْأَلْسُنِ يَجُوزُ النُّطْقُ بِهَا لِأَصْحَابِهَا؛ وَلَكِنْ سَوَّغُوهَا لِلْحَاجَةِ وَكَرِهُوهَا لِغَيْرِ الْحَاجَةِ وَلِحِفْظِ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ كِتَابَهُ بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ وَبَعَثَ بِهِ نَبِيَّهُ الْعَرَبِيَّ وَجَعَلَ الْأُمَّةَ الْعَرَبِيَّةَ خَيْرَ الْأُمَمِ فَصَارَ حِفْظُ شِعَارِهِمْ -وهو التكلم بالعربية- مِنْ تَمَامِ حِفْظِ الْإِسْلَامِ”.

ويقول شيخ الإسلام -رحمه الله-: “ومعلومٌ أن تعلُّمَ العربية وتعليمَها فرضٌ على الكفاية”. وقال -رحمه الله-: “إنّ اللسان العربي شعارُ الإسلامِ وأهلهِ، واللغاتُ من أعظمِ شعائرِ الأمم التي بها يتميّزون”.. وقد عبَّر الشاطبيُّ -رحمه الله- عن هذا المعنى بقوله: “إن الشريعةَ عربيةٌّ، وإذا كانت عربيَّةً

فلا يفهمُها حقَّ الفهمِ إلا من فهِمَ اللغةَ العربيَّةَ حقَّ الفهمِ، فإذا فرضنا مُبتدِئًا في فهم العربية فهو مُبتدِئٌ في فهم الشريعة، أو متوسِّطًا فهو متوسِّطٌ في فهم الشريعة، فإن انتهى إلى درجة الغايةِ في العربية كان كذلك في الشريعة”.

مفكر يهودي قال في القرن التاسع عشر وهو إليعازر بن يهودا: “لا حياة لأمة دون لغة”، ثم بدأ مع غيره مشروع إحياء لغة دينية ميتة لم يكن يعرفها إلا قلة من اليهود المتدينين حتى أصبحت اليوم اللغة العبرية لغة دولة تدرس من الروضة إلى الدكتوراه في علوم الطب والفضاء وسائر العلوم المختلفة، فكان قَوَامَ تلك الدولة المغتصبة دينٌ تزعمُه ولغةٌ أحيتْها.

إن الخطر الداهم من البعد اللغة هو ما حدث من جراء ذلك، فقد أصبحنا لا نكاد نفقه كثيرًا مما نتلو من القرآن، الكتاب الذي نحن متعبدون بتلاوته، والأجر في حفظه وتدبره، كيف نعمل بقول الله تعالى؛ حتى لا نقع في الوعيد: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها}؟ والله لو سألت معظم المسلمين العرب اليوم عن معاني بعض الكلمات في المعوذتين اللتين يتلونهما كل يوم لما عرفوها.

إذا جهلنا معناها فلن نعرف الدلالة ولا المغزى فكيف ننتفع ونستجيب، قُطّعت الأوصال، وهدمت الجسور، فكيف يكون الوصول؟ ولست أتحدث هنا عن الكلمات المفردة بل حتى الكلمات والصياغات التي درجنا على غيرها فلم نعد نفقه معناها. والله سبحانه وتعالى قال: (وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ) [العنكبوت: 43].

نحتاج بالفعل التفاتة إلى إعادة أطفالنا إلى لغتهم بشتى صنوف الوسائل المتاحة، من خلال تعليمهم، وألعابهم، وحدائق فسحهم، وشاشاتهم الخاصة، نريد من شبابنا أن يعتزوا بلغتهم وإن تعلموا لغة أخرى وأجادوها ليطلبوا بها العلوم المختلفة، نريد من إعلامنا أن يحدث الناس بلغتهم الصافية النقية، لا أن ينحدر بهم إلى عامية العامية. فلنحمل مسؤوليتنا الفردية والأممية أمام لغتنا.

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعزَّ الإسلام وانصُر المسلمين، واخذُل الطغاةَ والملاحِدةَ والمُفسِدين. اللهم أبرِم لهذه الأمة أمرَ رُشدٍ، يُعزُّ فيه أهلُ طاعتِك، ويُهدَى فيه أهلُ معصيتِك، ويُؤمرُ فيه 

بالمعروف، ويُنهَى عن المُنكر يا رب العالمين. اللهم من أرادنا وبلادَنا وأراد الإسلام والمُسلمين بسوءٍ فأشغِله بنفسِه، ورُدَّ كيدَه في نَحره، واجعَل دائِرةَ السَّوء عليه يا رب العالمين.

اللهم انصُر المُجاهدين في سبيلِك في الحد الجنوبي، وفي كل مكانٍ يا رب العالمين، اللهم احفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم، واقبل شهداءهم، وداو جرحاهم، واخلفهم في أهليهم، واكبِت عدوَّهم.

اللهم الطُف بإخواننا في كل مكانٍ، اللهم ارفع عنهم البلاء، والطف بهم في هذا الشتاء القارس، وعجِّل لهم بالفَرَج، اللهم ارحَم ضعفَهم، واجبُر كسرَهم، وتولَّ أمرَهم، اللهم احقِن دماءَهم، وآمِن روعاتهم، واحفَظ أعراضَهم، وسُدَّ خلَّتَهم، وأطعِم جائِعَهم، واربِط على قلوبهم، وثبِّت أقدامَهم، وانصُرهم على من بغَى عليهم، اللهم انصُرهم على من بغَى عليهم، اللهم النصرهم على من بغى عليهم، اللهم أصلِح أحوالَهم، واجمَعهم على الهُدى، واكفِهم شِرارَهم.

اللهم وفِّق وليَّ أمرنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده لما تحبُّ وترضَى، وخُذ بناصيتهما للبرِّ والتقوى، اللهم وفِّق جميع وُلاة أمور المسلمين لتحكيم شرعِك، واتِّباع سُنَّة نبيِّك محمدٍ – صلى الله عليه وسلم -، واجعلهم رحمةً على عبادِك المُؤمنين.

اللهم انشُر الأمن والرخاءَ في بلادِنا وبلادِ المُسلمين، واكفِنا شرَّ الأشرار، وكيدَ الفُجَّار، وشرَّ طوارِق الليل والنهار. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا غيثًا هنيئًا مريئًا سحًّا طبَقًا مُجلِّلاً، عامًّا نافعًا غيرَ ضارٍّ، تُحيِي به البلاد، وتسقِي به العباد، وتجعلُه بلاغًا للحاضِر والباد.

ربنا اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم، ولجميع المسلمين، الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



اترك تعليقاً