كنا في رحلة.. هكذا عبّر الحجاج عن مشاعرهم وهم يختزلون سعادتهم الغامرة بما وفّقهم الله تعالى له من تيسير وصل حدّ الإحساس بأنهم في (رحلة) عناصرها المكان الجميل، والجو الرائع، والصُّحبة المحبوبة، والأُنس والمتعة.
الحج ليس ترفيهاً بالطبع، ولا سياحة مقصودة، فليس ثمة أنهار ولا شلالات ولا مدن ألعاب، الحج (عبادة)، وسياحة للروح، والعبادة مبنيّة على التيسير، فما خُيِّر النبي «صلى الله عليه وسلم» بين أمرَين إلا اختار أيسرهما، وما شاهده الحجاج وعايشوه هذا العام من تيسير في أداء المناسك بفضل الله تعـالى، ثم هذه المشروعات العملاقة التي دشنتها بلادنا، وأجواء تجللت بروحية كريمة تبعثها الأماكن المقدَّسة في النفوس، جعلهم يحسُّون بأنهم كانوا في رحلة سياحية رغيدة، خاصة الذين التحقوا بحملات تحترم الحاج، وتسعى لتقدّم له أفضل الخدمات بيدٍ، كما تقدّم له التوعية النقية، والفقه الميسّر باليد الأخرى، من خلال كوكبة من أهل العلم والفضل. ومما زاد الحج يُسراً وسهولة (قطار المشاعر المقدّسَّة)، الذي اختصر عشرات الساعات التي كانت تستنفد طاقات الحجاج، وتشحن صدورهم تعباً وهمّاً وقلقاً، مصاعد كهربائية، وسيارات خاصة بكبار السن، و(ميترو) كهربائي سريع، وخدمة ورعاية من الموظفين؛ لوقاية الحجاج من الاستخدام الخاطئ، جعل القطار الاختيار الأمثل للحاج. خدمة رائعة أضفت على الحج صورة حضارية من جانب، وخففت عناء وعذاباً كان كثير من الحجاج يعانون منه سنين متطاولة لكثرة أعدادهم وتناميها.
الشيء الوحيد الذي كان مقلقاً للحجاج وللقائمين على المحطة هو تلك (الفجوة) التي بين منصة القطار، وعتبته، أعرف ثلاثة أشخاص وقعوا فيها، أحدهم انقطع عنده الرباط في الركبة، والآخر دخلت ساقه حتى نهاية فخذه، والآخر انسلخ جلد ساقه وهو يقود عربة والدته المسنة!
واضح جداً أن القائمين على القطار يدركون خطورة هذه الفجوة، ولذا وضعوا عندها تنبيهاً، ولعلهم يرون الحوادث اليومية، ولكن لابد من حلها جذرياً، ولو بوضع إضافة إلكترونية متحرّكة تندلع كاللسان عند توقف القطار واستعداده لركوب الحجاج. في العام الماضي كتبت مقالة تتلظى بالمعاملة السيئة التي تلقاها عدد كبير من الحجاج في مطار الملك عبدالعزيز بجدة وتأخيرنا عن الموعد إحدى عشرة ساعة، لم نرَ فيها حتى ظلاً للاعتذار، وفي هذا العام، أكتب هذه المقالة فوق متن الطائرة المنطلقة من الطائف إلى الأحساء، بعد أن بكّرت عن موعدها ساعتين كاملتين، ولله الحمد والمنة، التفتَ إلي صديقي الدكتور إبراهيم التنم وقال: ماذا خسرت الخطوط حين بكّرت بنا؟ فأجبته فوراً: بل لقد ربحتنا، ولدينا الاستعداد لأن نمسح رهج الذكرى السيئة السابقة.
ولكن مطار الطائف أصغر من أن يتحمَّل ضغط موسم الحج، ولا أدري لماذا لم يتحوّل إلى مطار دولي، أو حتى محلي ضخم، تزداد معه مساحته، وتتسع خدماته، وتُضاعف إمكاناتُه؛ ليخفف العبء المتزايد على مطار جدة، وليكون فرصة جميلة لاستثمار الجمال الطائفي، ولو لم يكن من مسوّغ لهذا التطوير سوى قربه من مكة، وجودة الطريق بينهما لكفى، إلى جانب فرصة إضافة لمسات جمالية بين المدينتين، كالشلالات الصناعية والحدائق المعلقة، والمجسّمات المعبّرة، ونشرها على الجبال الشاهقة؛ لتعطي انطباعاً جميلاً لضيوف المملكة، فيما ليس بين جدة ومكة سوى صحراء، اجتهدت أمانة العاصمة أن تضيف إليها بعض اللمسات.
هنيئاً لكِ يا بلادي، ويا حكومة بلادي كل هذا النجاح العظيم، حقاً إنها سنة مثالية.. ومثالية جداً في نجاح موسم الحج في كل أطره ونواحيه.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.