الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله الأطهار وأصحابه الأبرار،
أما بعد:
عباد الله: أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله وطاعته؛ استجابةً لأمر الله -جل وعلا-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 1-2]،
أيها الإخوة المؤمنون: إن الله -تعالى- العليم الحكيم أمر المرأة بأمرٍ عظيم، فيه حياتها وعفتها وكرامتها وصيانتها، فقال -تعالى-: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) [الأحزاب: 33]، قال ابن كثير -رحمه الله-: “أي الْزَمْنَ بيوتكن، فلا تخرجن لغير حاجة، ومن الحوائج الشرعية الصلاة في المسجد” اهـ،
وذكر ابن قال -تعالى-: (وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) [الأحزاب: 33] والتبرج هو إظهار الزينة، والتصنُّع بها، ومنه البروج؛ لظهورها وانكشافها للعيون، وقال مجاهد وقتادة: “التبرج هو التكسُّر والتغنُّج”، وقال ابن أبي نجيح: “هو التبختر وقيل هو إظهار الزينة، وإبراز المحاسن للرجال”، ولم يكن يعرف التبرج من النساء والخروج من البيوت عند سلفنا الصالح، وإنما تسرب إلينا على هذه الصفة في هذا العصر؛ للاختلاط بأهل الكفر ومن شابَههم من أذنابهم،
بل أمر الله نساء نبيّه، وهن في البيوت، بعدم المخاطبة إلا من وراء حجاب، قال -تعالى-: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) [الأحزاب: 53]، قال البغوي في تفسيره: “أي: من وراء ستر، فبعد آية الحجاب لم يكن لأحدٍ أن ينظر إلى امرأة من نساء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- متنقبة كانت أو غير متنقبة، ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن من الريب”،
بل حتى في هذا السؤال والخطاب لا يكون فيه خضوع، قال -تعالى-: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَستُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيتُنَّ فَلاَ تَخضَعنَ بِالقَولِ فَيَطمَعَ الَّذِي فِي قَلبِهِ مَرَضٌ وَقُلنَ قَولاً مَّعرُوفًا) [الأحزاب: 32]، قال ابن عباس: “أي: لا ترخصن بالقول، ولا تخضعن بالكلام”، كما نقل ذلك ابن جرير الطبري في تفسيره بإسناد إلى ابن عباس.
قوله -تعالى-: (فَيَطمَعَ الَّذِي فِي قَلبِهِ مَرَضٌ) [الأحزاب: 32]، قال ابن جرير: “الذي يطمع في قلبه ضعف لضعف إيمانه في قلبه؛ إما شاكّ في الإسلام منافق، فهو لذلك من أمره يستخفّ بحدود الله، وإما تهاون بإتيان الفواحش”.
قوله -تعالى-: (وَقُلنَ قَولاً مَعرُوفًا) قال ابن زيد: “قولاً جميلاً حسنًا معروفًا في الخير”، قال ابن كثير: “ومعنى هذا أنها تخاطب المرأة الأجانب بكلام ليس فيه ترخيم، أي لا تخاطب المرأةُ الأجانبَ كما تخاطب زوجها”،
إذًا هذا هو سبيل النجاة للمرأة وهو القرار في البيت، وأن السؤال من وراء حجاب، وأن ذلك بدون خضوع للقول، وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- الشفيق بأمته الرحيم بها، كما جاء ذلك في الصحيحين من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “كلكم راعٍ، وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام الأعظم الذي على الناس راعٍ وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده وهي مسؤولة عنهم، وعبد الرجل راعٍ على مال سيده وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته”.
وقد بوّب عليه البخاري “باب المرأة راعية في بيت زوجها”، فهذا الحديث يبيّن أن المرأة لها مكان ترعاه وهو بيت زوجها، فإذا خرجت من هذا الباب ضيّعت ما استرعاها الله عليه، والله سائلها عن ذلك فما جوابها، وإن صلاح المرأة ودينها وشرفها في داخل بيتها، قال -تعالى-: (وَاذكُرنَ مَا يُتلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِن آيَاتِ اللهِ وَالحِكمَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا) [الأحزاب: 34].
أخرج ابن خزيمة في كتاب التوحيد قال: “عن عبدالله قال: إذا لبست المرأة ثيابها ثم خرجت قيل: أين تذهبين؟ فتقول: أعود مريضًا، أو أصلي على جنازة، أو أصلي في مسجد، فقيل: وما تريدين بذلك؟ فتقول: وجه الله، والذي لا إله غيره ما التمست المرأة وجه الله بمثل أن تقرّ في بيتها وتعبد ربها”.
وجاء قريب من هذا اللفظ عند عبد الرزاق عن أبي عمرو الشيباني قال: “جاء رجل فقال: كان يقال: صلاة المرأة في بيتها خير من صلاتها في دارها، فقال له أبو عمر: ولم تطول؟ سمعت رب هذه الدار -يعني ابن مسعود- يحلف فيبلغ في اليمين، ما مصلى لامرأة خير من بيتها إلا في حج أو عمرة، إلا امرأة قد يئست من البعولة، فهي في منقليها، قيل: ما منقليها؟ قال أبو بكر: امرأة عجوز قد تقارب خطوها”.
والمرأة إذا خرجت تلاعب بها الشيطان واستشرفها، بل يكون خروجها بصورة شيطان في إقبالها وإدبارها، أخرج مسلم في صحيحه عن جابر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى امرأة فأتى امرأته زينب وهي تمعس منيئة لها، فقضى حاجته ثم خرج إلى أصحابه فقال: “إن المرأة تُقْبِل في صورة شيطان، وتُدبِر في صورة شيطان، فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله، فإن ذلك يرد ما في نفسه” (رواه مسلم)، معناه الإشارة إلى الهوى والدعوى إلى الفتنة بحالها، وما جعل الله في طباع الرجال من الميل إليها.
فإذا كانت تُقبل بصورة شيطان، وتُدبر بصورة شيطان، فهي فتنة للناظر وهي في ذلك الزمان، فكيف بهذا الزمان الذي خلعت فيه النساء جلباب الحياء واستهترت بالتبرج والسفور؟.
فمن أقبح المنكرات وأقبح البلايا، وأعظم الفتن وسبب سقوط الملك والدول أن تتبرج المرأة وتُظهر زينتها للرجال الأجانب في الطرقات والأسواق وأماكن التجارة، بل في المساجد وأعظم ذلك في المسجد الحرام، بل في الطواف بالبيت.
نراها في كل ساعة يزداد تبرجها وسفورها، فخلعت عنها ثيابها، وأصبحت بادية النهود والأرداف حاسرة الرأس، أو تكون كاسية كالعارية بلباس الزينة والتشبه بلباس الإفرنج كالبنطال ونحوه، ورائحة الأطياب تبدو منها من بعدُ، فلا دين يمنعها ولا حياء يردعها< ولا ولي يحافظ عليها وعلى كرامتها، فيوقفها عند حدها، والله المستعان. أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “صنفان من أهل النار لم أرهما؛ نساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا” (رواه مسلم)، وأخرج البخاري في صحيحه عن أم سلمة قالت: استيقظ النبي -صلى الله عليه وسلم- من الليل وهو يقول: “لا إله إلا الله! ماذا أُنزل الليلة من الفتن؟ ماذا أُنزل من الخزائن؟ من يُوقظ صواحب الحجرات؟ كم من كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة”، فهل يرضى أحد لموليته أن تكون من أهل النار، أو أن تكون عارية يوم القيامة، أو هل ترضى ذلك المرأة لنفسها؟!
وأخرج النسائي عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه-: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “أيما امرأة استعطرت فمرّت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية” (حسنه الألباني).
وقد حذّر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من فتنة النساء، وأخبر بأنه من أعظم ما يتضرر به الرجال، ففي الصحيحين من حديث أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء”، بل ما فُتنت الأمم السابقة بمثل الفتنة بالنساء، وجاء الأمر بالوقاية من فتنتها كما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء”.
فانظر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- كيف حذّر من فتنة النساء، وانظر إلى الواقع المؤسف، أما يكفي هذا زاجرًا ورادعًا؟ وكل يوم تزيد الفتنة بالنساء إذا رأيتها في الأسواق تتمطى في مشيتها عجبًا وتيهًا، وتتلون اختيالاً وزهوًا، بتدليل وتكسر وتظرف.
بل أعظم من ذلك تجده في الأسواق وغيرها تتساءل أهذه بلاد الإسلام! وصل بها الأمر إلى هذا الحد؟ كيف ترون ذلك وتصبرون؟ أما تغارون؟ أما تخافون العذاب من رب العباد؟ أما تخجلون؟ فالمرأة مأمورة بالاحتشام والحياء والبقاء في قعر البيت؛ لئلا تفتن وتفتتن فتتنغص عليها حياتها وسعادتها ويُخدش عرضها وتُهان كرامتها، وتنطلق إليها النظرات الوقحة الجريئة.
أيتها المرأة المسلمة: انظري لأي شيء خُلقتِ، خُلقتِ لعبادة ربك وعدم تعدي حدوده وانتهاك محارمه فالله -تعالى- أمرك فقال: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) [الأحزاب: 59]، قال ابن عباس: “أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عينًا واحدة”، وقال ابن سيرين: “سألت عبيدة السلماني عن هذه الآية، قال: فقال: بثوبه وغطى رأسه ووجهه وأبرز ثوبه عن إحدى عينيه”.
وقال -تعالى-: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور: 30-31]، أخرج البخاري في صحيحه أن عائشة -رضي الله عنها- كانت تقول لما نزلت هذه الآية: “شققن مروطهن فاختمرن بها”، أين هذا من واقعنا؟ واقعهم الاستجابة لأمر الله وواقعنا ونساءنا -إلا من رحم الله الاستجابة- لكل نابح وناعق وزنديق وفاجر مخنث عاهر!.
ثم ختم الله هذه الآية بقوله: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) قال ابن كثير: “أي افعلوا ما أمركم به من هذه الصفات الجميلة والأخلاق الجليلة، واتركوا ما كان عليه أهل الجاهلية من الأخلاق والصفات الرذيلة، فإن الفلاح كل الفلاح في فعل ما أمر الله به ورسوله، وترك ما نهينا عنه”.
وأخرج أحمد في مسنده عن ابن أسامة بن زيد أن أباه أسامة قال: كساني رسول الله قبطية كثيفة كانت مما أهداها دحية الكلبي، فكسوتها امرأتي فقال لي رسول الله: “مالك لا تلبس القبطية؟”، قلت: يا رسول الله! كسوتها امرأتي، فقال لي رسول الله: “مُرها فلتجعل تحتها غلالة؛ إني أخاف أن تصف حجم عظامها”.
قال العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ -رحمه الله-: “كسوة المرأة في الحقيقة هو ما سترها كاملاً بحيث يكون كثيفًا، فلا يُبدي جسمها ولا يصفُ لون بشرتها لرقته وصفائه، ويكون واسعًا فلا يبدي حجم أعضائها، ولا تقاطيع بدنها لضيقه” اهـ.
وروى مالك عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه أنها قالت: “دخلت حفصة بنت عبد الرحمن على عائشة أم المؤمنين وعلى حفصة خمار رقيق، فشقته عائشة وكستها خمارًا كثيفًا”، وأخرج النسائي عن أم سلمة قالت: سُئل رسول الله: كم تجر المرأة من ذيلها؟، قال: “شبرًا”، قالت: إذًا ينكشف عنها، قال: “ذراع لا تزيد عليها”، فهذا لباس المرأة وكسوتها، بل أُمرت أن تغطّي رأسها في الصلاة وهي في بيتها حيث لا يراها أحد.
وأخرج أبو داود عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار” (رواه أحمد والترمذي)، وقال الترمذي: “حديث عائشة حديث حسن، والعمل عليه عند أهل العلم أن المرأة إذا أدركت فصلّت وشيء من شعرها مكشوف لا تجوز صلاتها”.
بل عندما حصل شيء من التغير بعد موت الرسول -صلى الله عليه وسلم- من ناحية النساء ولباسهن وتوسعهن، قالت عائشة -رضي الله عنها-: “لو أدرك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أحدث النساء لمنعهن، كما منعت نساء بني إسرائيل” (أخرجه البخاري ومسلم)، هذا لفظ البخاري، ولفظ مسلم قالت: “لو أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى ما أحدث النساء لمنعهن المسجد، كما منعت نساء بني إسرائيل”.
انظر ماذا تقول عائشة أم المؤمنين حينما حصل من بعض النساء التغير، مع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “إذا استأذنت امرأة أحدكم فلا يمنعها” (أخرجاه في الصحيحين من حديث ابن عمر، وكما أخرج البخاري عن ابن عمر قال: كانت امرأة لعمر تشهد صلاة الصبح والعشاء في الجماعة في المسجد، فقيل لها: لِمَ تخرجين وقد تعلمين أن عمر يكره ذلك ويغار؟ قالت: وما يمنعه أن ينهاني، قال: يمنعه قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : “لا تمنعوا إماء الله مساجد الله”.
وقد اشترط أهل العلم شروطًا لجواز خروج النساء إلى المساجد، قال النووي عند شرحه في مسلم: “وهذه الشروط ألا تكون متطيبة ولا متزينة، ولا ذات خلاخل يُسمع صوتها، ولا ثياب فاخرة، ولا مختلطة بالرجال، ولا شابة ونحوها ممن يُفتتن بها، وألا يكون في الطريق ما يخاف به مفسدة، ونحوها”.
ويلحق في ذلك النقاب الفاتن ولبس البنطال أو الجلباب المزخرف، أو ما فيه من التشبه بالكفار أو التشبه بالرجال، وهذا كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “أيما امرأة أصابت بخورًا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة”، وعن زينب الثقفية امرأة عبدالله بن مسعود قالت: قال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبًا”، فلذا تجد هيئة النساء إذا خرجن في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- كما ذكرت ذلك عائشة -رضي الله عنها- قالت: “إن نساء المؤمنات كن يصلين الصبح مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم يرجعن ملفعات بمروطهن، لا يعرفهن أحدًا”.
بل أمرهن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يخرجن تفلات؛ أخرج أحمد وأبو داود من طريق محمد بن عمر وعن أبي سلمة عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ولكن ليخرجن وهن تفلات”، هذا لفظ أبي داود وإسناده لا بأس به.
وقد بيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن صلاتها في بيتها خيرٌ لها، أخرج أبو داود عن عبد الله عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “صلاة المرأة قي بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها، وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها”، قال البيهقي -رحمه الله-: “وفيه دلالة على أن الأمر بأن لا يُمْنَعْن أمر ندب واستحباب لا أمر فرض وإيجاب، وهو قول العامة من أهل العلم” اهـ.
وقد كره بعض أهل العلم الصلاة في المسجد كما قالت ذلك عائشة وابن مسعود، فيما أخرج ابن أبي شيبة عن أبي عمرو الشيباني قال: “رأيت ابن مسعود يحصب النساء يخرجهن من المسجد يوم الجمعة”، وجاء عن عبدالله ابن مسعود أيضًا عن أبي شيبة قال عبدالله بن مسعود: “المرأة عورة وأقرب ما تكون من ربها إذا كانت في قعر بيتها، فإذا خرجت استشرفها الشيطان”، بوّب على ذلك ابن حبان فقال: “ذكر الأمر للمرأة بلزوم قعر بيتها؛ لأن ذلك خير لها عند الله -عز وجل-“،
وجاء عن إبراهيم النخعي أن له ثلاث نسوة فلم يكن يدعهن يخرجن إلى جمعة ولا جماعة، وجاء عن أبي حنيفة: “لا يخرجن إلا للعيد خاصة”، وقال أحمد: “أكره خروجهن في هذا الزمان؛ لأنهن فتنة”.
ومنهم من رخّص فيه للعجائز دون الشوابّ، وهو قول مالك في رواية والشافعي وأبي يوسف ومحمد بن الحسن وطائفة من الحنابلة، هذا من كلام ابن رجب في فتح الباري، وهذا إذا صار فيه شيء من الفتنة في خروجها، أما إذا أُمنت الفتنة فإنه لا كلام لأحد عند السنة التي سنّها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الناهية عن منع النساء عند الخروج إلى المسجد.
فانظر -رحمك الله- أقوال الأئمة لوجود بعض من الفتن، وهي خارجة تتعبد الله في المسجد فكيف بخروجها للأسواق وأماكن الرقص والحفلات والأماكن المشبوهة؟ فيجب الغيرة على المحارم والقيام بحق القوامة التي ذكر الله -تعالى-: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) [النساء:34]، قال ابن كثير -رحمه الله-: “أي: الرجل قيم على المرأة وهو رئيسها وكبيرها الحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت؛ لأن الرجال أفضل من النساء، والرجل خير من المرأة، ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال وكذلك الملك الأعظم وكذا منصب القضاء وغير ذلك، فالرجل أفضل من المرأة في نفسه وله الفضل عليها والإفضال فناسب أن يكون قيّمًا عليها” اهـ.
اعرفوا -أيها الرجال- هذا الفضل وقوموا بحقه، لا تبخسوا أنفسكم حقها وتنسوا الفضل، لا تغلبنّكم النساء على رجولتكم، ولا يلهينكم الشيطان عن رعاية أهليكم، ولا تشتغلوا بأموالكم عن قيمكم وأخلاقكم والحفاظ على عوراتكم وشرفكم.
ويجب على الرجال أن يغاروا على محارمهم وهذه من صفات أهل الإيمان، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “إن الله يغار وإن المؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم عليه”، بل الغيرة لا تكون إلا عند الرجال العظماء، أما الذي لا يغار فهو ديوث، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال سعد بن عبادة: يا رسول الله! لو وجدت مع أهلي رجلاً لم أمسّه حتى آتي بأربعة شهداء!، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “نعم”، قال: كلا، والذي بعثك بالحق إن كنت لأعاجله بالسيف قبل ذلك، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “اسمعوا لما يقول سيدكم، إنه لغيور، وأنا أغير منه، والله أغير مني”، وعن المغيرة بن شعبة قال: قال سعد بن عبادة: لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح، فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: “أتعجبون من غيرة سعد لأنا أغير منه والله أغير مني”، هؤلاء الرجال الذين رباهم محمد -صلى الله عليه وسلم-.
وهذه قصة شاب يذكرها أبو سعيد الخدري قال: كان فتى منا حديث عهد بعرس قال: فخرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الخندق، فكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأنصاف النهار فيرجع إلى أهله، فاستأذنه يومًا فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “خذ عليك سلاحك؛ فإني أخشى عليك قريظة”، فأخذ الرجل سلاحه ثم رجع فإذا امرأته بين البابين قائمة فأهوى إليها الرمح ليطعنها به وأصابته غيرة، فقالت له: اكفف رمحك وادخل البيت حتى تنظر ما الذي أخرجني، فدخل فإذا بحية عظيمة منطوية على الفراش، فأهوى إليها بالرمح فانتظمها به ثم خرج فركزه في الدار فاضطربت عليه، فما يدري أيهما كان أسرع موتًا الحية أم الفتى، قال: فجئنا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكرنا ذلك وقلنا له: ادع الله يحييه لنا، فقال: “استغفروا لصاحبكم”.
بل المرأة تعظم الرجل الغيور وترفع من شأنه، بل تعرف أن وراءها رجلاً فيه رجولة وغيرة، فهذه أسماء بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما- قالت: “كنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على رأسي، وهي مني على ثلثي فرسخ، فجئت يومًا والنوى على رأسي، فلقيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومعه نفر من الأنصار فدعاني ثم قال: “أخ، أخ” ليحملني خلفه، فاستحييت أن أسير مع الرجال وذكرت الزبير وغيرته وكان أغير الناس، فعرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أني قد استحييت فمضى”.
بل الرجال أهل الغيرة يعرفون حتى في الرؤيا فعن أبي هريرة قال: بينما نحن عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ قال: “بينا أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر فقلت: لمن هذا القصر؟ فقال: لعمر بن الخطاب؟ فذكرت غيرته فوليت مدبرًا”، فبكى عمر وقال: أعليك أغار يا رسول الله؟!
قال القحطاني في نونيته:
إن الرجال الناظرين إلى النسا *** مثل الكلاب تطوف باللحمان
إن لم تصن تلك اللحوم أسودها *** أُكلت بلا عوض ولا أثمان
بل انظر للخليفة الراشد أبي تراب علي بن أبي طالب ماذا يقول؟، قال أحمد في المسند: عن علي قال: “أما تغارون أن يخرج نساؤكم! فإني بلغني أن نساءكم يخرجن في الأسواق يزاحمن العلوج”، رحماك يا رب، كيف لو رأى عليّ أو أحد رجال ذاك الزمان واقع نسائنا، تخرج هي التي تزاحم الرجال في الأسواق، وانظر إليها وهي خارجة من مدرستها والعلوج عن يمينها ويسارها وأمامها، انظر إليها وهي في الحفلات والمسلسلات والأفلام والمسرحيات ومقاهي الإنترنت والمطاعم العائلية، كيف لو أبصروا المرأة في هذا الزمان وقد صوّرت الصور في البطائق والوثائق؟ كيف لو رأوها وهي تطالب بقيادة السيارة وتنادي بفتح أماكن للعب كرة القدم والسلة والطائرة وغير ذلك.
ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، واجعلنا للمتقين إمامًا، واغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين،
الخطبة الثانية:
الحمد لله مجري السحاب، منزل الكتاب، هازم الأحزاب، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين،
أما بعد: فاتقوا الله..
معاشر المسلمين: اقضوا على أسباب الشر قبل أن يقضي عليكم، وسدوا أبواب الفساد قبل أن تنهـار عليكم، والله ثم والله لبطن الأرض خير من ظهرها، عائذًا بالله من الفتن، عائذًا بالله من الفتن.
إنك لا تستغرب هذا الأمر من الدعاة على أبواب جهنم، لكن المصيبة العظمى والكسر الذي لا يتجبر رضا بعض من يُرى عليهم أثر الصلاح؛ يرضون لنسائهم ذلك بل يطالبون بأن يكون هناك نساء في مكاتب الدعوة وفي المحاكم، بل بعض منهم يرضى أن تسافر المرأة مسافة ثلاثمائة كيلو متر يوميًّا، ويفتي بعضهم بجواز ذلك بدون محرم، ويقول بأن هذا ليس سفرًا، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “لا تسافر المرأة إلا مع محرم، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم”، وأخرج أبو داود عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “لا تسافر المرأة إلا معها ذو محرم”.
كيف تسافر بدون محرم ولم يأذن الشارع لنساء النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن يخرجن إلا لقضاء حوائجهن بعد أن كان عمر ينكر عليهن خروجهن للبراز، فعن عائشة أن أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- كن يخرجن بالليل إذا تبرزن إلى المناصع وهو صعيد أفيح، فكان عمر يقول للنبي -صلى الله عليه وسلم-: احجب نساءك، فلم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفعل، فخرجت سودة بنت زمعة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- ليلة من الليالي عشاء، وكانت امرأة طويلة فناداها عمر: “ألا قد عرفناك يا سودة”، حرصًا على أن ينزل الحجاب، فأنزل الله آية الحجاب، قالت عائشة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “قد أذن أن تخرجن في حاجتكن” يعني البراز.
ولذا نهى عن الدخول على النساء فعن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “إياكم والدخول على النساء”، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: “الحمو الموت”، أتظن أن الرسول ينهى عن ذلك ويرضى للمرأة أن تسافر بدون محرم أو أن تركب مع السائقين في البلد.
بل جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- أن وجود الرجل مع امرأته لا بد أن يبرئ ساحته، فعن صفية بنت حيي -رضي الله عنها- قالت: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- معتكفًا فأتيته أزوره ليلاً فحدثته ثم قمت فقام معي ليقلبني، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد، فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي -صلى الله عليه وسلم- أسرعا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “على رسلكما إنها صفية بنت حيي”، فقالا: سبحان الله يا رسول الله!، قال: “إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرًّا” أو قال: “شيئًا” هذا لفظ مسلم.
إذًا ماذا يريد دعاة تحرير المرأة اليوم، نعم إنهم دعاة تحرير المرأة من شرع ربها وسنة نبيه، وعبوديتها لربها إلى عبوديتها للشيطان، وأن يسترقوها وتكون سلعة رخيصة ومُضغة في أفواه المجرمين وإلا ماذا يريدون؟ ألم يجعل الله القرار لها في البيت وعملها فيه من أشرف الأعمال؟ ويدل على شرف عملها في البيت قيام سيد ولد آدم -صلى الله عليه وسلم- في مهنة أهله، عن الأسود بن يزيد قال: سئلت عائشة -رضي الله عنها-: ما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصنع في البيت؟، قالت: “كان يكون في مهنة أهله، فإذا سمع الأذان خرج”.
بل أخبر أن الجنة تحت قدم الأم، روى أحمد عن معاوية بن جاهمة أن جاهمة جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: يا رسول الله! أردت الغزو وجئتك أستشيرك، فقال: “هل لك من أم؟”، قال: نعم، فقال: “الزمها؛ فإن الجنة عند رجلها، ثم الثانية ثم الثالثة في مقاعد شتى كمثل هذا القول”.
وإن الأم مقدَّمة في البر وحسن الصحبة من الأب، فعن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله! من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: “أمك” قال: ثم من؟ قال: “ثم أمك”، قال: ثم من؟ قال: “ثم أمك”، قال: ثم من؟ قال: “ثم أبوك”.
وقد أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- بالنساء خيرًا في أعظم المواقف وأعظم جمع وهو موقف عرفة في خطبة عرفة، فقال -صلى الله عليه وسلم-: “فاتقوا الله في النساء؛ فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف”، وأخرج أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وخيارهم خيارهم لنسائهم”.
اسمعوا هذه النصوص يا دعاة الاختلاط، يا دعاة الرذيلة يا دعاة المجون والخنا، ويا من يحب الفاحشة في الصورة أو المجلة أو الإعلام المسموع أو المرئي أو المقروء، لدعوة حرية المرأة، دعوة المساواة بين المرأة والرجل في جميع الشؤون، يقولون ذلك بأفواههم وكتابة أقلامهم في الهرم في الوسائل، ويخترقون سد الذرائع إلى الرذائل، ويتقحمون الفضائح ويهوّنون من شأنها ويعيبونها وأهلها، كل ذلك يفعلونه وأشد، وبأنهم قوم يزعمون التباكي على المرأة والانتصار لها ولحقوقها، ذئاب جائرة وكلاب نائحة.
قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُواْ لَهُم عَذَابُ أَلِيمٌ فِي الدُّنيَا والآَخِرَةِ وَاللهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لاَ تَعلَمُونَ) [النور: 19]، وقال -تعالى-: (وَدُّواْ لَو تَكفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاءً) [النساء: 89]، وصدق فيهم قوله -تعالى-: (وَاللهُ أَن يَتوبَ عَلَيكُم وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيلاً عَظِيمًا) [النساء 27]، نقل ابن جرير في تفسيره عن ابن زيد في تفسيره هذه الآية قال: “يريد أهل الباطل وأهل الشهوات في دينهم أن تميلوا في دينكم ميلاً عظيمًا، تتبعون أمر دينهم وتتركون أمر الله وأمر دينكم”، وقال مجاهد: “هم الزناة يريدون أن تميلوا عن الحق فتزنون كما يزنون”،
وألصق وصف للدعاة على أبواب جهنم الذين من ضمنهم دعاة الاختلاط والحرية ومساواة المرأة بالرجل قوله -تعالى-: (وَإِذَا قِيلَ لَهُم لاَ تُفسِدُواْ فِي الأَرضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحنُ مُصلِحُونَ * أَلاَ إِنَّهُم هُمُ المُفسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشعُرُونَ) [البقرة: 11-12].
اللهم آمنا في أوطاننا، واجعل بلدنا هذا آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين، اللهم من أراد بلادنا هذه وسائر بلاد المسلمين بسوء فأشغله في نفسه، واجعل دائرة السوء عليه، اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تحرر المسجد الأقصى من أيدي اليهود الغاصبين، وأن تكبتهم، وتزهق باطلهم، اللهم دمِّر عروشهم، وخيّب آمالهم، واجعل دائرة السوء عليهم، ومزّقهم كل ممزق، وأنزل عليهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين.
اللهم تقبل توبتنا عن الحرام والمعاصي، وأرشدنا إلى أفضل الطاعات، وعودنا الشكر في السراء، والصبر في الضراء ما أحييتنا، اللهم وفق ولي أمرنا إلى ما تحبه وترضاه، وارزقه البطانة الصالحة الناصحة التي تعينه على الخير وتدله عليه، اللهم اجعله ممن يحب بحبك من أحبك، ويعادي بعداوتك من عاداك، إنك أنت السميع المجيب.
ربنا اغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.