افتتاح المدارس
الخطبة الأولى:
الحمد لله على امتنانه، ونشكره على فضله وإحسانه، ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة نبتغي بها رضوانه، ونشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، فاتح أبواب جناته، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى من اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد.. فيا عباد الله: أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله وطاعته، مؤتمرين بقول الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
اعلموا أن سعادة أمرنا بحسن العمل وإتقانه، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه” رواه الطبراني وصححه الألباني.
وإن من أعظم ما تحتاج إليه الأمة الإسلامية اليوم هو إتقان صناعة الفرد الصالح في المجتمع دينًا ودنيا، وكيفًا وكمًّا، أدبًا وعلمًا، أمانة وصدقًا، رجالاً ونساءً، فإذا ما نالت الأمة حاجتها، وحصلت على بُغيتها، سلكت طريق التقدم، وخرجت من بوتقة الضعف والاتكالية، لتكون لها السيادة العالمية التي أرادها لها بارئها سبحانه، فتصبح مؤثِّرة لا متأثرة مُقَلَّدة لا مُقَلِّدة، تُسمع إن تكلمت، وتُطاع إن أَمرت، يهابها الأعداء، ويحترمها الشرفاء، وهل قامت هذه الأمة في مبدأ أمرها إلا على يد رجال صُنعوا في مدرسة النبوة الأولى على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، فساسوا الدنيا وهم قليلو العدد والعُدد.
{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [آل عمران: 110].
إن بناء الفرد المسلم على أساس من الدين القويم عقيدة وعبادة، أخلاقًا وفكرًا، من أهم خطوات تصنيع الفرد الصالح، وإن المساجد والمدارس والمعاهد والجامعات ونحوها من المؤسسات التعليمية هي من أبرز الوسائل المباشرة لتربية الرجال الصالحين المصلحين، حين تُشيّد تلك المؤسسات على التقوى، والعلم الرصين، والمسلك الحسن.
إن على المؤسسات التعليمية أن تستهدف تخريج الأقوياء علمًا وإيمانًا، المنتمين إلى عقيدتهم وأمتهم، الواعين بعصرهم ومتغيراته، القادرين على الحفاظ على هويتهم في زمن مسخ الهويات، وخلط الحضارات، إذا فعلنا ذلك نجحنا في إتمام البناء، أما إذا خرجنا بإنتاج نبت هزيل لا يسمن ولا يغني من جوع، يدرس الأخلاق الفاضلة والعقائد السليمة والعبادات والعلوم النافعة في منهجه الدراسي نظريًّا، ويفشل في تطبيقها في حياته، فإنها والله خسارة للجهود والأوقات والأموال، التي تُبذَل بسخاء.
معاشر المسلمين – آباء وأساتذة وطلابًا – هذه مؤسساتنا التعليمية سوف تفتح أبوابها للطلبة غدًا من جديد إن شاء الله تعالى، وإن المهمة التربوية التعليمية مشتركة بينكم جميعًا، فالآباء عليهم أن يتابعوا أولادهم في دراستهم، ويتصلوا بمدارسهم بالزيارة والمهاتفة؛ حتى يتعرفوا مستواهم الدراسي، ويطمأنوا بأنهم يتابعون الحضور في المدارس، ولا يتسيبون في الطرقات مع رفقاء السوء.
فالاستعداد للدراسة أيها الولي ليس بتحضير الأدوات المدرسية وتوفير المال في جيب الأولاد في ذهابهم إلى المدرسة فقط، وإنما في استمرار المتابعة، فـ”… الرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها…”. رواه البخاري. وإنما المؤمن يربي للآخرة، لا للدنيا، يقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور: 21].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآي والذكر الحكيم، أقول قولي هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه الغفور الرحيم.
الخطبة الأخرى:
الحمد لله كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد فاتقوا الله عباد الله..
إن المدرسة هي البيئة الثانية التي يواصل الناشئ فيها نموه، وإعداده للحياة المستقبلية، والتي تتعهد القالب الذي صاغه المنزل لشخصية الطفل والفتى بالتهذيب والتعديل، بما تهيئه له من نواحي النشاط لمرحلة النمو التي هو فيها، وفي المجتمع الجديد مجال واسع للتدريب والتعليم والتعامل مع غيره، والتكيف الاجتماعي، وتكوين الأسس الأولية للحقوق والواجبات والقيم الأخلاقية. فالناشئ يقضي ساعات يقظته –ولعدة سنوات– في المدرسة، مما يضعف روابطه بأسرته، واتكاليته على والديه، في المحافظة على شخصيته من التأثر السلبي بالمدرس السيئ، أو الأقران الفاشلين.
فمع المدرسة تجد قضية الصداقة والأقران، ولاسيما في مرحلة المراهقة، إذ يمثل الأقران واحدة من القوى التي تتجاذب الناشئ، وتمارس تأثيرها عليه،…. وهو يشعر في كثير من الأحيان أن أصدقاءه يفهمونه على نحو أفضل مما يفعل معه والده، كما يرى أنه يتماثل ويتفق معهم بدرجة أكبر من تماثله أو توافقه مع والديه، ومع ذلك يظل الناشئ على تقديره لوالديه مصدر التوجيه الأصيل بالنسبة إليه. ولكنه يرتبط ارتباطًا وثيقًا بمجموعة الأقران، ويكافح في سبيل تثبيت مكانته بها، ويتبنى قيمها ومعاييرها ومثلها السلوكية، ويتجه إليها بوجدانه وولائه، وهنا تكمن الخطورة البالغة، فربما كانت هذه المجموعة ذات فكر ضال، أو منحرف، أو ذات انحرافات سلوكية أو جنسية أو إجرامية، فلا بد من التعرف الكامل على أصدقاء الأولاد بنين وبنات، حتى لا تقع مفاجآت لا تُحمد عقباها.
والمدرسة التي تعمل على تربية شخصيات طلبتها من جميع نواحيها المعرفية والمزاجية والخُلقية، وتضع في برامجها من نواحي النشاط الاجتماعي والعمل، وما يتفاعل مع شخصية الناشئ هي التي تستطيع أن تحدث تغييرًا ملموسًا في تكوين الشخصية.
وتحتل شخصية المدرّس مكانة في هذا الصدد؛ إذ ينبغي أن يكون المدرس ذاته ذا شخصية مبتكرة، كي يستطيع أن يستقبل ويتقبل ابتكارية تلاميذه، وينمي ويعزز هذه الابتكارية لديهم، وتشير نتائج البحوث إلى أن المدرسين ذوي الابتكارية المرتفعة يستثيرون الأصالة لدى تلاميذهم بدرجة أكبر مما يفعل زملاؤهم ذوو الابتكارية الأقل.
وهنا يقع عبء اختيار الأساتذة الأكثر موهبة وتضحية وعطاء مع الاستقامة على منهج الله، ويقع هذا العبء على إدارة المدرسة عند توزيع المهام العلمية على أساتذة المدرسة.
إذن هناك ثلاثة مؤثرات أخرى غير ( الأسرة )، وهي: (المدرسة) و(المدرس الجاد المبتكر)، و(الأقران)، لها أهمية قصوى في نشأة الفرد وتوجيهه التوجيه الحسن.
ولذا فعلى الأولياء أن يتابعوا كل هذه المؤثرات على أولادهم، ليسعدوا بأولاد صالحين بنين وبنات، مؤملين في استقامتهم على الدين والإيمان في الدنيا، والبر بهم، ليكونوا كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74].
اللهم أصلح لنا ذرياتنا، وأصلح بهم، واهد لنا أحبابنا، واهد بهم، واحفظهم من كل سوء يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أعز دينك، وانصر عبادك، واخذل أعداء دينك، وهيئ لأمة الإسلام أمرًا رشدًا يعز فيه أهل طاعتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر وتحفظ فيه حدودك.
اللهم أصلحنا وأصلح ولاة أمورنا واجعل عملهم فيما يرضيك ويعز دينك. اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تهب لنا قلوبًا لينة، تخشع لذكرك وشكرك، وتطمئن لذكرك، وألسنة تلهج بشكرك. اللهم إنا نعوذ بك من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، ربنا اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد وعلى آله الطاهرين وصحابته أجمعين وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.