خطبة عيد الأضحى 1430هـ
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران 102].
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
عباد الله إن يومكم هذا يوم الحج الأكبر؛ يؤدي فيه الحجاج معظم مناسك الحج، وهو عيد الأضحى والنحر؛ حيث يضحي الناس وينحرون هداياهم لله رب العالمين، فما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله من إراقة دم، وهذه الأضاحي سُنّة أبينا إبراهيم ونبينا محمد عليهما الصلاة والتسليم، وهي سنة مؤكدة يكره لمن قدر عليها أن يتركها.
أحبتي في الله: إن الله ما شرع أمرًا إلا لحكمة؛ علمها من علمها وجهلها من جهلها، وإن من حكم مشروعية الأضاحي إحياء ذكرى إبراهيم وولده إسماعيل عليهما السلام، وكيف لا تُحيى هذه الذكرى وقد برزت فيها صور الطاعة والتضحية والفداء والتسليم, {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ} [الصافات: 99-101].
فهذا إبراهيم الشيخ المقطوع من الأهل والقرابة، المهاجر من الأرض والوطن، يُرزق في كبره وهرمه بغلام طالما تطلع إليه، فلا يكاد يأنس به ويرافقه في الحياة، حتى يرى في منامه أنه يذبحه، ويدرك بأنها إشارة من ربه بالتضحية فماذا صنع؟
هل اعترض؟ هل تردد؟ هل سأل ربه: لماذا يا ربي أذبح ابني الحبيب؟
كلا لم يتردد، إنما هو القبول والرضا والتسليم!!
{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى} [الصافات: 102].
إن الأمر شاقّ وما في ذلك شك، فلم يُؤمر بإرسال ابنه الوحيد إلى معركة، ولا أن يكلف ابنه أمرًا تنتهي به حياته، إنما أُمر بأن يتولى هو بيده ذبحه؟
ومع هذا لا يأخذ ابنه على غرة لينفذ إشارة ربه وينتهي الأمر، إنما عرض الأمر على ابنه لينال هو الآخر أجر الطاعة ويتذوق حلاوة التسليم.
فماذا يكون من أمر الغلام الذي يعرض عليه الذبح؟ {قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات: 102].
إنه يتلقى الأمر لا في طاعة واستسلام فحسب؟ ولكن في رضا ويقين.
فشبح الذبح لا يزعجه ولا يفقده رشده، بل لا يُفقده أدبه ومودته لأبيه.
إنه لم يأخذ الأمر شجاعة ولم يأخذه اندفاعًا إلى الخطر دون مبالاة، ولم يرجع الفضل في امتثاله وصبره لنفسه، إنما أرجع الفضل كله لله الذي أعانه وصبّره على ما طلب منه…. يا للأدب مع الله! ويا لروعة الإيمان! ويا لعِظَم التسليم!
{فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [الصافات: 103].
ومرة أخرى يرتفع نُبلُ الطاعة وعظمة الإيمان، إن إبراهيم يمضي فيكبُّ ابنَه على جبينه استعدادًا، وإن الغلام يستسلم فلا يتحرك امتناعًا، وقد وصل الأمر أن يكون عيانًا.
وهنا كان الابتلاء قد تم، والامتحان قد وقع، ونتائجه ظهرت، وغاياته تحققت، فلم يبقَ إلا الألم البدني المسفوح والجسد الذبيح!!
{وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءِ الْمُبِينُ} [الصافات 104-106].
قد صدقت الرؤيا، وحققتها فعلاً، فالله لا يريد إلا الإسلام والاستسلام، بحيث لا يبقى في النفس ما تكنّه عن الله، أو تحتفظ به دونه، ولو كان هو الابن.. فلذة الكبد ولو.. كانت هي النفس والحياة.
وأنت يا إبراهيم قد جُدتَ بكل شيء في الأرض، وفي يقين، فلم يبقَ إلا اللحم والدم، وهذا ينوب عنه أيُّ ذبح من دم ولحم.
ويفدي الله هذه النفس التي أسلمت، يفديها بذِبْحٍ عظيم، ومضت بذلك سُنة النحر في الأضحى ذكرى لهذا الحدث العظيم الذي تجلت فيه حقيقة الإيمان وجمال الطاعة وعظمة التسليم، والذي ترجع إليه الأمة المسلمة لتعرف فيه حقيقة أبيها إبراهيم الذي تتبع ملته، وترث نسبه وعقيدته، ولِتدرك طبيعة العقيدة التي تقوم عليها لتعرف أنها الاستسلام لقدر الله في طاعة راضية واثقة ملبية لا تسأل ربها لماذا؟ ثم لتعرف أن ربها لا يريد أن يعذبها بالابتلاء، ولا أن يؤديها بالبلاء، إنما يريد أن تأتيه طائعة مستسلمة، فإذا عرف منها الصدق أعفاها من التضحيات والآلام وقبل منها وفداها، وأكرمها كما أكرم أباها إبراهيم عليه السلام. الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
الخطبة الأخرى:
الحمد لله تمت نعماؤه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، تباركت أسماؤه، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين..
أما بعد: اتقوا الله عباد الله.
إخوة الإيمان: إن من حِكم مشروعية الأضحية التوسعة على الناس يوم العيد، ذلك أن المسلم حين يقوم بذبح أضحيته، وإطعام أهله منها، فقد وسَّع على أسرته، وحين يهدي بعضها إلى أصدقائه وجيرانه فقد وسَّع عليهم وزادت المودة بينه وبينهم، وحين يتصدق بجزء منها إلى الفقراء والمحتاجين في يوم العيد فقد أغناهم عن المسألة في هذا اليوم، وأدخل السرور إلى قلوبهم، وجعلهم يشاركون المسلمين بعيدهم فيفرحون بالعيد.
وقد ذكر سبحانه وتعالى هذه الحكمة في كتابه فقال تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الحج: 36].
أحبتي في الله.. والأضحية صورة من صور الشكر التي اختارها الله سبحانه، بها يتقرب العبد إلى ربه؛ حيث يريق دم الأضحية امتثالاً لأمره سبحانه وتعالى.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
إخوة الإيمان.. اعلموا بأن وقت الذبح يبدأ بعد صلاة العيد، فعن البراء بن عازب رضي عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا نصلّي، ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح [أي قبل الصلاة] فإنما هو لحم قدّمه لأهله ليس من النسك في شيء» والحديث متفق عليه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.. بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} [سورة الكوثر].
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واحم حوزة الدين، وانصر عبادك المجاهدين، في بلادنا على الثغور، وفي سائر بلاد المسلمين. اللهم دافع عن المستضعفين المؤمنين في كل مكان.
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح ولاة أمورنا ووفقهم لما فيه خير البلاد والعباد، ونسألك أن تؤيد بتأييدك جنودنا الأبطال، وأن ترمي عنهم، وأن تقبل شهداءهم، وتخلفهم في أهلهم وذويهم.
ربنا نسألك أن تبارك لنا في عيدنا، وأن تعيننا على طاعتك، وأن تتقبل ذلك منا، إنك جواد كريم. اللهم احفظ حجاج بيتك، وتقبل منهم طاعاتهم إنك سميع عليم، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.