الخطبة الأولى/
الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره، الحمد لله الذي لا يخيب من دعاه، الحمد لله الذي لا يَكِلُ من توكَّل عليه إلى غيره، الحمد لله الذي هو ثقتُنا حين تنقطعُ الحيل، الحمدُ لله هو رجاؤنا حين تسوءُ ظنونُنا بأعمالنا، والحمدُ لله الذي يكشفُ ضُرَّنا عند كربنا، الحمدُ لله الذي يجزي بالإحسان إحسانًا وبالسيئات عفوًا وغفرانا.
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ومصطفاه من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد
فأوصيكم عباد الله ـ ونفسي المقصرة ـ بتقوى الله وطاعته، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون (18)} [الحشر].
انطلق الأذان يعطر الفضاء، الله أكبر.. الله أكبر، وعددٌ من الجلساء يتحدثون عن خبر سمعوه، ويستمر النداءُ الرباني: الله أكبر.. الله أكبر، فإذا بأحدهم يلفتُ أنظارهم بموقفٍ طريفٍ مرَّ به، والمؤذنُ يرفع عقيرته بأعظم عبارة في السماوات والأرض: أشهدُ ألا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، لكن أحدهم بدا له أن يخبرَ القوم بأن الطقس سوف يتغير، وأن الحرَّ سوف ينقشع قريبًا، وكأنه وكأنهم لم يسمعوا بحديثٍ صح عن حبيبهم صلى الله عليه وسلم يقول فيه: “مَن قالَ حين سَمِعَ المُؤذِّنَ: وأنا أشهَدُ أن لا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحدَه لا شَريكَ له، وأنَّ مُحَمَّدًا عَبدُه ورَسولُه، رَضيتُ باللهِ رَبًّا، وبمُحَمَّدٍ نَبِيًّا، وبالإسلامِ دينًا؛ غُفِر له ذَنبُه”، ويستمر الأذان، وتستمر الأخبار والطرائف والمزاح بين الأقران والخلان، وينتهي الأذان ولا تنتهي تلك الأحاديث، وكأنهم ليسوا في حاجة إلى شفاعة المصطفى صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، ألم يقل في حديثه العظيم: “مَن قالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هذِه الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، والصَّلَاةِ القَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الوَسِيلَةَ والفَضِيلَةَ، وابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الذي وعَدْتَهُ، حَلَّتْ له شَفَاعَتي يَومَ القِيَامَةِ”. [رواه البخاري].
دخل شابان المسجد قبيل الإقامة بقليل فبادر الأول منهما لصلاة ركعتين قبل دخول الإمام، وبقي الثاني ينتظر وصول الإمام وهو ينظر إلى الباب تارة، وإلى ساعته تارة، ولن تتخيّل الفرق بين الاثنين حتى تقرأ ما ورد في صحيح مسلم عن مَعْدَان بنِ أبي طلحةَ اليعمري قال: لَقِيتُ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقُلتُ: أخْبِرْنِي بعَمَلٍ أعْمَلُهُ يُدْخِلُنِي اللَّهُ به الجَنَّةَ؟ أوْ قالَ قُلتُ: بأَحَبِّ الأعْمَالِ إلى اللهِ، فَسَكَتَ. ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَسَكَتَ. ثُمَّ سَأَلْتُهُ الثَّالِثَةَ فَقالَ: سَأَلْتُ عن ذلكَ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: عَلَيْكَ بكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ، فإنَّكَ لا تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً، إلَّا رَفَعَكَ اللَّهُ بهَا دَرَجَةً، وحَطَّ عَنْكَ بهَا خَطِيئَةً”. أليست هذه غفلة عن أعظم غاية بعد رضا الله تعالى، إنها سلعةُ الله الغالية، إنها الجنة، بل جنات قال الله فيها: ” قالَ اللَّهُ: أعْدَدْتُ لِعِبادِي الصَّالِحِينَ ما لا عَيْنٌ رَأَتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ علَى قَلْبِ بَشَرٍ” [رواه البخاري].
والسؤال المهم: لماذا بادر الأول لصلاة تلك الركعتين مع ضيق الوقت، وتنازل الأول عن ذلك في المكان نفسه؟ لقد كان الأول يدرك معنى “إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة”. وفات على الأول ذلك المعنى، وصنع هذا الفقهُ، وذلك التعلقُ بالآخرة، ذلك التفاوتَ بين الشابين.
ترى رجلين يصفَّان متجاورينِ خلف الإمام، أما أحدهما فقد كان يعيش الصلاة منذ أن توضأ فأحسن الوضوء في بيته، وقد طيَّب فاه بالسواك، وقلبه بأذكار الوضوء والخروج من المنزل والمشي إلى المسجد والدخول إلى المسجد والسلام على المصلين، فهو يتهادى في بحبوحة من النعيم، من ذكر إلى ذكر، حتى يدخل المسجد؛ وهو يعلم يقينًا بأنه “لا يزال العبد في صلاة ما دام في المسجد ينتظر الصلاة ما لم يُحدِث”. [رواه الشيخان].
والسؤال هنا: إلى أين سيذهب هذا الذي لم ينتظر حتى انصرافَ الإمامِ عن قبلته ليستقبلَ المأمومين، وهو أمرٌ ندبَ إليه العلماء الأعلام أمثال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى، بل خرج من الصف بمجرد التسليمتين!!
فو الله لو استشعر هذا نقصَ صلاتِه، وسَرَحانَ ذهنِه، وتقصيرَه في الأداء، لقال من القلب: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، ثم قال: “اللَّهمَّ أعِنِّي على ذِكرِكَ وشكرِكَ وحُسنِ عبادتِكَ” [حديث صحيح]. ثم تذكر ذنوبه، وعلم أنه في حاجة إلى تلك الأذكار اليسيرة؛ ليطهرَ سجلاتِه منها، كيف وقد قال فيها رسول الهدى ـ صلى الله عليه وسلم ـ الرؤوفُ الرحيمُ بأمته: “من سبَّح اللهَ في دُبُرِ كلِّ صلاةٍ ثلاثًا وثلاثين، وحمد اللهَ ثلاثًا وثلاثين، وكبَّر اللهَ ثلاثًا وثلاثين، فتلك تسعٌ وتسعونَ، وقال تمامَ المائةِ: لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، له الملكُ، وله الحمدُ، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ، غُفِرت خطاياه وإن كانت مثلَ زَبَدِ البحرِ” [حديث صحيح].
بل تشوَّفَ صاحبُنا إلى حلقةِ ذكرٍ يعقدُها الإمام، يقتربُ منه إذا بدأ، ويسألُه عنها إذا توقَّف، فكيف لو كانت تلك الجلسةُ اليسيرةُ الوقت، العظيمةُ الأجر في تدبر كلام الله تعالى، إذن لاستشرف الأجرَ العظيم، والخيرَ العميم، والعلمَ النافع، في قول النبي صلى الله عليه وسلم: “وَما اجْتَمع قَوْمٌ في بَيْتٍ مِن بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بيْنَهُمْ؛ إِلَّا نَزَلَتْ عليهمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ المَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَن عِنْدَهُ، [رواه مسلم]، بل الأمر أعم من ذلك ـ ولله الحمد ـ فقد في الصحيح: “لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا حَفَّتْهُمُ المَلَائِكَةُ ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عليهمِ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَن عِنْدَهُ. [رواه مسلم].
لقد اقترح أحد الموظفين على مديره أن يتحدثَ الإمامُ في مصلى العمل بعد صلاة الظهر بخاطرة، يعظ فيها الحضور لا تتجاوز خمس دقائق، فإذا بها تصبح منارةَ خير، ودليلَ نور، وبلسمَ شفاء، وأصبح الموظفون ينتظرونها بشغف، لما وجدوا فيها من النفع لهم في دنياهم وأخراهم، فهنيئًا له الأجر والثواب.
وفي هذه الكلمات والدروس نشهد كل يوم أصنافًا ثلاثة، يتكررون عبر القرون، ففي الحديث الصحيح: “بيْنَما رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في المَسْجِدِ فأقْبَلَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ، فأقْبَلَ اثْنَانِ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وذَهَبَ واحِدٌ، فأمَّا أحَدُهُمَا، فَرَأَى فُرْجَةً في الحَلْقَةِ، فَجَلَسَ وأَمَّا الآخَرُ فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ، فَلَمَّا فَرَغَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: ألَا أُخْبِرُكُمْ عَنِ النَّفَرِ الثَّلَاثَةِ؟ أمَّا أحَدُهُمْ: فأوَى إلى اللَّهِ، فَآوَاهُ اللَّهُ، وأَمَّا الآخَرُ: فَاسْتَحْيَا فَاسْتَحْيَا اللَّهُ منه، وأَمَّا الآخَرُ: فأعْرَضَ فأعْرَضَ اللَّهُ عنْه”.
من الطبيعي أن يكون لدى الإنسان ما يستعجله في يوم من الأيام، لكن أن يكونَ سلوكَه اليوميَّ مع كل درس في المسجد، أو في بيته، أو في عمله!!
إن مشكلتَنا أننا لا ننتهزُ فرصَ الأجر وهي بين أيدينا، وتفوتُ علينا اصطيادَ لحظات الثواب فتطير بين أعيننا، ونفرطُ في أعمال جليلة مع سهولتها، وربما كانت بها نجاتُنا يوم نلقى ربنا.
قال الله تبارك وتعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20) سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)}.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآي والذكر الحكيم، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الأخرى
الحمد لله يدل عباده على طاعته، ويثيبهم عليها، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35)} [المائدة].
أيها المؤمن بالله وبملائكته، “إنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَلَائِكَةً سَيَّارَةً، فُضُلًا يَتَبَّعُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ، فَإِذَا وَجَدُوا مَجْلِسًا فيه ذِكْرٌ قَعَدُوا معهُمْ، وَحَفَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بأَجْنِحَتِهِمْ، حتَّى يَمْلَؤُوا ما بيْنَهُمْ وبيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَإِذَا تَفَرَّقُوا عَرَجُوا وَصَعِدُوا إلى السَّمَاءِ، قالَ: فَيَسْأَلُهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَهو أَعْلَمُ بهِمْ: مِن أَيْنَ جِئْتُمْ؟ فيَقولونَ: جِئْنَا مِن عِندِ عِبَادٍ لكَ في الأرْضِ، يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيُهَلِّلُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيَسْأَلُونَكَ، قالَ: وَمَاذَا يَسْأَلُونِي؟ قالوا: يَسْأَلُونَكَ جَنَّتَكَ، قالَ: وَهلْ رَأَوْا جَنَّتِي؟ قالوا: لَا، أَيْ رَبِّ قالَ: فَكيفَ لو رَأَوْا جَنَّتِي؟ قالوا: وَيَسْتَجِيرُونَكَ ، قالَ: وَمِمَّ يَسْتَجِيرُونَنِي؟ قالوا: مِن نَارِكَ يا رَبِّ، قالَ: وَهلْ رَأَوْا نَارِي؟ قالوا: لَا، قالَ: فَكيفَ لو رَأَوْا نَارِي؟ قالوا: وَيَسْتَغْفِرُونَكَ، قالَ: فيَقولُ: قدْ غَفَرْتُ لهمْ فأعْطَيْتُهُمْ ما سَأَلُوا، وَأَجَرْتُهُمْ ممَّا اسْتَجَارُوا، قالَ: فيَقولونَ: رَبِّ فيهم فُلَانٌ عَبْدٌ خَطَّاءٌ ، إنَّما مَرَّ فَجَلَسَ معهُمْ، قالَ: فيَقولُ: وَلَهُ غَفَرْتُ هُمُ القَوْمُ لا يَشْقَى بهِمْ جَلِيسُهُمْ.” [رواه مسلم].
الله أكبر، جلسة ذكر واحدة، تغفر بعدها ذنوبُك، وتُجارُ بسببها من النار، وتُعطى بها الجنة!!
عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: “خَرَجَ مُعَاوِيَةُ علَى حَلْقَةٍ في المَسْجِدِ، فَقالَ: ما أَجْلَسَكُمْ؟ قالوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ، قالَ: آللَّهِ ما أَجْلَسَكُمْ إلَّا ذَاكَ؟ قالوا: وَاللَّهِ ما أَجْلَسَنَا إلَّا ذَاكَ، قالَ: أَمَا إنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ، وَما كانَ أَحَدٌ بمَنْزِلَتي مِن رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أَقَلَّ عنْه حَدِيثًا مِنِّي، وإنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ خَرَجَ علَى حَلْقَةٍ مِن أَصْحَابِهِ، فَقالَ: ما أَجْلَسَكُمْ؟ قالوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ وَنَحْمَدُهُ علَى ما هَدَانَا لِلإِسْلَامِ، وَمَنَّ به عَلَيْنَا، قالَ: آللَّهِ ما أَجْلَسَكُمْ إلَّا ذَاكَ؟ قالوا: وَاللَّهِ ما أَجْلَسَنَا إلَّا ذَاكَ، قالَ: أَمَا إنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ، وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ فأخْبَرَنِي أنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي بكُمُ المَلَائِكَةَ . ». [رواه مسلم].
ماذا لو قيل لك: إن زيارةَ رحمك لا تمنحك أجرًا فحسب وإنما تنقلك من الفقر للغنى، ومن قِصَر العمر إلى طوله كما في الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم: “من أحبَّ أن يُبسطَ له في رزقه ويُنسأَ له في أَثَرِه فليصلْ رحمَه”، وهي لا تكلفك في الأسبوع إلا ساعة أو قل من ذلك بكثير!
وصدقتك التي تبذلها لله تعالى. كأنما تُقرض فيها ربَّك تبارك وتعالى” {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (11)} [الحديد]. أسمعت النتيجة: {فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ}؟ وتجعلك في عداد من يُدعى لهم في كل صباح كما في الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم: ” ما مِن يَومٍ يُصْبِحُ العِبادُ فِيهِ، إلَّا مَلَكانِ يَنْزِلانِ، فيَقولُ أحَدُهُما: اللَّهُمَّ أعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، ويقولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا”.
ووجود والديك كليهما أو أحدِهما بابان مفضيان بك إلى الجنان، كما قال صلى الله عليه وسلم: ” الوالدُ أوسطُ أبوابِ الجنَّةِ فأضع ذلِكَ البابَ أوِ احفظْهُ” [حديث صحيح].
وتلاوة صفحة أو صفحتين، أو جزء من القرآن كل يوم يجعلك من أهل شفاعته بإذن الله تعالى يوم القيامة: “اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإنَّه يَأْتي يَومَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأَصْحابِهِ” [رواه مسلم].
ولن تدرك هذا المعنى حتى ترى مُسنًا يتحسر على شبابه الذي أضاعه في اللهو، ومريضًا على سرير مرضه يتحسّر على فوات العافية، ومشغولاً لا يكاد يفرغ لشيء من ذلك وقد كان فارغًا زمانًا من عمره، وصدق صلى الله عليه وسلم حين قال: “نِعْمَتانِ مَغْبُونٌ فِيهِما كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ والفَراغُ.” [رواه البخاري].
الأمر بين يديك الآن ما دمت في حياة وعافية، فاليوم عمل، وغدًا حساب، والله المستعان.
اللهم يا عزيز يا حكيم أعز الإسلام والمسلمين، وانصر إخواننا المجاهدين في الحد الجنوبي وفي كل مكان، وارفع البأس والظلم والجوع عن إخواننا المستضعفين في كل مكان، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح ولاة أمورنا، ووفقهم لإصلاح رعاياهم، اللهم أيدهم بالحق وأيد الحق بهم، واجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، سلما لأوليائك حربا على أعدائك.
اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين ووليَّ عهده لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، واجعلهم ذخرًا للإسلام والمسلمين.
اللهم فك أسرى المسلمين، واقض الدين عن المدينين، واهد ضالهم، وهيء لأمة الإسلام أمرًا رشدًا يُعزُّ فيه أهلُ طاعتِك، ويُذلُّ فيه أهلُ معصيتِك، ويؤمرُ فيه بالمعروف ويُنهى فيه عن المنكر. اللهم بارك لنا فيما أعطيتنا، وأغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك، وأغننا برحمتك يا حي يا قيوم.
ربَّنا اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، واجعلنا من أهل جنة النعيم، برحمتك يا أرحم الراحمين اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله الطاهرين، وصحبه أجمعين، وعنا معهم برحمتك وفضلك ومنك يا أكرم الأكرمين.
– – – – – – – – – – – – – – – – – –
جامع الخضري، 1/4 /1446هـ